عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 04-12-2004, 05:30 PM
فارس ترجل فارس ترجل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
المشاركات: 563
إفتراضي

فنقول: هذا كلام هزيل لأن تقديم الدعم أو المساندة للعمليات العسكرية من قبل جنود الاحتلال، (وكذلك من يقاتل معهم وتحت رايتهم، فهو وليهم وحليفهم، وهو منهم) ليس حراماً فقط، بل هو من {اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين}، وهو كفر وردة، وهو من أعمال المحاربة، وترك الدين، ومفارقة الجماعة، وهو نوع مخصوص من أشنع أصناف الإعانة على الإثم والعدوان.

وأما ما ذكره (الخطاب المفتوح) بعد ذلك مباشرة: (أما ما يتعلق بمصالح البلد وأهله - من توفير الكهرباء والماء والصحة والخدمات وضبط المرور واستمرار الأعمال والدراسة وديمومة المصالح العامة ومنع السرقة ونحوها - فلا بد من السعي في توفيرها بحسب الإمكان) فلا مكان له من الإعراب لأن المجاهدين لم يستهدفوا شيئاً من ذلك قط، ولا قاتلوا العاملين عليها مطلقاً، فمجرد ذكره يعطي إيحاءات خاطئة. ولكن الحصار الأمريكي المدمر، بمعاونة دولتكم السعودية الميمونة،وهو الذي كان يستهدف الكهرباء والماء والصحة والخدمات، وكافة البنى التحتية.

ثم انتقل (الخطاب المفتوح) إلى نقطة جديدة، فأكد (إن من مقررات الشريعة الثابتة المستقرة - التي لا خلاف عليها بين أهل الإسلام - حفظ دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم) وساق بعض الأدلة المعروفة على ذلك، التي مل الناس من ذكرها عارية عن التفصيل والبيان. وختم (الخطاب المفتوح) الكلام في هذه النقطة بالقول: (ولهذا يجب أن يحفظ هذا الأصل الذي هو حقن دم المسلم وتحريم ماله وعرضه وعدم فتح باب التأويل في ذلك). ولكن بقي المعنى في (بطن الشاعر) حيث لم يتضح المقصود من هذا الخطاب. فحسب معلوماتنا فإن المجاهدين ما استحلوا دماً معصوماً، وإنما قتلوا فقط (من امتنع بالقوة المسلحة عما لزمه من الشرائع)، أي أصبح حربياً بانضوائه مثلاً، تحت الراية الحربية الكفرية أو لامتناعه بالقوة المسلحة عن الحكم بما أنزل الله. فليس هناك تأويل، أو فتح لباب التأويل: فالرايات متميزة، والمعسكرات متباينة. أما قتل الناس بالشبهة والتأويل فهو من خصوصيات دولتكم السعودية (الدولة المباركة، التي نصر الله بها الحق وأهله)، التي كانت، ومازالت، تقتل أهل الإسلام، وتذر، بل وتوالي وتحالف وتنصر أهل الأوثان.

ثم قال (الخطاب المفتوح): (من المصلحة الظاهرة للإسلام والمسلمين في العراق وفي العالم ألا يستهدف المستضعفون ممن ليسوا طرفاً في النـزاع وليست دولهم مشاركة في الحملة العسكرية على العراق كمن يقومون بمهمات إنسانية أو إعلامية أو حياتية عادية لا علاقة لها بالمجهود الحربي، وقد قال تعالى : {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لايحب المعتدين}).

فنقول: هذا كلام مؤسف، لا تشم منه رائحة الفقه، وليس فيه أثارة من علم:

(1) فليس فيه تعريف لهذه اللفظة (المستضعفون)؛

(2) وليس فيه بيان لعلاقة الحكم المذكور في هذه الفقرة بـ(الاستضعاف)؛

(3) وهل يعني هذا أن غير المستضعفين يجوز قتلهم، حتى ولو كانوا ممن ليسوا طرفاً في النـزاع وليست دولهم مشاركة في الحملة العسكرية؟!

(4) وهل تعني عبارة: (من المصلحة الظاهرة للإسلام والمسلمين ... إلخ) أن المانع من قتل هؤلاء مجرد مراعاة المصلحة، مع جواز ذلك من حيث المبدأ أصلاً؟!

ثم أفحش الموقعون (الخطاب المفتوح) في التخليط عندما ربطوا مقولتهم الركيكة المرتبكة تلك بمعاملة النبي، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، للمنافقين، إذ قالوا: (وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك قتل المنافقين وعلله بقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ».فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداري مثل هذا ويدفعه بترك من قد يكون مستحقاً للقتل في الأصل فكيف بغيره؟! خاصة والإعلام اليوم قد سلط الأضواء كثيراً على مجريات الوضع في العراق، وعلى كل عمل يقوم به أهل الإسلام. فالواجب تحري مردود الأعمال التي تقع ومدى تأثيرها على الشعوب من المسلمين وغيرهم).

