عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 01-02-2003, 02:03 PM
همس الأحاسيس همس الأحاسيس غير متصل
ريـــــم
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2001
المشاركات: 2,305
إفتراضي

ونشير هنا أن اهتمام هذه الدراسة بالعوامل التي جعلت المرأة تشعر بعدم تحقيق ذاتها، لا يهدف إلى الحصر والتحديد لمجالات المعاناة، فإن أوجه القلق والتخبط الذي تعيشه المرأة كثيرة ومتعددة ، ولكننا تناول بعض الأمثلة للتوضيح. فما هي هذه العوامل التي سيطرت على البناء الفكري والثقافي للمجتمع؟

أولا: الجهل
علينا أن نستوعب أن الجهل ألوان ، جهل بمعناه البسيط ، وجهل مركب . ومكافحة الجهل البسيط والتغلب عليه أقل صعوبة من النوع الثاني ، لأن صاحبه يدرك هذا النوع من النقص الذي يحمله. أما الثاني فإن صاحبه لا يدرك حقيقة وضعه، إما لأنه يحمل أوهاماً يظنها علماً، أو أنه مصاب بآفة " تكديس المعلومات " أو " تخدير الدماغ "، أي أنه يحمل جرثومة تجعله عاجزاً عن تحويل معلوماته إلى برنامج تطبيقي ، وبالتالي تؤدي به إلى مضاعفات أشد خطورة من عدم امتلاك المعلومات ، إنه باكتسابه لهذه المعلومات التي أفرغت من فعاليتها يصل إلى تناقض داخلي يفرز عدم ثقته بنفسه وبالعلم فتسيطر عليه الأوهام التي تجعله أداة لخدمة أهوائه ومطية لغيره .
إن مثل هذا الجاهل يغيب عنه الفرق بين الجهل وحقيقة العلم، فينسى أن العلم إنما هو من أجل الإقرار بالعبودية لله وتسخير الكون لأداء رسالة، وليس من أجل تحصيل ورقة أو شهادة يطبع منها نسخ كثيرة بينما يربط صاحبها بالعلم خيط واه ضعيف ، ينقطع يوم تنقطع صلته بمعاهد الدراسة، وبالتالي يخرج من العلم دون أن يهضمه ليتشبع به عقله أو يتمثله سلوكه.

وهذا النوع من الجهل المركب هو الذي تسرب إلى المرأة اليوم، فهي التي تطمح إلى تحصيل شهادة يقدرها مجتمع لم يعد يعي مسؤولياته، وكثيراً ما يشجع حركة لا تتقدم به إلى الأمام، بل وكثيراً ما تسير به إلى الوراء.

فالفتاة اليوم كثيراً ما تجهل طبيعة دورها ورسالتها في رعاية المجتمع فتخطط – إن خططت – لحياتها دون مراعاة إمكانياتها وغايتها. ولكن طبيعة الحياة ترفض هذا التحدي فيصدمها الواقع بخسائر حين لا تستطيع تحقيق أهداف كانت قد بنتها على أساس من الخيال والأوهام وبالتالي تصاب بخيبة أمل ترهقها بالشعور بعدم تحقيق ذاتها.

ثانياً: الأفكار المستوردة
لن نبحث هنا فيما إذا كانت هذه الأفكار تصدر إلينا من خلال غزو فكري شديد، وبأساليب شتى من مسارب جلية أو خفية، أو أننا نحن بمحض إرادتنا نختار أن نستعير أفكاراً من خارج إطارنا الفكري والثقافي لنسد به فراغاً لا بد أن يملأه شيء ما. مع أن الكثير من هذه الأفكار المستعارة لا يمكن أن تتعايش أو تتفاعل إيجابياً مع باقي الأفكار السائدة، فينتج عن هذا خليط غير متجانس يحمل جاهليات أو أمراض شعوب أخرى تزيد رؤية الأمة - والمرأة جزء منها - غبشًا وحيرة، ونشير هنا إلى أن فشل الأفكار المستوردة قد يعود إلى أحد سببين:

إما أنها أفكار لم تلق نجاحاً في أرضها فتوج فشلها بإعلان موتها واستبدال أفكار جديدة بها، غير أن غيابنا عن ساحة الأفكار حال بيننا وبين حضور موكب جنازتها فبقينا مفتونين بها..
وإما أنها أفكار صالحة داخل أجوائها الأصلية حيث تحظى بشبكة علاقات تغذيها وتحميها، بينما تتحول إلى أفكار ميتة في بيئة جديدة تحرمها من المقومات الأساسية لحياتها.

فلكي تقوم الاستعارة على أساس سليم، لا بد أن تتم وفق منهج يحمي علاقات أساسية ثلاث، بشكل يؤمن ترابط الفكرة المستعارة:
أولاً - مع باقي الأفكار التي تشكل الإطار الثقافي والفكري في البيئة الجديدة، بحيث لا يكون هناك تعارض يؤدي إلى انعدام فاعلية الفكرة أو تأثيرها تأثيرا مضاداً.

