عرض مشاركة مفردة
  #25  
قديم 22-04-2006, 02:00 AM
محمد العاني محمد العاني غير متصل
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,514
إفتراضي

الشمس أجمل في بلادي من سواها..و الظلام..
حتى الظلام هناكَ أجمل..فهو يحتضنُ العراق..


يوم الإثنين 7-4-2003 كان يوماً عصيباً آخر. في هذا اليوم كانت تبدو معالم إنتهاء "النزهة" التي تمتعنا بها لفترةٍ من الحرب. و ما أقصده بالنزهة هو محطات الوقود المفتوحة 24 ساعة يومياً و المخابز و الأسواق المفتوحة طيلة أيام الحرب. في هذا اليوم العصيب، فتحت باب البيت الخارجي و رأيت قطَعات الحرس الجمهوري تتخذ مواضعاً بين البيوت و في الشوارع..لقد جدّ الجد.
منذ ساعات الصباح الأولى و نحن نسمع أصوات الإطلاقات و المدافع. كان هنالك مواجهات عنيفة جداً بين القوات العراقية و قوات العدو في الأطراف الغربية من بغداد، في العامرية و أبي غريب و حتى على الطريق الدولي الذي يربط بغداد بالأردن و سوريا و ربما كانت الأعنف هناك.
كان ذلك اليوم مليئاً بلحظات الصمت. أقصد بلحظات الصمت اللحظات التي بين أن نسمع صوت صاروخٍ قادمٍ يقترب منا فنحبس أنفاسنا لنعرف وجهة هذا الصاروخ..ولا نستطيع التنفس حتى نسمع صوت إنفجاره في مكانٍ قريب.
"لقد بدأو بالإنتحار على أسوار بغداد الإعتبارية"..."لا وجود لعلوج الأمريكان في بغداد..أبداً"..هذه كانت آخر كلمات محمد سعيد الصحاف في آخر مرة زار فيها المركز الصحفي في فندق الميريديان في بغداد. كنا نعلم يقيناً أن هذا غير صحيح..فهذه المرة نحن في ساحة المعركة..نحن نسمع أصوات الإطلاقات تمزّق أجساد الجنود..و تُحرق قلوب الأمهات.
كلنا نعرف أن ثمن الحرّية هو الدم..و لم أزل أتمنى أن تكون هذه الدماء ضاعت في مواجهة صدام حسين لا في مواجهة المحتل..حتى تبقى أرضنا عزيزة كما كانت دائماً.
كان أحد أصحابي يقول لي دائماً.."لا تحزن إذا ما احتل الأمريكان العراق..فحروب الشعوب مع المحتلين دائماً تنتهي لصالح الشعب..على مر التأريخ..بينما حروب الشعوب ضد الطغاة..لا تنتهي دائماً لصالح الشعب". عبارةٌ تبدو صحيحةً..ولكن لا شئ في العالم يمكن أن يُقنعني بالقبول بالإحتلال. فأنا عراقي..و إن كنت أرفض أن أأتمر بأمرة أخي الكبير..فهل سأأتمر بأمرة الخنزير الصليبي الذي يدّعي أنه ممثل الله في الأرض؟؟
ليل يوم الإثنين و حتى صباح الثلاثاء كان نهاراً. لم نستطع الجلوس حتى ولن أقول النوم في تلك الليلة بسبب كثرة القصف و إقترابه. بدأنا حتى بسماع أصوات قذائف الدبابات الأمريكية تمزّق جسد بغداد الحبيبة شيئاً فشيئاً. و طائرات الـA10 تحوم فوقنا تضرب كلّ ما هو متحرك.
عسكر مجموعةٌ صغيرةٌ من قوات الحرس الجمهوري عند باب بيتنا. بدل أن يُشعرنا هذا بالأمان لوجود قواتنا، كان يُشعرنا بالفزع لأننا على يقينٍ أن طائرات العدو لن تترك أحداً منهم و سوف تقصفهم. و إن قصفتهم و أصابت فتلك مصيبة و إن قصفتهم و أخطأت فالمصيبة أكبر..و الله وحده عليمٌ بمصيرنا في الحالتين.
لم نكن نملك في تلك الليلة العصيبة غير الصلاة و الدعاء و قراءة القرآن الكريم..ألا بذكر الله تطمئن القلوب. لا أعلم كيف مرّت هذه الليلة العصيبة..ولكني أتذكر أن المجموعة الصغيرة التي كانت عند باب بيتنا تحدّثوا بأشياء لم أكن أفهم منها الكثير بسبب صوت القصف..و لم أسمع إلا في النهاية قولهم "الله أكبر"..و تحركوا سريعاً إلى الشارع الرئيسي ثم سمعنا صوت إطلاقات نارية شديدة كنا نميزها بأنها صوت الرشاشات نوع كلاشينكوف العراقية..و أغلب الظن أنها كانت نفس المجموعة في مواجهةٍ مع العدو..ثم سمعنا صوت صاروخ سريعٍ و إنفجارٍ كبير جداً..هزّ أركان البيت...
ثم انقطع صوت هذه المجموعة رحمة الله عليهم أجمعين..و وجدنا بُقيا من سيّارتهم العسكرية و خوذةِ أحدهم رحمة الله عليه و قد حطّت في حديقة بيتنا.

صباح يوم الثلاثاء رأينا سيّارات الشرطة تدور مسرعةً في الأزقة و الشوارع و تحدّثنا عبر مكبرات الصوت بأن نلازم البيوت. إستمر القصف و المواجهات العنيفة حتى أذان المغرب يوم الثلاثاء..
كنّا نسمع الأخبار من إذاعة بي بي سي و إذاعة مونتي كارلو..
إنزال القوات الأمريكية في معسكر التاجي..في القصر الجمهوري.. في ابي غريب .. على الطريق الدولي غرب بغداد..في شارع الزيتون المؤدي إلى القصور الرئاسية..في قصر الرضوانية..!!!
ما الذي يحدث؟؟
هل هذا الكلام صحيح؟؟ أين القوات العراقية؟؟..؟؟

في ليل الثلاثاء حتى صباح الأربعاء..لم نسمع صوت إطلاقة..!!!
إستطعنا النوم لأول مرة منذ بدء الحرب..
نمت و في ذهني تساؤلات عديدة..ماذا يحدث؟؟
ما هي خطّة صدام حسين؟؟


و صحوت صباح يوم التاسع من نيسان..عام 2003...
__________________


أنا عندي من الأسى جبلُ
يتمشى معي و ينتقلُ
أنا عندي و إن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤاد تشتعلُ
الرد مع إقتباس