عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 23-08-2007, 05:33 AM
عاشق القمر عاشق القمر غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
المشاركات: 1,761
إفتراضي


-4-




أيها الولد..!!




لا تكن من الأعمال مفلسًا، ولا من الأحوال خاليًا، وتيقن أن العلم المجرد لا يأخذ اليد، مثاله لو كان على رجل في برية عشرة أسياف هندية مع أسلحة أخرى، وكان الرجل شجاعًا وأهل حرب، فحمل عليه أسد عظيم مهيب، فما ظنك؟ هل تدفع الأسلحة شره عنه بلا استعمالها وضربها؟ ومن المعلوم أنها لا تدفع إلا بالتحريك والضرب فكذا لو قرأ الرجل مائة ألف مسألة علمية وتعلمها. ولم يعمل بها، لا تفيده إلا بالعمل.


ومثله أيضًا: لو كان لرجل حرارة ومرض صفراوي يكون علاجه بالسكنجين والكشكاب([1]) فلا يحصل البرء إلا باستعمالها.


ولو قرأت العلم مائة سنة، وجمعت ألف كتاب، لا تكون مستعدًا لرحمة الله تعالى إلا بالعمل وأن ليس للإنسان إلا ما سعى([2]) فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا([3]) جزاء بما كانوا يكسبون([4]) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا، خالدين فيها لا يبغون عنها حولا([5]) إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا([6]).


وما تقول في هذه الأحاديث؟ (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً).


والإيمان. قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، ودليل الأعمال أكثر من أن يحصى وإن كان العبد يبلغ الجنة بفضل الله تعالى وكرمه، لكن بعد أن يستعد بطاعته وعبادته، لأن رحمة الله قريب من المحسنين. ولو قيل أيضًا: يبلغ بمجرد الإيمان قلنا: نعم.. لكن متى يبلغ؟ وكم من عقبة كئود ينتقلها إلى أن يصل؟



أول تلك العقبات: عقبة الإيمان، وأنه هل يسلم من سلب الإيمان أم لا؟ وإذا وصل يكون خائبًا مفلسًا، وقال الحسن البصري: يقول الله تعالى لعباده يوم القيامة: ادخلوا يا عبادي الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم.



-5-




ما لم تعمل لم تجد الأجر، حكي أن رجلاً من بني إسرائيل عبد الله تعالى سبعين سنة، فأراد الله تعالى أن يجلوه على الملائكة فأرسل الله إليه ملكًا يخبره أنه مع تلك العبادة لا يليق به دخول الجنة، فلما بلغه قال العابد: نحن خلقنا للعبادة، فينبغي لنا أن نعبده، فلما رجع الملك قال: إلهي.. أنت أعلم بما قال، فقال الله تعالى: إذا هو لم يعرض عن عبادتنا. فنحن (مع الكرم) لا نعرض عنه، اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له.




قال رسول الله: (حَاسِبُوا قبل أن تُحَاسَبُوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا) وقال علي رضي الله عنه (من ظن أنه بدون الجهد يَصِلُ فهو متمن، ومن ظن أن ببذل الجهد يصل فهو مستغن). وقال الحسن رحمه الله تعالى: (طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب) وقال: (علامة الحقيقة ترك ملاحظة العمل لا ترك العمل).



وقال رسول الله: (الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والأحمق من اتبع هواه، وتمنى على الله تعالى الأماني).




-6-


أيها الولد..!!

كم من ليلة أحييتها بتكرار العلم ومطالعة الكتب، وحرمت على نفسك النوم، لا أعلم ما كان الباعث فيه؟ إن كان نيل عرض الدنيا، وجذب حطامها وتحصيل مناصبها، والمباهاة على الأقران والأمثال، فويل لك ثم ويل لك، وإن كان قصدك فيه إحياء شريعة النبي، وتهذيب أخلاقك، وكسر النفس الأمارة بالسوء، فطوبى لك ثم طوبى لك، ولقد صدق من قال شعرًا:

سهر العيون لغير وجهك ضائع *** وبكاؤهن لغير فقدك باطل



__________________
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهنّد


سأغيب وقد يطول غيابى
فان طال
فتذكّرونى بالخير
وسامحونى على التقصير والذلل
وان عدت فترقبونى فى حلّة جديدة

اخوكم/
عاشق القمر