وثانياً - مع الأشياء التي تخدم هذه الفكرة وتساعد في تحقيق نجاحها.

وثالثا - مع الأشخاص، أي أنها تكون فكرة تخدم غاياتهم وتحترم قيمهم.

وعلى سبيل المثال ، عندما استعارت المرأة المسلمة من المرأة الغربية زيها الذي يبدي جسمها بدل أن يبدي إنسانيتها قامت باستعارة مشؤومة تتحدى هذه العلاقات الأساسية الثلاث ، وهذا الزي إنما يخدم غايات العالم الغربي الذي يبحث عن المتعة الآنية، والذي يعاني من أنانية جعلت المرأة تطرق باب رزقها مستعينة على ذلك بمفاتنها.

وبالمقابل فإن هذا الزي يشكل خطراً على الامتيازات التي تتمتع بها المرأة داخل الأسرة في المجتمع الإسلامي الذي زاده هذا الزي تدهورا وانحلالا ، ومن ثم فإن الاستعارات العشوائية التي لا تقوم على أساس من التخطيط والدراسة والبحث الجاد تشكل خطراً يهدد الأفراد بالقلق والأمة بالضياع.

إن هذه الحقيقة رغم وضوحها لا تزال غائبة عن أذهان حبيسة التبعية، والمرأة وسط هذه الأمواج المتلاطمة من الأفكار المستوردة التي لا تميز بين الغايات والوسائل لن تجني سوى خسائر مادية ومعنوية، وعند تطبيق هذه الأفكار فيكون الفشل حليفها، فتشعر أنها لم تحقق ذاتها وتلوم الواقع وتنسى أن الأفكار المستوردة هي سبب فشلها.

ثالثاً: المطالبة بالحقوق وإهمال المسؤوليات :
إن الحديث عن الحقوق أصبح قاسماً مشتركاً بين المرأة والرجل ، فكلاهما يحفظ مجموعة شعارات تستهويه وكلمات رنانة تعده بأمنيات بعيدة عن الواقع.

والحقوق في الحقيقة ليست إلا ثمرات تأتي نتيجة حتمية لأداء الواجبات ، وهذه العلاقة هي التي أوضحها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بقوله:
{ وعدَ اللهُ الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحاتِ ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين مِن قبلهم وليُمكننّ لهم دينَهم الذي ارتضى لهم وليُبدِّلنّهم من بعد خوفِهم أمنا}النور:55 وقوله عز من قائل:
{ يا بني إسرائيل اذكروا نعمتيَ التي أنعمتُ عليكم وأوفوا بعهدي أُوفِ بعهدِكم وإيّاي فارهبون }( البقرة : 40 )
ومن هاتين الآيتين وغيرهما يبدو جليا أن الله أمر الناس بتكاليف إن صدقوا في أدائها تكفل الله لهم بحقهم.
وهذا أيضاً ما يقوله ابن عطاء الله الإسكندري في العلاقة التي تربط بين الواجب والحق:
" اجتهادك فيما ضَمِنَ لك ، وتقصيرك فيما طلب منك دليل على انطماس البصيرة منك "
أي إن انشغال الإنسان بحقوقه عن واجباته لن يثمر أبدا، وتلك هي سنة الله في عباده، وهكذا كان مبدأ الأنبياء، ومبدأ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي بشّر أصحابه بالجنة إن أدوا واجباتهم وأخلصوا فيها. ومن المؤسف أن منطق العصر قلب هذا المفهوم، فأهمل مبدأ الواجبات فيما أقر مبدأ السهولة، مبدأ المطالبة بالحقوق.

ولعل من هذا القبيل منطق الحملات الانتخابية حيث يعتمد نجاح المرشحين فيها اليوم على وعود قلّ ما تتحول إلى واقع .
وفي ظل هذا المنطق أيضا ظهرت في البلاد الإسلامية الحركات النسائية التي تزعم السعي لتحرير المرأة، والتي استهوت المرأة وسلكت بها سبيل الأماني فأغرتها بحقوق موهومة وأنستها واجبًا أساسيًا، ألا وهو ممارسة حرية الإرادة والقرار ممارسة سليمة تراعي مصالحها ضمن مجتمع بأكمله، وتضمن لها الطمأنينة التي تخلصها من القلق.

ومما يشهد على ما نقوله أن المرأة حين خاضت غمار هذا المنطق الأعوج وآمنت به خسرت أكثر مما ربحت ووقعت في الاضطراب، مثلها في ذلك كمثل قرينتها في الغرب التي تطالب أن تعامل في ساحة العمل على أساس كفاءتها لا على أساس أنوثتها، وأن تمنح مقابل عملها مثل ما يمنح الرجل.
ومن الثابت أنها لن تنال هذا الحق كاملا إلا إذا انتقص منها في مجال آخر، ما دامت تبدي مفاتنها وما دامت لم تقم بواجبها فتصلح من حالها وتخرج ضمن حدود زي يجعل العامل إلى جانبها يراها على ضوء ما تقدمه من خدمات لا على أساس ما تعرضه من زينتها ومفاتنها.

