عرض مشاركة مفردة
  #35  
قديم 13-05-2001, 06:34 PM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Post

لقد ارتبط الفكر الجاهلي بالملموس، والتصق الجاهليون – حتى العلية والقادة منهم - بالأمور التي تقع تحت قدرات الحواس المعتادة، كالنظر واللمس والسمع، وقد أراد الله تعالى لهم أن يرتفعوا عن هذا المستوى في فهم الأشياء، أراد لهم أن يرتقوا من مستوى العجماوات في فهمها وتعاملها مع ما يعاين وما يلمس وما يقع تحت قدراتها المحدودة إلى ما هو أعلى من ذلك، إلى المستوى الذي يفوق فيه آدم الملائكة في معرفته الأسماء.

ولو كان الحيوان كالإنسان لرأيناه يرتقي في مدارج الحضارة، ولرأيناه يطور وسائله لتتوافق مع احتياجاته، وهو أمر لم يقع خلال آلاف السنوات. فما زالت الطيور تعمل أعشاشها بنفس الطريقة، وما زالت الأبقار ترعى وتتوالد بنفس الأسلوب، ما زال ما كتب عن وصف حياة الحيوان الأعجم وسبل تصرفه منذ مئات السنين يصلح لوصف حيوان اليوم.

ولكن أمر الإنسان أمر آخر، فهو قادر على التطور، وقادر على افهم والتحليل المنطقي، وقادر على تغيير أنماط حياته، وتلبية احتياجاته الفطرية، وتكييف المكان ليوائم احتياجاته.

والإنسان فوق هذا كله قادر على استخدام تراكم المعلومات والتجارب، من مرحلة المشافهة وحتى مرحلة التوثيق والكتابة، وهانحن نقرأ ما كتبه الأقدمون، ونحفظ ما سطروه من الحكمة، وما زلنا نستفيد مما وصلوا إليه ونزيد عليه ما وصلنا إليه، والذين سيأتون من بعدنا سيستفيدون مما تركنا ويزيدون عليه.

ولعل مراقبٍ مهتمٍ بمسيرة الحضارة الإنسانية يلاحظ التسارع الذي عرفناه في القرن الأخير من مكتشفات علمية، وتطوير سبل الإدارة والسياسة، مما لا يقارن بما عرفه الآباء والأجداد، وكل ذلك ثمرة من ثمرات (التفكر) و(التدبر) القائم على (العلم) و(الفهم) و(التجربة).

ولقد بين الكتاب الكريم الفرق الواسع بين مستوى هموم وفكر كفار قريش، وبين المستوى الذي يريده لهم ذو العزة والجلال، وهو يدعوهم – سبحانه – إلى أن يرفعوا هاماتهم ليروا ما لا يراه من يبقى مكباً على وجهه.