نقول أن هذا سخف من الموقعين على (الخطاب المفتوح) ومن الزلات. الذي لا يجوز السكوت عليها لأنها من عوامل هدم الإسلام، كما ثبت، بإسناد صحيح، عن عمر، رضي الله عنه، في حواره مع زياد بن حدير قال: قال لي عمر: (هل تعرف ما يهدم الإسلام؟!)، قال: قلت: لا، قال: (يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين). وهذا قد استفاده عمر، لا محالة، من مدرسة النبوة.

والحق الذي لا ريب فيه أن الأصل في النفوس والدماء العصمة مطلقاً:

- حيث قال تقدست أسماؤه: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، (الأنعام؛ 6 :151)، وهذه آية مكية.

- وقال: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً}، (الفرقان؛ 25 :68). و هذه أيضاً آية مكية.

- وقال، جل وعز: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً}، (الاسراء؛ 17 :33). و هذه كذلك آية مكية.

- ووكز موسى، صلوات الله وسلامه عليه، قبل النبوة والعصمة، رجلاً من أعدائه فقضى عليه، فسأل المغفرة، فغفر له. والمغفرة إنما تكون على ذنب، مع أنه لم يتعمد القتل. قال جل جلاله، وسما مقامه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم}، (القصص؛ 28 :16).

- وأكد، جل جلاله، ذلك في القرآن المدني: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}، (المائدة؛ 5 :32) وسورة المائدة من آخر ما نزل من السور.

- وفي صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِى فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَاماً».

وجملة: {إِلَّا بِالْحَقِّ}، وكذلك: {فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ}، كلام مجمل يحتاج إلى تفسير. وتفسيره يؤخذ من نصوص الوحي الأخرى، لا فرق بين كتاب أو سنة، فكلها وحي معصوم واجب الطاعة.

فثبت من هذه النصوص حرمة النفوس القطعية المغلظة. فلا صحة لما قاله البعض من أن (الكفر يهدر الدم، والإسلام أو العقد يعصمه)، بل النفوس والدماء معصومة مطلقاً، {إِلَّا بِالْحَقِّ}، أو لـ{فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ} على وجه الإجمال الذي تفسره نصوص الكتاب والسنة الأخرى.

فترك خاتمة أنبياء الله، عليه وعلى آله صلوات وتسليمات وتبريكات من الله، للمنافقين جاء وفق هذا الأصل الصحيح الثابت، وليس لما جمح به الخيال الشاطح لبعض الناس أنه فعل ذلك مداراة للناس، عياذاً بالله!

ولو كانت مداراة الناس علة شرعية معتبرة لقال، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، مثلاً: (لولا أن يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ، لقتلتهم)، أو (إنما منعني من قتلهم أن يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ)، أو نحو ذلك من الصيغ التي تفيد التعليل أو الشرطية، بدلاً من: «لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ».

ولكن: ألا يستفاد شئ من قوله، عليه وعلى آله الصلاة والسلام: «لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»؟! بلى: إنه بيان لبعض (حكمة) التشريع، ومقاصده، وما يترتب عليه من المآلات الحسنة. وشتان بين (العلة) و(الحكمة)، ولكن أصحابنا الموقعين على (الخطاب المفتوح) لا بصر لهم بذلك، وبضاعتهم في (علم أصول الفقه) مزجاة، وتخبطهم في فهم الشريعة لا يحتاج إلى تدليل، لا سيما بعد فضيحة هذا (الخطاب المفتوح)، وما سبقه من الفضائح.

على أن محمداُ، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، قد قتل بعض الخيرة من أصحابه، غير مبال بكلام الناس، وإلا فلم، إذاً، رجم الجهنية، رضوان الله وسلامه عليها، وهي التي تابت توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم؟!

فأما وقد ثبت:

(1) أن الأصل هو الحرمة المغلظة القطعية للدماء وللنفوس؛

(2) وأنه من المحال الممتنع أن يعصي محمد، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، ربه مراعاة لكلام الناس، أو مدارة لهم، معاذ الله؛

فالواجب إذاً هو القطع بأن دماء المنافقين حرام معصومة أيضاً، وليسوا هم مستحقين للقتل، كما زعم أصحابنا المتعالمون هؤلاء، لا عن نص قاطع، أو اتباعاً لصاحب، أو نظر سديد، بل تقليداً لمن زلت به القدم، ولم يحكم الله بعصمته.

وقد بينا في غير هذا الموضع عصمة دم من لا ينتسب إلى دولة من دول التحالف الإجرامي الذي احتل العراق، وهو في نفس الوقت غير متورط في دعم الحربيين بأي نوع من أنواع الدعم ( ومن الدعم المهدر للدم: العمل في مطابخهم ومزارعهم). فلا يجوز استهداف مثل هذا بقتل أو أسر أو أخذ مال، بغض النظر عن كونه من المستضعفين أو من الأقوياء، أو الأغنياء المقتدرين.

فإن كان له فوق ذلك ذمة صحيحة، كالخادمات العاملات في بيوت المسلمين، أو بيوت أهل ذمة المسلمين من المواطنين العراقيين، وكذلك العاملين في المؤسسات الخاصة العراقية التي لا علاقة لها بالحربيين، وغيرهم ممن له ذمة وأمان صحيح فحرمة دمه وماله مغلظة، ومن اعتدى عليه فقد خفر ذمة المسلمين: فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً، ولا عدلاً!