عرض مشاركة مفردة
  #28  
قديم 22-03-2007, 12:46 PM
عماد الدين زنكي عماد الدين زنكي غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2007
المشاركات: 350
إفتراضي

قضايا و اراء



غدا تشرق الشمس
منطقتنا العربية في مفترق طرق تاريخي
بقلم : د‏.‏ ميلاد حنا



عقب انتهاء اجتماع دوري إجرائي للمجلس الأعلي للثقافة بالقاهرة أخيرا كان مخططا لأن يفتح حوار واسع بين أعضاء المجلس حول ما يجري في المنطقة العربية وظروف مصر الداخلية وعلاقتها مع العالم الغربي‏,‏ وبعد تداخلات مختلفة متباينة محدودة طلب البعض أن تكون هناك أوراق معدة تفتح شهية الحوار‏,‏ لعلنا نصل لبلورة توجهات أو بوصلة فكرية تنير الطريق‏,‏ فهناك الإحساس بوجود أزمة مجتمعية في المنطقة العربية عموما ومصر خصوصا‏.‏
ثم كانت دعوة من المثقف متعدد المواهب د‏.‏ إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية لمؤتمر حول قضايا الإصلاح العربي ـ الرؤية والتنفيذ وهي قضية أخري مطروحة وفي حاجة إلي بلورة خطة مقبولة من غالبية المثقفين لبناء علاقات عربية ـ عربية علي أسس نموذج ومسار الاتحاد الأوروبي‏.‏

وأخيرا كانت المفاجأة الكبري بنشر نص مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي أعدته أمريكا بهدف أن يقدم ويناقش في اجتماع مجموعة الدول الثماني الكبري في اجتماعها المقبل بولاية جورجيا بأمريكا في يونيو‏2004,‏ فكان حتما أن يفتح أهل الفكر حوارا كبيرا حول أن‏:‏
هزتني الأرقام والبيانات التي استهلت بها الولايات المتحدة تقريرها أو مشروعها أو خطتها التي أعدتها بعناية فائقة لتقدم إلي اجتماع الدول الثماني الكبري في اجتماعها المقبل في يونيو‏2004‏ بهدف اتخاذ قرارات تأخذ أغلبية أو إجماعا لوضع سياسة مشتركة تجاه منطقة الشرق الأوسط الكبير أو الواسع وهي تشمل مجمل بلدان العالم العربي الـ‏22‏ وأضيف إليها‏:‏ باكستان ـ أفغانستان ـ إيران ـ تركيا إسرائيل‏..!!(‏ تم إدراج اسم إسرائيل في هدوء ضمن دول المنطقة الواسعة‏).‏

وسوف أختار في هذا المقال ـ لعدم وجود مساحة كافية ـ بعض هذه الأرقام والمعلومات‏,‏ لندرك كيف يري ويفكر الآخرون في مشكلاتنا الحالية والمستقبلية‏,‏ لأنهم يرسمون في ضوئها مخططاتهم تجاهنا في مجال السياسة والاقتصاد‏,‏ من خلال العصا والجزرة ويسجلون ـ في مشروعهم ـ بصراحة ـ ودون مواربة ـ أن هذا الواقع الشرق أوسطي الكبير يؤثر في إيجاد الظروف التي تهدد المصالح الوطنية لكل أعضاء مجموع الثماني‏(‏ الكبار الذين صاروا وكأنهم مجلس إدارة العالم‏),‏ غير عابئين بميثاق الأمم المتحدة‏,‏ فهم من معالم النظام العالمي الجديد‏.‏
وأهم المعلومات والأرقام الواردة في مقدمة المشروع الأمريكي هي‏:‏

‏*‏ إجمالي الدخل المحلي لمجمل بلدان الجامعة العربية‏(‏ الـ‏22)‏ أقل من الدخل الإجمالي المحلي لأسبانيا وحدها‏.‏
‏*‏ نحو‏40%‏ من العرب البالغين أميون ـ ويصل عددهم لنحو‏65‏ مليون شخص ـ ويشكل النساء ثلثي هذا العدد‏,‏ وتعليقي أن كل حاكم ومواطن عربي يري أنه أمر جلل‏,‏ وكم كنت أتمني أن يعرض عمرو موسي خطة مدروسة للتخلص من هذا الأمر المشين للأمة العربية عبر خمس سنوات مثلا‏!!‏

‏*‏ إذا استمرت المعدلات الحالية للبطالة‏,‏ فسيصل حجم البطالة في المنطقة لنحو‏25‏ مليون شخص بحلول‏2010(‏ وأين هي رؤي مؤتمرات القمة العربية لمناقشة هذه القنبلة البشرية المتفجرة داخل دول عربية كثيرة وتهدد أمننا المجتمعي‏).‏
‏*‏ يعيش ثلث مواطني المنطقة علي دخل لا يتجاوز دولارين في اليوم‏,‏ ولتحسين مستويات المعيشة يجب أن يزداد النمو الاقتصادي في المنطقة لأكثر من ضعف المستوي الحالي الذي هو دون‏3%‏ حاليا‏.‏

‏*‏ عبر‏51%‏ من شباب العرب الأكبر سنا عن رغبتهم في الهجرة لبلدان أخري‏.‏
وتعكس هذه الأرقام‏(‏ وغيرها حجبته خجلا‏)‏ أن المنطقة العربية عند مفترق طرق‏,‏ حسبما جاء في نص الوثيقة‏,‏ فإذا استمرت علي هذا المسار الحالي‏,‏ فإنه سوف يضاف ـ كل عام ـ مزيد من الشباب المفتقر لمستويات لائقة من العمل والتعليم‏,‏ فضلا عن حرمانه من المشاركة السياسية‏,‏ ولسوف يعني ذلك تهديدا مباشرا للمنطقة‏,‏ وكذلك للمصالح المشتركة لأعضاء مجموعة الثماني‏.‏

