عرض مشاركة مفردة
  #24  
قديم 23-03-2006, 02:23 AM
محمد العاني محمد العاني غير متصل
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,514
إفتراضي

كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا :.:.: و حسّب المنايا أن يكُنّ أمانيا


صباح يوم الإحد..فتحت باب بيتنا، فوجدتُ أحد مدافع الحرس الجمهوري عند باب البيت..!!!
يا إلهي..لقد اقترب الوعد الحق..
توتّرت أعصابي أكثر و أكثر. كنّا نعلم أن القطعات العسكرية بين البيوت تعني المزيد من القصف. القصف الأمريكي بالصواريخ "الذكية" التي بدأت تزداد غباءاً شيئاً فشيئاً. بدأ القصف الأمريكي يحصد أرواح الناس الأبرياء. كلّما تجرّعوا المرّ من القوات العراقية كانوا يزدادون وحشيةً في قتل العراقيين الجنود و غير الجنود.

في خضم هذه الأحداث المتداعية، لم أعد أستطيع احتمال هذا الوضع أكثر. قررت أن أخرج من البيت. و طلب مني أبي أن أذهب إلى بيت أحد أصدقائي البعيدين جداً عن بيتنا و أن أبيت الليلة عنده لأن أبي لاحظ توتّر أعصابي الشديد.
خرجتُ من البيت..و بكل براءةٍ أوميت بيدي لسيارة تاكسي مرّت بين سيّارات الحرس الجمهوري..و سائق التاكسي توقّف. و صعدت معه و أخبرته أني أريد الذهاب إلى منطقة الكرّادة إلى بيت أعز أصدقائي "محمد". و في وسط القصف و أصوات المدافع..ذهبت إلى الكرادة.
و لو تعلمون الطريق الذي مررت به ذاهباً إلى الكرادة لأتهمتموني و سائق التاكسي بالجنون. فالطريق بين منطقتنا و الكرادة يمر بطريق المطار أولاً ثم بطريق القادسية السريع ثم بالقصر الجمهوري وصولاً إلى الجسر المعلّق في وسط بغداد و عبور نهر دجلة إلى الكرادة..!!!
و ربّما لا تصدقون..ولكن قبل أذان المغرب ذلك اليوم قام الجيش الأمريكي بالإنزال على كل هذه المناطق التي مررت بها و بعد مروري بها بساعات.
وصلت إلى بيت محمد صاحبي عند الساعة الحادية عشرة صباحاً. و فرح محمد برؤيتي أكثر من فرحته برؤية أي أحد بحياته. إذ إن الإتصالات بيننا انقطعت منذ فترةٍ و قد وصلته الأخبار عن إنزال المطار و ما تبعه من قصف و مواجهاتٍ عنيفة في المناطق المجاورة.
خرجنا سويّاً بسيارة محمد و قمنا بجولةٍ مجنونةٍ في بغداد بين القوات العراقية التي كانت تبدو صامدةً في وقتها. ذهبنا إلى العديد من المناطق نتفقد أحوال أصدقائنا. و عند الساعة الثالثة ظهراً سمعنا بإعلان في الراديو ينص على فرض منع التجوال إبتداءً من الساعة الخامسة عصراً في ذلك اليوم. و فيما بعد..فهمت سبب هذا القرار..
فسألني محمد إذا ما كنت أريد العودة إلى البيت أو المبيت عند محمد لأن الوقت يداهمنا و نحن نقترب من الساعة الخامسة. من الطبيعي أني قررت مخالفة طلب والدي بأن أبيت في بيت محمد صاحبي لأني لن أستطيع قضاء الليل بعيداً عن أهلي في مثل تلك الأيام العصيبة..خصوصاً مع الكابوس الذي كان يلازمني بأن بيتنا سوف يُقصف و سوف أكون الناجي الوحيد..!!!
كلما اقتربنا أكثر من بيتنا في العامرية غرب بغداد، كلما صارت أوضح و أوضح معالم القوات العراقية و المعارك الدائرة هناك..حتى وصلنا إلى بيتنا..
ترجّلت من السيارة و احتضنت محمد..و بكيت..
بكيت بشدّةٍ حتى أحسست أني لن أبكي على أحدٍ كذلك..
و كان آخر ما قلناه..
لا إله إلا الله..محمد رسول الله..

ما حدث صباح ذلك اليوم في مطار بغداد كان جريمة. جريمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. فقد جرح العراقيون كبرياء الأمريكان بتحرير المطار صباح أمس..فلم يستطع الأمريكان إبتلاع الهزيمة دون رد فعلٍ قاسٍ. عندما لاحظ الأمريكان ضراوة مقاومة القوات العراقية..و بدأت القوات العراقية بتطويق الإنزال الثاني للأمريكان و بدأوا يحصدون رؤوس الأمريكان، قرر المجرمون أنهم بحاجة إلى الإمعان في الإجرام.
بعض القادة العسكريون أيّدوا القصة التالية لما حصل.
هنالك شبكة من الأنفاق تحت الأرض بين المطار و القصور الرئاسية في الرضوانية و كرادة مريم.و هذه الأنفاق كبيرة بحيث تكفي لدخول الدروع فيها. و بعد أن دخلها الأمريكان للوصول إلى القصور الرئاسية من المطار قام العراقيون بإغلاق جزء كبير من الأنفاق و قاموا بإغراقها بالمياه و بعد فترة قاموا إيصال التيار الكهربائي إلى الأنفاق..!!!
تستطيعون تصور عدد الأمريكان الذين قُتلوا في هذه العملية..
و في الخارج كانت القوات العراقية تحاصر الأمريكان حصاراً شديداً و تضربهم بقوة. بعد ذلك قام الأمريكان بالإنسحاب عن طريق طائرات Chenoke المروحية. ثم جائت الطائرات النفاثة و أظنها F-14 و قامت بقصف المطار بسلاحٍ يسمى "القنابل النووية التكتيكية". و هي قنابل نووية تغطي مساحات محدودة يمكن إستخدامها في أراضي المعركة. و البعض قال أن الأمريكان استخدموا القنابل الفراغية التي مزقت أجساد الجنود العراقيين و أبقت على البنايات. هذا بالإضافة إلى اليورانيوم المنضب الذي استخدمته القوات الأمريكية بشكل واسع في ضرب الدروع العراقية.
لا يهم نوع الأسلحة التي استخدمت..بالنسبة لي على الأقل..إنما المهم أن حصيلة هذه المعركة هي مجموعة من الكُتل الشحمية و العظام المحروقة و الدبابات العراقية المنصهرة...
هذا ما تبقى من الأبطال الذين حاربوا هناك..رحمة الله عليهم أجمعين..

و احتل الأمريكان المطار بعد ذلك..لأنه لم يبق شئٌ حي ليقاتلهم في تلك المنطقة..ولا حتى النخيل العراقي الأبي..

من هذه المعركة العنيفة..استنتجنا بما لا يقبل الشك. أن الأمريكان مستعدون أن يصلوا بهذه الحرب إلى ما هو فوق المعقول. و إن إحتلال بغداد سيكون عن طريق سحقها للأرض منطقةً تلو الأخرى.
__________________


أنا عندي من الأسى جبلُ
يتمشى معي و ينتقلُ
أنا عندي و إن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤاد تشتعلُ
الرد مع إقتباس