عرض مشاركة مفردة
  #46  
قديم 10-12-2005, 02:28 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

الشيخ / عبد المحسن العبيكان في حوار مطوّل
يتحدث فيه عن تجربته في مناقشة السجناء بالسعودية


الرياض: تركي الصهيل

* كيف يتم قياس تراجع المطلوبين أمنيا من الناحية الفكرية، لا سيما أن بعضهم لا يزال في السجن؟ وكيف تتم عملية تزكيتهم؟

في الحقيقة، أن المناصحة تتم عن طريق جلسات مناقشة، في مكان مناسب، حيث يطلب من السجين أن يبدي جميع ما لديه من شبه، والأدلة التي يعتمد عليها، ويناقش ويعرف بالحق، وما هو معنى هذه الأدلة، والكثير ولله الحمد اقتنعوا، بعضهم من جلسة واحدة، وبعضهم من جلستين، والبعض الآخر من ثلاث جلسات. ثم بعد ذلك، يكتب محضر بأنه تمت المناقشة، واتضح على سبيل المثال، رجوع هذا الشخص عن فكره، واستقامة أحواله، ونوصي بإخراجه من السجن، وبالفعل خرج البعض منهم، وقام بعضهم بزيارتي في المسجد بين فترة وأخرى، فهناك من خرجوا واستقامت أحوالهم ولله الحمد.


ما هي أبرز القواعد الفقهية التي يستند إليها المطلوبون أمنيا، أو دعنا نقول المغرر بهم، وما الذي استشفتموه من خلال مناصحتهم؟

أكثر الشبه لديهم شبهة التكفير، فدائما يرون أن إعانة الحكومة ـ بحسب اعتقادهم ـ للكفار في حربهم على المسلمين، وطبعا الإعانة لم تحصل، والإعانة ليست بمحرمة على الإطلاق، بل هي على ثلاث حالات:

فالحالة الأولى: أن تكون توليا تاما مطلقا عاما، فهذا كفر مخرج عن ملة الإسلام وهو مراد من أطلق الكفر. الدليل قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين» المائدة: 51 . وقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وإنا اعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل» الممتحنة :1 . قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسير الآيات ما نصه: «نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين وان يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين، ثم توعد على ذلك، فقال تعالى: «فليس من الله في شيء» آل عمران: 28. أي : ومن يرتكب نهي الله في هذا، فقد برئ من الله، كما قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة» إلى أن قال «ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل». وقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا» النساء: 144. وقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم» المائدة: 51 . وقال تعالى بعد ذكر موالاة المؤمنين من المهاجرين والأنصار والأعراب: «والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» الأنفال: 73 . وقال الإمام ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ : «من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متول أحدا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه رضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه».
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ـ رحمهم الله : «قد فسرته السنة وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة». وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ : «إن كان توليا تاما كان ذلك كفرا وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ وما هو دونه».

والحالة الثانية: أن تكون لأجل تحصيل مصلحة خاصة للمتولي والمظاهر وليس هناك ما يلجئ إليها من خوف ونحوه، فهذا حرام وليس بكفر، والدليل: قصة حاطب بن أبي بلتعة، رضي الله عنه، التي رواها البخاري ومسلم، رحمهما الله، وغيرهما، وهي انه كتب كتابا لقريش يخبرهم فيه باستعداد النبي صلى الله عليه وسلم للزحف على مكة إذ كان يتجهز لفتحها وكان يكتم ذلك ليبغت قريشا على غير استعداد منها فتضطر إلى قبول الصلح وما كان يريد حربا، وأرسل حاطب كتابه مع جارية وضعته في عقاص شعرها، فأعلم الله نبيه بذلك فأرسل في اثرها عليا والزبير والمقداد، رضي الله عنهم، وقال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها»، فلما أتي به قال: «يا حاطب ما هذا»؟ فقال: يا رسول الله لا تعجل عليّ. إني كنت حليفا لقريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم ان اتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي، ولم افعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: «اما انه قد صدقكم»، واستأذن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في قتله فلم يأذن له، قالوا وفي ذلك نزل قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم ان تؤمنوا بالله ربكم». قال الحافظ بن حجر: «قوله في قصة حاطب بن أبي بلتعة: «فقال عمر: دعني يا رسول الله فأضرب عنقه»، إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به، لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق، وظن ان من يخالف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل، لكنه لم يجزم بذلك، فلذلك استأذن في قتله وأطلق عليه منافقا لكونه أبطن خلاف ما اظهر، وعذر حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولا ان لا ضرر فيه، وعند الطبري من طريق الحارث عن علي في هذه القصة: «فقال: أليس قد شهد بدرا ؟ قال: بلى، ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك». وقال ابن حزم: «وإما من حملته الحمية من أهل الثغر من المسلمين فاستعان بالمشركين الحربيين وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين أو على اخذ أموالهم أو سبيهم فإن كانت يده هي الغالبة وكان الكفار له كأتباع فهو هالك في غاية الفسوق ولا يكون بذلك كافرا لأنه لم يأت شيئا أوجب عليه كفرا قرآن أو إجماع». وقال الشيخ محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ـ: «واذا كان الشارع لم يحكم بكفر حاطب في موالاة المشركين التي هي موضع النهي». ولذا لم يذكر الفقهاء الموالاة والمظاهرة من ضمن المكفرات في باب حكم المرتد، يتضح ذلك لمن اطلع على كتاب الإقناع وشرحه والمغني وغيرهما. ويلاحظ أن الله عز وجل نادى حاطبا بلفظ الإيمان في قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا» الآية، فدل على انه لم يكفر بذلك العمل مع انه، تعالى، قال: «تلقون إليهم بالمودة». وقال سبحانه: «تسرون إليهم بالمودة».

أما الحالة الثالثة: جائزة، وهي عند الحاجة إليها والضرورة، كما قال تعالى في سورة آل عمران «لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة»، فاستثنى الله عز وجل، إذا خاف المسلمون واتقوا منهم شرا، أن يجوز لهم ذلك.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }