عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 01-02-2003, 02:02 PM
همس الأحاسيس همس الأحاسيس غير متصل
ريـــــم
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2001
المشاركات: 2,305
إفتراضي تأمـلات حول المـرأة

تأمـلات حول المـرأة

رحمة مالك بن نبي

ازداد الحديث حول المرأة في هذا العصر، وكثرت المؤلفات التي تـناولتها وجعلتها ساحة لدراساتها، فتفننت في وصف المعاناة التي تواجهها المرأة اليوم.

ومع هذه الظاهرة وهذا الاهتمام ظهرت مصطلحات جديدة قُرنت بهذا الموضوع منها مشكلة المرأة، أزمة المرأة، إشكالية المرأة، قضية المرأة، تعبيراً وتعريفاً بالعنصر الذي سموه أيضاً بالجنس اللطيف.

ومع ذلك الاهتمام فإن أوضاع المرأة وواقعها مايزال يسير بشكل معاكس بما يوحي به هذا الاهتمام، وكأن واقع المرأة لا يزال هو الواقع نفسه الذي تحاول هذه المؤلفات التغيير فيه، هذا إذا لم يكن قد ازداد تدهوراً.

فالمرأة بالرغم مما يحشد من نصوص الكتاب والسنة لإقناعها بما منحها الإسلام من مكانة لا تقل عن مكانة الرجل، لا تزال مهزومة من الداخل ومن الخارج ، ولا تزال تشعر بالضعف والانكسار وعدم القدرة على تحقيق الذات .

وقد يضيق صدر البعض بهذا الذي أتقدم به، و قد يظن الكثير من الرجال أن شريكته وأمه أو أخته لا تعاني من هذه المشاعر وهذه الآلام وهي تحظى داخل الأسرة وخارجها بنصيب وافر من الاحترام والكرامة .

ويحسن هنا أن نذكر أن هناك عاملاً مشتركاً بين جميع النساء يقرب بينهن ويربط بعضهن ببعض ، وهو أن الله تعالى وهب المرأة من الأحاسيس والشفافية ما يؤهلها للقيام بوظيفتها ودورها كمربية وزوجة على أحسن وجه وأكمله. إنها تحنو على رضيعها فتستوحي و تفهم من بكائه وابتسامته ما يزعجه وما يسعده، وتتعامل مع زوج قد لا يعبر عن أحاسيسه ومشاعره بنفس النمط الذي تعبر هي به، ومع هذا لا تعجز عن تلبيته والتعاون معه. وكذلك فإن من طبيعة تكوينها وتركيبها أنها تتأثر بما يشعر به غيرها من النساء، أو بما تروجه الثقافة من حولها، ولا يصرفها عن ذلك ما يحيطها به الزوج أو الأسرة من تقدير واحترام.

إن الأسئلة التي تتبادر إلى الأذهان - ولعلها تـلقي بعض الضوء على أسباب معاناة المرأة - هي:
- لماذا لم تؤت هذه الكتابات الكثـيرة عن المـرأة أكلها؟
- وما هي العوامل التي جعلت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة واقعاً انتفع به أسلافنا في صدر الإسلام ؛ وواقعاً تخرجت منه نساء تركن بصماتهن على صفحات التاريخ ؟
- ما هي الجسور التي هدمت فحالت بين المـرأة وبين الانتفاع من هذا الماضي المشرق ؟

وعند المراجعة للكتابات التي اهتمت بموضوع المرأة نستطيع أن نميز منها صنفين:
الصنف الأول: اهتم بتجميع الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي توضح وتدل على منزلة المرأة في الإسلام وما تحظى به من حقوق وامتيازات .
غير أن هذه الأعمال تبدو أحيانا وكأنها للتباهي والتفاخر، أو أنها مجرد سرد بهدف رفع معنويات هذا المخلوق الرقيق، المرأة التي كثيرا ما تظلم عمداً أو عن جهل، بالرغم من منزلتها ابنة بارة، وزوجة صالحة، وأماً تتحلى بأجل خصال الإيثار والعطاء.
وتتجاهل هذه المؤلفات التطورات التي مر بها واقع المرأة منذ بداية رسالة الإسلام إلى يومنا هذا، الذي أصبحت المرأة فيه واحدة من اثنتين:
إما جاهلة جاحدة لا تدرك دورها ورسالتها، وإما امرأة مسترجلة (كما أطلق عليها الشيخ محمد الغزالي رحمه الله) تنافس الرجل خصائصه.

