عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 04-09-2007, 01:51 AM
بيلسان بيلسان غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2001
الإقامة: في جسد امرأة خرافية
المشاركات: 2,221
إفتراضي


الفريضة الغائبة
إن "الفريضة الغائبة" الحقيقية الجديرة بالاعتبار لدى مسلمي اليوم هي فريضة
"عصرنة الإسلام"، أي تحديث أساليب فهمه والاجتهاد في تفسيره وترشيد المسلم لمعايشة العصر، وحينما كنت في عملي بالسعودية في نهايات السبعينات تصورت أن السعودية مؤهلة للعب دور ريادي وقيادي نحو تأدية هذه الفريضة الغائبة، فقد بدا من اهتمامها الكبير بمشاريع
التصنيع والتعمير أن لديها رؤية مستقبلية تستشرف ما بعد النفط، وأنها قد قررت استثمار مواردها المالية الهائلة في ذلك الوقت في تحقيق تلك الرؤية المستقبلية. وكانت اللحظة العربية والعالمية مهيأة لكي تلعب السعودية دوراً رياديا حضاريا مثيرا إذا ما اختارت ذلك. فقد منحها
قرار الملك فيصل استخدام سلاح النفط لمساندة مصر وسوريا في حرب 73 فائضا هائلا من المال كان يتدفق على خزائنها بمعدل أكثر بكثير من معدلات قدرتها على صرفه. فكان ذلك القرار ضربة حجر أصابت عصفورين في نفس الوقت، إذ أوقع على الغرب ضغطا هائلا للإسراع في إنهاء الحرب
وهو ما حدث فعلا – فيما زاد من سعر النفط أربعة أضعاف محققا للسعودية وكل دول
الخليج إيرادات هائلة منذ تلك اللحظة وحتى اليوم. وبالإضافة الى هذا كله ارتفعت المكانة العربية للمملكةالسعودية بتلك الضربة بشكل كبير. إذ منحتها مكانة سياسية واقتصادية مضاعفة. وراحت السعودية على أثر ذلك تنكب على إنجاز مشاريع عمرانية واقتصادية ضخمة بشكل بالغ السرعة، وتدفق العمال والفنيون من كل قطر عربي - خاصة من دول الجوار مصر والسودان والأردن وسوريا –للعمل بالسعودية، مما أحدث تغييراً في مجتمعات هذه الدول عندما كان هؤلاء يعودون الى بلادهم محملين ليس فقط بالأموال ولكن أيضا بالفكر الوهابي
وممارساته المتشددة مثل فرض الصلوات على الجميع وإيقاف كافة أنشطة الحياة
لاداءها وتحجيب أو تنقيب المرأة وإعادتها الى البيت وحجبها عن أعين الغرباءواللجوء للفتاوى وتحكيم رجال الدين في كل أمور الدنيا وتحويل المجتمع الى حفلةزار دائمة الهياج والصخب الديني. وكان لابد مع حالة الالتهاب الديني هذه أن يتراجع كل شيء آخر في المجتمع.
فذبلت الأنشطة الفنية والفكريةوالإعلامية والثقافية والعلمية وكافة أوجه الإبداع البشري الذي يخمده المتزمتون الذين هم بطبعهم خاملون فقراء الموهبة – لصالح ارتفاع الصخب الديني على دقات
طبول حفلة الزار القائمة أبدا في الشوارع والمكاتب والمحال التجارية وكافة
الأماكن العامة. وهذا ما كان وما يزال قائما في السعودية. وهكذا صدَرت السعودية فكرتها الوهابية الى المجتمعات العربية الأخرى، ووجدت في تنظيمات الإخوان المسلمين القائمة بهذه المجتمعات أعظم حليف وسند لها في نشر دعوتها السلفيةالمتشددة ونجحت في ذلك نجاحا عظيما في وجود
حكومات ضعيفة بينها وبين شعوبها قطيعة في معظم هذه الدول. بدلاً من قيادة نهضة عربية جديدة بما تملك من مكانة روحية واقتصادية وسياسية انتهت السعودية الى قيادة ردَة حضارية هائلة تحت مسمى الصحوة الإسلامية – ارتفعت فيها رايات الوهابية السلفيةوتراجعت رايات النهضة العربية بمضامينها القومية والعلمانية والمدنية وأفكارهاالتحررية واللبرالية بمختلف تنويعاتها.
ربما يقول البعض أن انتظار قيام السعودية بدور ريادي نهضوي هو أمر رومانسي وغير معقول. فمجتمعها البدوي غير مؤهل لمثل هذا الدور وفاقد الشيء لا يعطيه،
وأعترف أنه ربما كان في موقفي ذاك رومانسية غير مبررة ولعل دافعي كان الرغبة
المتلهفة في رؤية نهضة جديدة في المنطقة ليس بالضرورة أن تكون مصرية. فالنهضة في أي بقعة عربية لها أن تنتشل معها بقية البقاع والأطراف. وكان لضخامة الحركة العمرانية في السعودية والتي كنت مشاركا فعليا في تحقيقها في موقعي كمدير للمشروعات التجارية لمشروع الجبيل كجزء من إدارة شركة بكتل، ما يجعلني أسترسل على ذلك النحو الرومانسي. ولكن ما كان يجعل ذلك محفوفا بالشكوك أنني لم ألمح أي مظهر من مظاهر النهضة الثقافية الفكرية التي كانت ضرورية لمصاحبة الحركة العمرانية الاقتصادية. ففي النهاية لا يملك المال وحده أن يصنع حضارة ولكنه يحتاج الى توهج فكري وتحرر إبداعي يفجر الطاقات والمواهب الكامنة في الشباب لكي ينطلق خالقا ومبدعا ومشيدا، زارعا وصانعا ومبتكرا، مفكراً ومعبراً ومعلما، وهذا لم يحدث، ولم يبدُ أن مثل
هذه الرؤية كانت لدى القيادة السعودية، التي لم تظهر اهتماما سوي بإرساءالبنية التحتية من طرق وموانئ ومدن ومبان، دون التفاف الى أهمية بناء البنية التحتية الإنسانية عن طريق الانفتاح
الثقافي والفكري والفني.
__________________

سيدي البعيد جداً من موقعي,,

القريب جداً من أعماقي,,لا أعلم

هل تضخم بي الحزن فأصبحت أكبر من الوجود

أم ضاق بي الوجود.. فأصبح أصغر من حزني

النتيجة واحدة يا سيدي

فبقعة الأرض هذه، ماعادت تتسع لي

فبقعة الأرض التي كنت أقف عليها,,أصبحت الآن تقف علّي