والفترة الحالية تتيح لمجموعة الثماني فرصة تاريخية مناسبة لأن تصيغ مشاركة بعيدة المدي مع قادة الإصلاح في الشرق الأوسط الكبير تعالج النواقص التي حددها تقريرا الأمم المتحدة حول التنمية البشرية‏UNDP‏ تتلخص في العناوين الرئيسية الآتية‏:‏


‏(1)‏ تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح

‏(2)‏ بناء مجتمع معرفي‏(‏ وهو محور تقرير‏UNDP‏ لعام‏2003‏ وقد سبق لي الإشارة إليه في عدة مقالات‏,‏ ويبدو أننا في حاجة لاستئناف الكتابة وفتح حوار حول قضاياه مرة أخري‏)‏

‏(3)‏ توسيع الفرص الاقتصادية‏ (‏ وهذا هو سر إلحاحي علي التعاون والتآخي والاستثمار المشترك بين مصر والسودان في جميع المجالات لعلنا نخفف من أزمة البطالة ولزيادة حجم التجارة البينية وإعادة توزيع الدورة الزراعية بما يخدم اقتصاد القطرين‏)‏
ويركز التقرير علي وجود انتخابات حرة ونظيفة‏,‏ مستفيدين من أن هناك عدة دول في هذه المنطقة قد أعلنت أنها سوف تجري انتخابات عامة خلال الأعوام من‏2004‏ حتي‏2006,‏ وفي هذا الإطار حث التقرير الأمريكي مجموعة الثماني علي إنشاء أو تعزيز لجان انتخابية مستقلة لمراقبة الانتخابات والاستجابة للشكاوي‏,‏ فضلا عن الإسهام في تقنيات لتسجيل الناخبين‏(‏ وهو الأمر الذي طرحه منذ عام ‏1985 ‏ باقتراح قدمته لأن تكون العملية الانتخابية بأكملها تحت إدارة هيئة قضائية مستقلة مثل الهند‏,‏ وقد أقر د‏.‏ أحمد فتحي سرور في اجتماع عام أخيرا‏(‏ روتاري القاهرة‏)‏ أنه قد شاهد علي الطبيعة في الهند كفاءة هذا النظام الي أن صارت سمة عامة لنظافة وحياد الانتخابات الهندية‏.‏

‏***‏
أما النصيحة الأخري فهي لمجتمع وتنظيمات الحضارة العربية ـ الإسلامية لأنها تتحرك الآن منفردة من خلال الانتماء إلي العروبة وحدها‏,‏ أو الانتماء إلي الإسلام وحده‏,‏ بدعوي أن الغرب لا يتفهم القومية العربية بأهدافها الحضارية‏,‏ ولا هي متفهمة صحيح الإسلام‏,‏ لذلك فإن موقف العالم الإسلامي علي الصعيد العالمي لا يعطيه وزنا وقوة في مواجهة آليات وإعلام التحالف الغربي في أمريكا وأوروبا‏.‏
والحل ـ بمنتهي البساطة ـ هو أن القيادات الفكرية والثقافية لم تنظر حولها لتكتشف وجود أقليات عرقية ودينية كثيرة عاشت لقرون ومازالت تعيش داخل الوطن العربي والإسلامي مثل الأكراد والتركمان والأرمن والأقليات الإفريقية في السودان‏,‏ والبربر في الجزائر والمغرب وغيرها‏,‏ وكان موقف القومية العربية منها في بعض البلدان ومراحل التاريخ وصل أحيانا إلي مراحل حروب أهلية‏,‏ وهي أمور معروفة ومنشورة وأدت إلي تشويه صورة العرب في الغرب‏.‏

كذلك هناك أقليات دينية مسيحية شاركت في دعم وازدهار الحضارة الإسلامية نفسها‏,‏ وبالذات في حقبة حكم الخلافة العباسية‏,‏ وكانوا هم عصب حركة الترجمة إلي العربية لجميع كتب المعرفة العلمية والفلسفية في عصور وحضارات سابقة علي عصور الحضارة الإسلامية‏,‏ وذلك بسبب إتقانهم لكل من اللغات القديمة فضلا عن العربية‏.‏

وهذه الأقليات العرقية والدينية‏(‏ أي المسيحية المشرقة‏)‏ لها جمعيات أهلية بالمئات منتشرة وموجودة بل وفاعلة في العالم العربي‏,‏ ولهذه الفئات تنظيمات قديمة في معظم بلدان أمريكا وأوروبا وعلينا بناء جسور المشاركة بها ومعها فنجعل للحضارة العربية الإسلامية قبولا للآخر في المجتمعات الغربية‏,‏ خصوصا أن تلك المجتمعات الغربية مفتوحة من خلال الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني حيث تشارك في صناعة القرار في الغرب‏,‏ وتستفيد من هذه الآلية إسرائيل بشكل فعال وملحوظ‏.‏

وأخيرا فإن قيادات الفكر في العالم العربي عليهم أن ينفتحوا علي الحضارات في الشرق الأقصي وأمريكا اللاتينية‏,‏ كذلك علي الدول الإفريقية‏,‏ لأننا نركز فقط علي أمريكا وأوروبا باعتبارهما أقوي الكتل العالمية‏.‏





الاهرام

42813 ‏السنة 127-العدد 2004 فبراير 24 ‏4 من محرم 1425 هـ الثلاثاء