إن رسم التطورات لوضع المرأة يستلزم بيان العلاقة بين الإنسان وقيمتين، الأولى ثابتة لا تتغير عبر الزمان والمكان: قيمة كرمه الله بها منذ خلق آدم عليه السلام، وتتمثل في الامتيازات التي حباه الله بها من حرية واختيار وكرامة نفس وعقل.
وأما القيمة الثانية: فهي قيمة اجتماعية تتغير مع الزمان والمكان ، ومن عصر إلى عصر، ومن أمة إلى أخرى ، فهذه القيمة يستلهمها الفرد من ظروف الحياة التي يعيشها، ومن مدى حماية مجتمعه للامتيازات التي منحه الله إياها.
وخلاصة العلاقة ما بين القيمتين أنه كلما ارتفعت القيمة الاجتماعية للفرد وزادت الضمانات التي تحمي امتيازات الإنسان ليقترب من تمثل وتحقيق القيم الثابتة، كلما استشعر هذا الفرد ـ رجلا كان أم امرأة ـ قيمته الذاتية النفسية والروحية والمادية، والعكس صحيح.

وهنا يبدو جليًا أن سبب شعور المرأة بالانهزام وعدم تحقيق الذات ليس راجعاً إلى قبول أو رفض النصوص التي كرمتها، بل إلى طبيعة علاقة المجتمع بهذه النصوص، وأن رصد هذه العلاقة هو الذي سييسر على الدارس تصحيح الواقع طبقاً للمبادئ القرآنية.

وأما الصنف الثاني من الكتابات:
فهي التي تناولت المرأة وكأنها عنصر مستقل عن باقي المجتمع، وصوّرتها في صراع دائم مع عناصر المجتمع الأخرى، ولا يفترق في ذلك من أراد انفتاحا كاملا وتقليدا أعمى للغرب، ومن شدد على هذه المرأة حتى كاد أن يخنقها، وبرهن على أن الغلو يولد الغلو، وكأنه يدفعها في كثير من الأحيان إلى مثل ما أراد لها الطرف الأول، وجعلها بذلك تهرب من واقعها وتلهث وراء الغرب.

فإذا دققنا النظر أدركنا أن معاناة المرأة إنما تنبع من معاناة مجتمع بأكمله، فما الرجل والمرأة إلا صورتين لموضوع واحد وهو الإنسان .

إن مرضنا واحد، ومن طور إلى طور قد تختلف الأعراض التي تبدو على الرجل والمرأة من فكر عقيم واضطرابات أسريّة وأزمات أخلاقية غير أن الجرثومة واحدة.

إذن، يجب أن يكون الحل لمعاناة المرأة منسجماً مع الحلول للمشكلات الاجتماعية الأخرى، ضمن برنامج حضاري شامل، فما أفلست المرأة إلا عندما أفلس المجتمع بأكمله، ولن يكون هناك حل إلا إذا بعثنا الأمة جمعاء لتسير في الاتجاه الصحيح.

