عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 25-04-2002, 04:33 PM
عمر مطر عمر مطر غير متصل
خرج ولم يعد
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2000
المشاركات: 2,620
إفتراضي

الشعبة الثانية: شعبة التوحد والائتلاف، وهذا هو بيت القصيد في مشروع المواجهة، فإن التنازع بريد الفشل وذهاب الريح، وإن نصر الله لا يتنزل على شيع متنازعة متناحرة، وقد قال تعالى { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) ( الأنفال : 46 ) وقد أعطى على رضي لله عنه للخوارج - فيما أعطى - أن لا يمنعهم من الغنيمة والفيء مادامت أيديهم مع المسلمين، وأن لا يبدأهم بقتال ما لم يقطعوا السبيل ويسفكوا الدم الحرام، فلم يمنعهم من القتال مع جماعة المسلمين، ولم يحجب عنهم بسبب ابتداعهم حظهم من الغنيمة والفيء إن هم اشتركوا في هذا القتال المشروع، وقد كانوا من أشد الفرق ابتداعا وتكفيرا للأمة وقتالا لها وخروجا على جماعتها، وقد أعطاهم ما أعطى، وما نفذ إليهم بقتال حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدم الحرام.

إن في خندق الجهاد متسعا لأهل القبلة قاطبة، ولم تزل جيوش الأمة عبر التاريخ تضم البر والفاجر، وينتظم في سلكها الصالح والطالح، وإذا كان يجوز التعاون على البر وأعمال الخير مع كل من دعا إليها ولو كان من غير المسلمين، أفلا يجوز ذلك مع المسلمين على ما قد يشوب بعضهم من شائبة ابتداع أو تفريط ؟! وقد تمهد قيام الشريعة على تحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنه يقاتل مع الظالم من هو أشد منه ظلما، ومع المبتدع من هو أشد منه ابتداعا!

إن محكمات الشريعة تؤكد على التوحد والائتلاف، وتنهى عن التفرق والاختلاف، وإن فساد ذات البين هي الحالقة، التي تحلق الدين، ولقد لاحظ كثير من المعاصرين من حملة الشريعة من خلال تجاربهم الدعوية وعبر أسفارهم المتكررة واختلاطهم بتجمعات دعوية متباينة المشارب أن مرد نسبة كبيرة من الاختلافات الواقعة بين المتدينين إلى فساد ذات البين، وليس لمجرد الاختلافات الفقهية أو التباينات العقدية، ولهذا كانت كلمتهم دائما إلى هؤلاء { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} ( الأنفال : 1 ) { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا } ( الأنفال : 46 ) ( إياكم وفساد ذات البين فإنها الحالقة، ألا لا أقول تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين )

وقد لا يتسنى تحقيق الائتلاف الكامل في هذه المرحلة بصورته المنشودة دفعة واحدة، ، ولكن الحد الأدنى الذي لا يعذر مسلم بالتفريط فيه هو الاتفاق على مبادئ كلية تمثل رؤية مشتركة وموقفا عمليا موحدا تجاه هذه القضية، وإن تباينت الأدوار، وتعددت المسارات، لتباين الاستعدادات والقدرات، والاتفاق على بعض الآليات التي تفعل هذه المواقف العملية المشتركة، وتنقلها من حيز الأفكار والأماني إلى حيز التطبيق والممارسة الفعلية.

لتكن قضية تحرير الأقصى هي المشترك الجهادي العام الذي يلتقي عليه العاملون لهذا الدين، والذي تأتلف حوله كلمتهم، وتجتمع حول تحريره قلوبهم، وليتفق الناس على إقرار مبدأ وجوب الجهاد لدحر هؤلاء الغاصبين، وأن هذا الجهاد هو مسؤولية الأمة بأسرها، وليتسع مدلول الجهاد ليشمل كل أنواع الدعم الممكنة :

- الدعم المالي من خلال أموال الزكوات والتطوعات العامة التي تقدم من خلال الهيئات الإغاثية أو الصلات الشخصية، وينبغي الاهتمام بتأمين القنوات الموثوقة التي تصل بالمال إلى أهله، حتى لا تذهب أموال المؤمنين أدراج الرياح، ومما يتصل بهذه النقطة ضرورة توخي الحذر في التعامل مع هذا الملف، فسوف تتهم كل محاولات الدعم على أنها مؤازرة للإرهاب، وستنسج لأصحابها التهم، وتلفق لها الدعاوى سواء في بلاد المسلمين أو في خارجها، وقد يقضون جل أعمارهم في غياهب السجون بسبب جمعهم لدريهمات من المال لإغاثة جريح أو كفالة يتيم! وليست هذه دعوة إلى التثبيط أو إشاعة الهلع، ولكنها دعوة إلى الحذر، واتخاذ أقصى ما يمكن اتخاذه من أسباب الحيطة والحذر.

- الدعم الإعلامي، بإشاعة التعريف بالقضية، وإماطة اللثام عن تاريخها، وما تعاقب عليها من مراحل، وتوظيف كل الوسائل الإعلامية المتاحة مثل خطب الجمعة، والمحاضرات والندوات الإسلامية، والدروس العامة أو الأكاديمية: في الجامعات، أو المدارس: العليا أو المتوسطة أو الأولية، وكل ما يمكن الوصول إليه من قنوات التلفاز المحلية والعالمية، أو المحطات الإذاعية وإعداد الكتيبات والدراسات التعريفية ، والأشرطة المسجلة تسجيلا مسموعا ومرئيا وتبني توزيع ذلك على غير القادرين من قبل أولي الفضل والسعة، لعلنا بهذا نرد غائلة الإعلام المعادي أو نخفف من غلوائه وتفرده بالعقول والأسماع، هذا الإعلام الذي بلغ من استخفافه بعقول العالم أجمع أن يدعو السفاح الأثيم شارون برجل السلام (!) على إثر ما ارتكبه من مذابح جينين وغيرها من المذابح التي تولى كبرها في مخيمات الفلسطينيين(!) وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت !! )

- الدعم الفقهي من خلال الفتاوى المجمعية الداعمة للجهاد والمنددة لكل محاولات التفريط أو التخذيل والتثبيط.

- الدعم السياسي من خلال الضغط على صناع القرار في الدوائر الغربية لحملهم على شيء من التوازن أو الإنصاف في التعامل معها، ومن ذلك تنظيم مسيرات الاحتجاج والاتصالات الهاتفية بصناع القرار ورجال الإعلام وإرسال الرسائل المنددة بالعربدة الصهيونية والشارحة للمعاناة الفلسطينية

وبالإضافة إلى الاستنفار العام للمرابطة على كل هذه الثغور السابقة، فإنه يتعين كذلك التأكيد على ما يلي:

- إبقاء التواصل مع جميع فصائل العمل الإسلامي التي تعنى بالقضية الفلسطينية، وإن علق ببعضها شائبة ابتداع أو شذوذ في بعض الجوانب، مع الاستمرار في بذل النصيحة الواجبة لها بما لا يؤدي إلى مفسدة أعظم، ولنذكر دائما أن أهل الحق عبر التاريخ كانوا أهل السنة والجماعة، فهم يحرصون على الائتلاف واجتماع الكلمة، كما يحرصون على اتباع الحق وموافقة السنة! ولنتذكر أن خندق الجهاد يستوعب أهل القبلة كافة، وأن الجهاد ماض مع كل بر وفاجر! وأنه يقاتل مع المبتدع من هو أشد منه ابتداعا، ومع الظالم من هو أشد منه ظلما.

- إبقاء التواصل مع جميع القوى السياسية الأخرى التي تعنى بالقضية الفلسطينية خارج إطار الحركة الإسلامية، والحذر من أن تنجح وسائل الخصوم في إغراء العداوة والبغضاء بين هذه القوى، لتضرب بعضها ببعض، وتذيق بعضها بأس بعض، قد يصلح أن يخاطب أهل الإسلام باسم الإسلام، ولكن لخطاب الآخرين لغة مختلفة ينبغي التعرف عليها والتعامل بها ما دامت في إطار المفهوم العام للتعاون على البر والتقوى، ولنا في حلف الفضول والصحيفة النبوية في المدينة سوابق يمكن الاستنان بها والاقتباس منها، وذلك لتجسير العلاقة مع بقية القوى السياسية المتفاعلة مع القضية الفلسطينية، والاتفاق على نقاط التقاء وتعاون يمكن التنسيق من خلالها.

الشعبة الثالثة: شعبة الجهاد المسلح، وهذه قد لا تتسنى - في هذه المرحلة على الأقل - إلا لأهل هذه المحلة المحاصرة المغتصبة، فهم أعرف بتعاريج هذه المنطقة، وأقدر على الكر والفر فيها، ولا يتسنى لغيرهم الوصول إليهم نظرا لهذا الحصار الدولي المفروض عليهم، والذي يتوقع أن يزداد شراسة وضراوة مع الأيام القليلة القادمة، وعلى بقية الأمة إقدار هؤلاء على الصمود، وإمدادهم بما يحتاجون إليه من آليات الصمود كالعتاد والخبرات والأموال ونحوه .

إن الحماس في التدفق على الأرض المقدسة للمشاركة في الجهاد في هذه الآونة قد يجر على المرابطين بها من المتاعب أكثر مما يحقق لهم من الصالح أو المكاسب، وإن القياس على الجهاد الأفغاني إبان الاحتلال الروسي قياس مع الفارق، لقد تهيأت للجهاد الأفغاني دار إيواء ونصرة تمثلت في الأراضي الباكستانية التي احتضنت الجهاد والمجاهدين، فأقيمت عليها معسكرات التدريب للقادمين، وآوت ذراري المجاهدين، وانطلقت منها كتائب الغزو للمقاتلين، وأقيمت عليها المؤسسات الإغاثية للجرحى واللاجئين، وهي ظروف لم يتهيأ مثلها للقضية الفلسطينية، ولا يلوح مثل ذلك في الأفق القريب، من أجل هذا كان لا بد أن تؤخذ الدعوة للجهاد بالنفس على مستوى الآحاد والأفراد في هذه الآونة بشيء غير قليل من الحذر والاحتياط.

ويبقى أن التدويل الإسلامي للقضية الفلسطينية بحيث تصبح قضية الأمة بمختلف فعالياتها وطبقاتها وطوائفها ضمانة هامة لاستمرار جذوة الجهاد وبقاء توقده، ففيها يخطب الخطباء، وحولها يدندن المحاضرون، وينظم الناظمون، ويكتب الكاتبون، ويبذل الموسعون، ويرابط المرابطون، من كل حسب طاقته وما بلغه جهده ووسعه، ولا يخفى أن الله تعالى قد قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، والمهم أن تتكافل الأمة كلها في أداء هذا الواجب، وأن يحيا مجموع هذه الفروض على مستوى مجموع الأمة.

وأخيرا فلا ينبغي أن يحجب عنا التشوف لنصرة المجاهدين في هذا الثغر إغفال أو تغافل الرباط على بقية الثغور، وما أكثرها في الأمة في هذه الأيام، حتى لا تتحول هذه الدعوى إلى تأثيم جميع العاملين لنصرة الدين في أي موقع ما داموا لم يهرعوا للانقطاع للرباط في هذا الثغر وحده! وإنما المقصود هو التأكيد على أن هذه المعركة هي معركة الأمة، وأن على جميع أبنائها واجب الدعم والمؤازرة، وتوفير ما يلزم لإنجاحها من الأسباب والوسائل ليحقق هذا الجهاد غايته ويؤتي أكله بإذن الله.

ونختم بما بدأنا به من أن المستقبل لهذه الأمة، ما استقامت على أمر الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنها لا تؤتى إلا من قبل أنفسها، وأن ذنوبها أخوف عليها من أعدائها، وأنها قد وعدت بأن تبقى طائفة منها مستقيمة على أمر الله، لا يضرها من خالفها أو خذلها حتى يأتي أمر الله، وأن هذه الطائفة المنصورة هي التي يقوم الله بها اعوجاج الحياة، وتمثل ستارا لقدره على أرضه في إحقاق الحق وإبطال الباطل، ولهذا فإننا نقول لإخواننا في أرض الإسراء والمعراج: إن أجل الله قريب، وإن ما توعدون لآت، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون، فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.
الرد مع إقتباس