إن الواجبات والحقوق سلسلة متواصلة، فمسؤولية الزوج هي حق الزوجة ، ومسؤولية الزوجة هي حق الزوج .. وهذه السلسلة هي التي تمكن من بنيان مجتمع راسخ على أيدي أفراد يوازنون بين الواجبات والحقوق . وما دامت المرأة تسلك طريق المطالبة بالحقوق فإن خسائرها ستتفاقم حتى إنها ربما أضاعت ما تتمتع به من امتيازات ... فيزيدها ذلك شعورا بالقهر والانكسار وبعدم تحقيق ذاتها.

رابعاً : سيطرة المادية على النفوس من المؤسف أن الثقافة في اتجاهها نحو العالمية أو ما أطلق عليه " القرية العالمية " أصبحت ثقافة يطغى عليها طابع الغرب الغالب، فكما يقول ابن خلدون " المغلوب يتبع الغالب ". ولقد سيطر على واقع العالم اليوم المذهب المادي الذي يسعى لتحقيق المتعة الآنية ولامتلاك الرفاهية.

وثقافة الغرب اليوم، بانصراف المسلمين عن ساحة الأحداث، أصبحت ثقافة (اللذة والرفاهية) وتنتشر عبر الوسائل الدعائية من إعلام ومجلات وأفلام ومغنين ومغنيات وغير ذلك. ولقد غيرت هذه الثقافةُ المرجعيةَ، من مرجعية قيم أخلاقية إلى مرجعية استهلاك، حتى أن الفرد نفسه تحول، ضمن هذه الثقافة، إلى سلعة استهلاكية فلم يعد الكون يسخَّر لخدمة الإنسان وإنما الإنسان يسخر لخدمة المادية التي تقوم على المنفعة والرغبات النفسية ولم يعد الفرد يقاس بما لديه من قيم وما يتمثل من سلوك، أي إنه لا يقاس وفق مبدأ " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " بل أصبح يتصور واقعه وقيمته وفق ما يمتلك أو يستهلك من منتجات. وقد أفرزت هذه الرؤية المادية القائمة على أساس المنفعة عواقب خطيرة أهمها بالنسبة لموضوعنا تغيير مفهوم العمل. إن كلمة (عمل) بمفهومها البسيط تعني أن يسلط الإنسان جهداً للقيام بنشاط ما، ولكي ندرك هذا التعريف وعلاقته بموضوعنا علينا أن نحلل العناصر التي يجب أن تتوافر من أجل القيام بعمل إيجابياً كان أم سلبياً:
أولا : الإنسان الذي سيقوم بالجهد .
ثانيا : الأداة التي يستخدمها من أجل تحقيق نشاطه .
ثالثا : الخبرات والمعارف التي ستساعد في تحقيق النشاط، أي الطريقة لتحقيق العمل.
رابعا : المبرر والدافع للقيام بالعمل.

فإن اختفى واحد من العناصر الثلاثة الأولى أصبح العمل مستحيلا، وإن انعدم المبرر أو نقص أصبح العمل عبثا.
والمرأة اليوم بسبب الغزو الثقافي تعاني من نقص في العنصر الرابع الذي هو المبرر، وذلك لأنها تعيش ثقافة مادية طغت على العقائد والأخلاق فأحالت العمل إلى مفهوم ضيق المساحة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعائد المادي بعد أن كان مفهوماً واسعاً، أي كما ورد في القرآن الكريم. فبعد أن كان الفرد يبحث عن عمل صالح يجمع بين بعدين، البعد الأخروي الذي يصنعه المبرر ويرسي له دعائم التوازن والبعد الاجتماعي، أصبح اليوم لا يبحث إلا عن عمل يضمن له بعدًا فرديًا ماديًا إن لم يحصل عليه وقع في الاضطراب وأرهقه شعور الفشل وعدم تحقيق الذات.

وهذا ما يلخص شعور المرأة خاصة إذا لم تساهم في الدخل المادي للعائلة بسبب طبيعة مسؤولياتها الأخرى كأم وزوجة معطاء .

وأخيراً ، فقد أردنا من خلال هذا البحث أن نرد موضوع المرأة إلى بعض أبعاده الاجتماعية الصحيحة، وربما كان هذا الجهد خطوة في اتجاه الحل السليم. كما أردنا أن لا ينظر إلى المرأة على أنها بريئة من الاتهام، فالواقع يشهد بأن كل فرد من أفراد المجتمع يحمل بعض المسؤولية فيما نعيشه اليوم. فلا شك أن الأفراد يؤثرون في الثقافة، كما أن الثقافة تؤثر في تكوين الأفراد. والمرأة لأهميتها و خطورتها الاجتماعية أصبحت تشغل مساحة كبيرة.

المرجع: www.alrashad.org

بااااااي
__________________



لم أزل أرنو إلى عليائها.... قمّة الفخرِ على النهج القويم
فـــإذا ما لاح فيـــها قيـمٌ.... فانظرن في سِفرِهِ توقيع ريم
الرد مع إقتباس