يقول الأستاذ مالك بن نبي في هذا الإطار:
"يجب ألا تكون نظرتنا إلى هذا الموضوع بدافع رفع مستوى المرأة ذاتها، أي بدافع من مصلحة المرأة وحدها، بل بدافع من حاجة المجتمع وتقدمه الحضاري". وقد فهم الغرب هذا الأمر بعد أن ظل يتحاور عقودا طويلة حول موضوع المرأة ويتساءل: هل المرأة كائن مثل الرجل ؟ هل لديها روح ؟
هل يحق لها مثل ما يحق للرجل ؟ هل تحتاج إلى مثل ما يحتاج الرجل ؟
ووصل إلى قناعة بأن النظرة إلى المرأة على أساس أنها عنصر مستقل عن جوهر المجتمع لم تعد تخدم غاياته ومصالحة. فمنحها مساواة صورية بغض النظر عن مدى صلاحية أو بطلان هذه النتيجة مما أدى إلى عرقلة أو منع الدراسات الدقيقة التي تبعث عن طبيعة الفروق بين المرأة والرجل واعتبرها فروقا شكلية لا وزن لها في توزيع الأدوار.

ولا يصعب على المتأمل أن يجد الكثير من الأمثلة لحلول استهدفت رفع مستوى المرأة دون النظر في البعد الاجتماعي لهذه الحلول، كيف أصبحت قاصرة عن خدمة ورعاية مصالح المجتمع، وكيف يضطر القائمون على هذه الحلول إلى التخفيف من مستوى التدريب المطلوب والتغاضي عن الخصوصية الفيزيولوجية والنفسية للنساء من أجل منحهن حقاً موهوما بالمساواة في أن يلجن كل الميادين. وفي هذه الظروف تنعكس النتائج على سلامة المجتمع بأكمله بحيث يصبح مستوى التأهيل والتدريب دون المقتضيات التي تتطلبها المسؤولية فيتحول الأمر إلى تهديد لمصالح المجتمع.

فالأجدى إذن، رعاية لمصلحة المجتمع، الاعتراف بعدم صلاحية النساء لبعض المسؤوليات من أجل المحافظة على مستوى الاستعدادات اللازمة لمجابهة جادة للمهمات و عدم الانخداع بالواجهات الدعائية.

إن المرأة ستبقى مشكلة قائمة ما بقينا ننظر إليها على أنها عنصر مستقل، وما لم نبحث عن توجه ينسجم وباقي الفعاليات الاجتماعية.

إن الكتب التي لم تصور المرأة على أنها جزء من المجتمع، تكون كمثل الذي يعالج اليد وكأنها ليست عضواً من أعضاء كيان واحد، إن سلامة اليد – وإن كان لها بعض الحاجات الخاصة بها كتقليم الأظافر مثلاً – تعود إلى ممارسة أسباب سلامة الجسد كله، فإن ضعف الجسد أو ضعفت الصلة بينها وبين باقي الأعضاء فإنها بدورها يصيبها الوهن والضعف.

فإذا أردنا أن تنتصر المرأة في المعركة ضد المعاناة وضد الشعور المحيط بعد تحقيقها لذاتها فإن علينا أن نجابه الوضع على أساس نظرة شمولية، وعلى أساس أنه أزمة مجتمع وليس أزمة عنصر أو جنس دون الآخر. ومن ثم فإن علينا أن ندرك الجانب الفكري والثقافي المتسلط على المجتمع عامة والمتسلط عليها بالتالي، وأن نعي ما أوضحه الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه عندما قال: إن " التخلف النفسي والذهني لا تصاب به الأمم بغتة، وإنما يجيء بعد أمراض طويلة ولا تجد من يحسن مداورتها".

ولعل من المهم أن نذكر هنا أن هذه العوامل المسيطرة على المجتمع وبالتالي على المرأة، ليست منفصلة، ولكننا نفصلها لكي نبين أهميتها على حدة. وقد يحتاج بيان هذه الأمور إلى تفصيل طويل، ولكن حسبنا أن نذكر هنا بعض المعالم المهمة التي جعلت المرأة تفقد ثقتها بنفسها، الأمر الذي حال بينها وبين شعورها بتحقيق ذاتها.

باااااااي
__________________



لم أزل أرنو إلى عليائها.... قمّة الفخرِ على النهج القويم
فـــإذا ما لاح فيـــها قيـمٌ.... فانظرن في سِفرِهِ توقيع ريم
الرد مع إقتباس