عرض مشاركة مفردة
  #17  
قديم 17-08-2003, 09:14 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

الفصل الرابع حياته العلمية

أ :- مكانته العلمية

إن مما لا شك فيه ، ولا ريب يعتريه ، أنه لا توجد في الإسلام وظيفة أشرف قدرا ، وأسمى منزلة ، وأرحب أفقا ، وأثقل تبعة ، وأوثق عهدا ، وأعظم أجرا عند الله ، من وظيفة العالم! ذلك لأنه وراث لمقام النبوة ، وآخذ بأهم تكاليفها ، وهو الدعوة إلى الله وتوجيه خلقه إليه ، وتزكيتهم وتعليمهم وترويضهم على الحق حتى يفهموه ويقبلوه ، ثم يعملوا به ويعملوا له .

فالعالم بمفهومه الديني في الإسلام ، قائد ميدانه النفوس ، وسلاحه الكتاب والسنة وتفسيرهما العملي من الكتاب والسنة ، ومن فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه ، وعونه الأكبر الانتصار ، في هذا الميدان أن ينسى نفسه ويذوب في المعاني السامية التي جاء بها الإسلام وأن يطرح حظوظها وشهواتها من الاعتبار ، وأن يكون حظه من ميراث النبوة أن يزكي ويعلم ، وأن يقول الحق بلسانه ، ويحققه بجوارحه ، وأن ينصره إذا خذله الناس ، وأن يجاهد في سبيله بكل ما آتاه الله من قوة؛ وقد هيأ الله لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز هذه الصفات الحميدة ، والمناقب الرشيدة فأتاه الله حسن القبول ، ورفعة الذكر ، وانكباب المسلمين عليه في أقطار المعمورة ، إفتاء ودعوة وتوجيها وإرشادا وتسديدا ، بل إنه ليعتبر في مكانة علمية رفيعة فهو مفتي المسلمين ومرجعهم في النوائب والكرب والملمات والشدائد ، بعد الله سبحانه ، فهو لضعيفهم أب رحيم ، ولمظلومهم كهف منيع ولداعيهم موجه سديد ، ولطالبهم معلم رشيد ، ولفقيرهم محسن كريم ،

وأما الوسيلة الكبرى في نجاحه في هذه المكانة العلمية ووصوله إليها ، فهي أنه قد بدأ بنفسه في نقطة الأمر والنهي ، فلا يأمر بشيء مما أمر الله به ورسوله حتى يكون أول فاعل له ، ولا ينهى عن شيء مما نهى الله ورسوله عنه حتى يكون أول تارك له ، كل ذلك ليأخذ الناس عنه بالقدوة والتأسي أكثر مما يأخذون عنه بوساطة الأقوال المجردة والنصوص اللفظية ، لأنه أدرك - أدام الله عزه - تمام الإدراك أن تلاوة الأقوال والنصوص لا تعدو أن تكون تبليغا ، والتبليغ لا يستلزم الاتباع ، ولا يثمر الاهتداء ضربة لازم ، ولا يعدو أن يكون تذكيرا للناسي ، وتبكيتا للقاسي ، وتنبيها للخامل ، وتعليما للجاهل ، وإيقاظا للخامل ، وتحريكا للجامد ودلالة للضال . . .

أما جر الناس إلى الهداية بكيفية تشبه الإلزام فهو في التطبيقات والتفسيرات العملية التي كان المرشد الأول محمد صلى الله عليه وسلم يأتي بها في تربية أصحابه ، فيعلمهم بأعماله ، أكثر ما يعلمهم بأقواله . . . لعلمه وهو - سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم - بما للتربية العملية من الأثر في النفوس ، ومن الحفز إلى العمل بباعث فطري في الاقتداء ، وقد رأى مصداق ذلك في واقعة الحديبية حين أمر أصحابه بالقول فتردّدوا ، مع أنهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه لا ينطق عن الهوى ، ثم عمل فتتابعوا في العمل اقتداء به وكأنهم غير من كانوا .

ومما أوصل سماحته إلى هذه المكانة العلمية ، والمنزلة الرفيعة ، أنه يرى نفسه أنه مستحفظ على كتاب الله ، ومؤتمن على سنة رسوله في العمل بها وتبليغها كما هي ، وحارس لهما وعليهما أن يحرفهما الغالون ، أو يزيغ بهما عن حقيقتهما المبطلون ، أو يعبث بها المبتدعة الضالون ، فهو حذر أن يؤتى الإسلام من قبله ، تجده لذلك - حفظه الله - يقظ الضمير ، متأجج الشعور ، مضبوط الأنفاس ، دقيق الوزن ، مرهف الحس ، كثير العمل ، قليل الكلام عن نفسه وجهده وجهاده ، متتبع لما يأتي الناس ، وما يذرون من قول وعمل ، سريع الاستجابة للحق ، إذا دعا داعيه ، وإلى نجدته ، إذا ريع سربه ، أو طرق بالشر حماه . ومما أوصله إلى مكانته العلمية أنه قد أخذ على نفسه بالفزع والجد لحرب الباطل أول ما تنجم ناجمته وتظهر بوادره ، فلا يهدأ له خاطر ، ولا تلين له قناة ، حتى يوسعه إبطالا ومحوا ، ولا يسكت عليه وعنه حتى يستشري شره ويستفحل أمره ، فتستغلظ جذوره ، ويتبوأ من نفوس العامة مكانا مطمئنا ، بل يحاربه محاربة شديدة حتى يقل ويندثر ، وتلك صفة مجيدة ، ومنقبة حميدة تذكر لسماحته في كل منكر وباطل - زاده الله توفيقا - .

من تلك المقومات ، لمكانته العلمية أنه دائما يتذكر عهد الله على العلماء وأنه قد أخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق ، وأن الحق هو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه عز جل لهداية البشر وصلاح حالهم وإصلاح نفوسهم .

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }