عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 02-08-2003, 12:21 AM
لورنس العرب لورنس العرب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
المشاركات: 39
إفتراضي سيرة مختصرة ومنقحة لأشهر جلاد عربي

سيرة مختصرة ومنقحة لأشهر جلاد عربي
حرص الحجاج على الإيحاء بوجود رؤية سياسية خلف مواقفه وأفعاله لكن أجهزة استخباراته ظلت الأداة الوحيدة للحكم والتحكم
الكاتب / محيي الدين اللاذقاني

وعدت اثناء حرب العراق بان تكون لنا للحجاج عودة، ودوما كنت اماطل النفس واؤجل الى ان سألتها مستخفا وهي تذكرني! أهذا وقت ابن المتمنية، فمدت لسانها ساخرة وكأنها تقول: لا بأس انتظر الى ان يصبح عندكم بدل الجلادين الحاليين عشرة آخرون، وعندها صدع رؤوس الناس بحديث الاستبداد التاريخي والمعاصر.لقد حكم ابن يوسف الحجاز واليمن قبل العراق وكان له على الدوام سطوته في دمشق، ورافق عبد العزيز بن مروان الى مصر فصارت له في كل بلاد العروبة جذور، وحقق «ابن المتمنية» امنياته فقد غرس وطال غرسه وصارت للاستبداد العربي بفضله وامثاله في كل مكان مؤسسة وثقافة وتقاليد، فهو بهذه السيرة المختصرة والمنقحة الأب الشرعي للاستبداد العربي الذي يجدد نفسه في كل عصر بثوب جديد وبهذه المعاني كلها فهو على الدوام حاضر ولا يحتاج الى من به يذكر.اما لماذا لقبوه «ابن المتمنية» فليس للمسألة علاقة بالظلم وسفك الدم لأن والدته ـ وفي رواية اخرى جدته ـ تمنت ان تشرب الخمر وتقابل لأسباب ـ لا أظنها بريئة ـ نصر بن حجاج الذي كان على ذمة الرواة أجمل العرب وجها، ففي الروايات ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه امر بنفي نصر الوسيم من المدينة الى البصرة حين سمع الفارعة ام الحجاج ـ وكانت تحت المغيرة بن شعبة ـ تنشد هذا البيت الغريب من الشعر:هل من سبيل الى خمر فأشربهاأم من سبيل الى نصر بن حجاجولا نعرف ان كانت قد اطلقت على ابنها اسم «حجاج» تلبية لصدى تلك الشهوة القديمة، فالذين درسوا سيرته قالوا ان يوسف الثقفي اعطى ابنه اسم «كليب» ولو يعرف ما سيصير اليه لما صغر وتحبب لكن قبل ان نوغل في هذا المنحى لنتذكر اننا بصدد الحديث عن رجل قتل عشرات الالوف وشرد الملايين وما كانت سجونه تخلو في احسن ايامها وارقها من عشرة آلاف معتقل ومن كان هذا شأنه سيجد بدل العدو الواحد مائة وبالتالي لنكن مهيئين وان لم نحبه للقبول بان سيرته خضعت لتشويه رهيب لم يطل شخصه وحده انما امتد ليشمل امه وجدته وقبيلته ومنطقته فقد نال ثقيف والطائف من محبة الناس لابنها الحجاج نصيب.بعض الرواة زعموا ان ثقيفا الاول كان عبدا للنبي صالح عليه السلام وقد هرب منه واستوطن مكة وآخرون اسبغوا عليه تهمة خيانة وطنية فقالوا انه كان دليل ابرهة الحبشي الذي توجه بالافيال لهدم الكعبة ولم يبخل النسابة بعلمهم فقد اخرجوا قبيلة الحجاج عن اصلها العربي والحقوها بثمود وارم ذات العماد الذين طغوا في البلاد، فحق عليهم العذاب والخراب.ان نسبة الحجاج لفئة اشتهرت بطغيانها يبدو متسقا مع رغبة الانتقام الجماعية التي غرسها ظلمه وحين يفكر الناس بالانتقام لا يقفون عند حد فقد قيل حين طلاقه من هند بنت النعمان بن بشير الانصارية انه ضبطها امام مرآتها تتأمل حملها وتنشد:
وما هند الا مهرة عربيةسليلة افراس تحللها بغل
فإن ولدت فحلا فلله درهاوان ولدت بغلا فجاء به البغل
وهي ذات الزوجة من زوجاته العشر التي خطبها بعده عبد الملك بن مروان سيد نعمته فاشترطت ان يقود الحجاج هودجها اليه في دمشق وفي الطريق رمت قطعة نقد وقالت له:سقط منا درهم، فابحث لنا عنه، ولم يكذب خبرا، فبحث ووجد دينارا فقال لها: انه دينار وليس بدرهم فقالت متشفية لتكتمل شماتة ضحاياه به: الحمد لله الذي ابدل درهمنا بدينار.* عبد السلطةولك ان تصدق هذه القصص وتأخذها على مأخذ الجد وليس الوضع فالحجاج وكل مستبد لا يمكن ان يرفع رأسه امام السلطة العليا وهو على استعداد لذبح امه كي لا يغضب اولي الامر فامساكه هودج هند ليس احتراما للمرأة انما خوف من السلطة ولو كان يحترم النساء لما قال عنهن محذرا: «انما المرأة ريحانة وليست قهرمانة فلا تطلعها على سرك ومكايدة عدوك، ولا تطعهن في غير انفسهن ولا تشغلهن باكثر من زينتهن، واياك ومشاورتهن في الامور، فإن رأيهن الى افن، وعزمهن الى وهن، واكفف عليهن من ابصارهن بحجبك، ولا تملك الواحدة منهن من الامور ما يجاوز نفسها ولا تطعها ان تشفع عندك لغيرها ولا تطل الجلوس معهن والخلوة بهن، فإن ذلك اوفر لعقلك وابين لفضلك».والصحيح ان ابن يوسف لم يكن يحترم الرجال ولا النساء ولا يقيم وزنا للانسان الا اذا كان صاحب منصب او عزوة فهو قبل هذه وهاتيك وتلك عبد للسلطة ومنفذ جيد للاوامر ولو كانت على حساب اقرب الناس اليه. فقد بدأ بطشه حين تسلم شرطة عبد الملك بروح بن زنباع الرجل الذي قدمه الى الخليفة وزين له استخدامه ثم سار على ذات الطريق من دون ذمة ولا ضمير، لذا لم يتورع في حربه مع ابن الزبير عن ضرب الكعبة المشرفة بالمنجنيق الى ان صارت احجار جبل ابي قبيس التي يطلقها اتجاهها تعيق الحجاج عن الطواف بالبيت العتيق ولم يكتف بذلك انما خطب بالناس بعد ذلك مستخدما الادلة المنطقية واللغوية والفقهية التي يبرر فيها فعلته فقد كان من بلغاء العرب وفصحائهم ولعل خطبه في مكة دفاعا عن تدمير المقدسات كانت اصعب من خطب العراق، لكن الرواة والنسابة والاخباريين واهل الادب اعجبوا بخطبه في العراق فلا تجد كتابا يخلو من ـ أم الخطب ـ «يا أهل الشقاق والنفاق.. اني رأيت رؤوسا قد أينعت..» الى آخر ما جادت به قريحة ابن جلا في ذلك اليوم الذي قطف فيه مئات الرؤوس داخل مسجد الكوفة من دون اي احترام لأماكن العبادة.ولأمر لا يتعلق بالبلاغة كانت خطبته لأهل البصرة وملخصها بالعامية المصرية ـ امشو على العجين ما تلخبطوش ـ اقل شيوعا مع انها لا تختلف عن عنجهيته ولا عن طبيعة تهديداته لأهل الكوفة، بل هناك من يزعم من اهل المعرفة كالتوحيدي انها ابلغ، ومع ذلك وقف الناس عند التهديد الاول لان كل ما جاء بعده كان مجرد صدى.قال الحجاج لأهل البصرة من فوق منبر مسجدها: «ايها الناس من اعياه داؤه فعندي دواؤه ومن استطال اجله، فعلي ان اعجله ومن ثقل عليه رأسه وضعت عنه ثقله، ومن استطال ماضي عمره قصرت عنه باقيه، ان للشيطان طيفا وللسلطان سيفا، فمن سقمت سريرته صحت عقوبته ومن وضعه ذنبه رفعه صلبه ومن لم تسعفه العافية لم تضق عنه التهلكة ومن سبقته بادرة فمه سبق بدنه بسفك دمه».وبيت القصيد في هذه الخطبة التي تلخص ثوابت الاستبداد الذي يسمى في بعض الاحيان حزما وعزما: «اني انذر ثم لا انظر واحذر ثم لا اعذر واتوعد ثم لا اعفو انما افسدكم ترنيق ولاتكم ومن استرخى لببه ساء ادبه، ان الحزم والعزم سلباني سوطي وابدلاني به سيفي فقائمه في يدي ونجاده في عنقي وذبابة قلاده ـ حده ـ لمن عصاني، والله لا آمر احدكم ان يخرج من باب من ابواب المسجد، فيخرج من الباب الذي يليه الا ضربت عنقه».وكانت سياسته ان يبدأ بكبار القوم حتى يرتعد صغارهم وقد نفعته هذه السياسة مع الجميع باستثناء الخوارج الذين اذلوه اكثر من مرة وحاصروه واوشكوا ان يتمكنوا منه،
__________________
وليس يصح في الأفهام شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل