عرض مشاركة مفردة
  #28  
قديم 04-07-2003, 10:16 PM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي



هـــــــــذه هي التقية في الدين الاسلامي

اختلفوا على قولين :
أحدهما : سقوط الحد عنه ، وهو قول القرطبي المالكي (1)، وابن العربي المالكي (2)، والفرغاني الحنفي (3)، وابن قدامة الحنبلي (4)، وابن حزم (5) ، وقال أبو حنيفة : يسقط الحد إن كان الاكراه من السلطان ، وإلاّ حُدّ استحساناً (6).
والآخر : إقامة الحد على الزاني تقية ويغرّم مهرها ، وهو قول مالك بن أنس ، والشافعي ، وقال أبو حنيفة لا يجب المهر (7).
وأما لو استكرهت المرأة على الزنا ، فلا حدّ عليها ، قولاً واحداً (8).
ه3 ـ جوازها في الدماء : تقدم أن أهل البيت عليهم السلام صرّحوا بأنّ التقية إنّما شرعت لحقن الدم ، وإنّه إذا بلغت التقية الدم فلا تقية ، وبهذا أفتى فقهاء الشيعة اقتداءً بأهل البيت عليهم السلام . وقد وافقهم على هذا من فقهاء العامّة مالك بن أنس (9).
وهو ظاهر المذهب المالكي ، قال ابن العربي المالكي : «قال علماؤنا :
المكرَه على اتلاف المال يلزمه الغرم ، وكذلك المكرَه على قتل الغير يلزمه القتل» (1). وهو أحد قولي الشافعي (2). وخالف بذلك أبو حنيفة وصاحبه أبو يوسف .
فقال أبو حنيفة : يصح الاكراه على القتل ، ولكن يجب القصاص على المكره ، دون المأمور .
وقال أبو يوسف : يصح الاكراه على القتل ولا يجب القصاص على أحد ، وكان على الآمر دية المقتول في ماله في ثلاث سنين (3)!!
واعترف بهذا الكاساني الحنفي ، قائلاً : «والمكرَه على القتل لا قصاص عليه عند أبي حنيفة وصاحبه محمد ، ولكن يعزر القاتل ، ويجب القصاص على المكرِه .
وعند أبي يوسف لا يجب القصاص لا على المكرِه ولا على المكرَه ، وإنّما تجب الدية على الاَوّل» (4).
وقد اعتذر السرخسي الحنفي عن أبي يوسف عن فتياه العجيبة هذه ، فقال : «وكان هذا القول لم يكن في السلف ، وإنّما سبق به أبو يوسف واستحسنه» (5).
أقول : ومن فروع هذه المسألة عند أبي حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن الشيباني ، أنه يجوز للرجل أن يتقي في قتل أبيه ، ولا يحرم من ميراثه .
قال الفرغاني الحنفي : «لو أُكرِه الرجل على قتل موروثه بوعيد قتل فَقَتَل ، لا يحرم القاتل من الميراث ، وله أن يقتُل المُكرِه قصاصاً لموروثه في قول أبي حنيفة ومحمد» (1).
والخلاصة ، إنّ المذهب الحنفي يجوز التقية في الدماء !! وهو أحد قولي الشافعي (2).
ه4 ـ جوازها في قطع الاَعضاء : تصح التقية في قطع أعضاء الاِنسان ، ولا قصاص في ذلك لا على الآمر ولا على المأمور، بل تجب الدية عليهما معاً من مالهما عند أبي يوسف(3)!!
والاَعجب من كلِّ هذا ، جوازها في قطع الاَعضاء تبرعاً من غير اضطرار أو إكراه !!!
إنّه لو أكرَه السلطان رجلاً على أن يقطع يدَ رجُلٍ فقطعها ، ثم قطع يدَه الاُخرى ، أو رجله تطوعاً من غير اكراه من السلطان ، وإنّما قطعها اختياراً ، فهل يجب عليه القصاص فيما قطعه مختاراً أو لا ؟
الجواب : لا قصاص عليه ، ولا على السلطان ، بل تجب عليهما الدية
من مالهما عند أبي يوسف (1)!!
ه5 ـ جوازها في هتك الاَعراض !! : ومن فتاوى العامّة المخجلة حقاً تجويزهم التقية على الاِنسان في هتك عرضه وشرفه وناموسه ، وعليه أن يقف ذليلاً وبكل نذالة وهو يرى الاعتداء على شرفه ولا يدفع عنه شيئاً !
ففي الجامع لاَحكام القرآن للقرطبي المالكي أنّه إذا أُكرِه الاِنسان على تسليم أهله لما لا يحلّ ، أسلمها ، ولم يقتل نفسه دونها ، ولا احتمل أذية في تخليصها (2).
ه6 ـ جوازها في قذف المحصنات : تجوز التقية في قذف المحصنات عند الجصاص الحنفي (3)، وقد زاد على ذلك السرخسي ، جواز الافتراء على المسلم تقية (4).
ه7 ـ جوازها في اتلاف مال المسلم : جوّز الحنفية والشافعية وغيرهم التقية في اتلاف مال المسلم لمن يُكرَه على ذلك ، ولا ضمان عليه وإنّما الضمان على من أكرهه (5).

،


وأطلق الاِمام الزيدي أحمد بن يحيى بن المرتضى القول باباحة مال الغير بشرط الضمان في حال التقية (1).
ه8 ـ جوازها في شهادة الزور : صرّح السيوطي الشافعي بجواز شهادة الزور عند الاكراه عليها ، فيما لو كانت تلك الشهادة في اتلاف الاموال (2).
كلمة أخيرة عن سعة التقية في فقه المذاهب الاَربعة :
لقد تركنا الكثير جداً من المسائل التي جوّز فيها فقهاء العامّة التقية بغية للاختصار ، كتجويزهم التقية مثلاً في : الصدقة ، والاقرار ، والنكاح ، والاجارة ، والمباراة ، والكفالة ، والشفقة ، والعهود ، والتدبير ، والرجعة ـ بعد الطلاق ـ والظهار ، والنذر ، والايلاء ، والسرقة ، وغيرها من الفروع الشرعية (3) ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات. ومن هنا قال المالكية : «الاكراه، إذا وقع على فروع الشريعة لا يؤخذ المكره بشيء»(4).
وأوسع من هذا المعنى ما صرّح به موسى جار الله التركماني بقوله:«والتقية هي : وقاية النفس من اللائمة والعقوية ، وهي بهذا المعنى من الدين ، جائزة في كلِّ شيء» (5).
____________

=

وأما لو كان الاكراه غير ملجيء وهو ما كان التهديد فيه بما دون القتل فللمكرَه أن يتقي في المثال أيضاً بشرط الضمان .

--------------------------------------------------------------------------------


وقال أيضاً : «التقية في سبيل حفظ حياته ، وشرفه ، وحفظ ماله ، وفي حمايته ، حق من حقوقه واجبة على كلِّ أحد إماماً كان أو غيره» (1).
وبهذا وغيره مما مرّ في فصول هذا البحث يتضح أنّه لا مجال لاَحد في النقاش بمشروعية التقية في الاِسلام ، ولا مجال لانكارها بحال من الاَحوال ، وان انكارها مرض طبعت عليه قلوب المنافقين ، والحمد لله ربِّ العالمين .
[/color]
__________________
البارجة هي استاذة فلسفة علوم اسلامية ,
إلى الكتاب و الباحثين
1- نرجو من الكاتب الإسلامي أن يحاسب نفسه قبل أن يخط أي كلمة، و أن يتصور أمامه حالة المسلمين و ما هم عليه من تفرق أدى بهم إلى حضيض البؤس و الشقاء، و ما نتج عن تسمم الأفكار من آثار تساعد على انتشار اللادينية و الإلحاد.

2- و نرجو من الباحث المحقق- إن شاء الكتابة عن أية طائفة من الطوائف الإسلامية – أن يتحري الحقيقة في الكلام عن عقائدها – و ألا يعتمد إلا على المراجع المعتبرة عندها، و أن يتجنب الأخذ بالشائعات و تحميل وزرها لمن تبرأ منها، و ألا يأخذ معتقداتها من مخالفيها.

3- و نرجو من الذين يحبون أن يجادلوا عن آرائهم أو مذاهبهم أن يكون جدالهم بالتي هى أحسن، و ألا يجرحوا شعور غيرهم، حتى يمهدوا لهم سبيل الاطلاع على ما يكتبون، فإن ذلك أولى بهم، و أجدى عليهم، و أحفظ للمودة بينهم و بين إخوانهم.

4-من المعروف أن (سياسة الحكم و الحكام) كثيرا ما تدخلت قديما في الشئون الدينية، فأفسدت الدين و أثارت الخلافات لا لشىء إلا لصالح الحاكمين و تثبيتا لأقدامهم، و أنهم سخروا – مع الأسف – بعض الأقلام في هذه الأغراض، و قد ذهب الحكام و انقرضوا، بيد أن آثار الأقلام لا تزال باقية، تؤثر في العقول أثرها، و تعمل عملها، فعلينا أن نقدر ذلك، و أن نأخذ الأمر فيه بمنتهى الحذر و الحيطة.

و على الجملة نرجو ألا يأخذ أحد القلم، إلا و هو يحسب حساب العقول المستنيرة، و يقدم مصلحة الإسلام و المسلمين على كل اعتبار.

6- العمل على جمع كلمة أرباب المذاهب الإسلامية (الطوائف الإسلامية) الذين باعدت بينهم آراء لا تمس العقائد التي يجب الإيمان