عرض مشاركة مفردة
  #16  
قديم 11-10-2001, 01:59 PM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Lightbulb

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

إن تخوف الأخ (صالح عبد الرحمن) من أن يخلط -أي كاتب- بين مفاهيم الإسلام والمفاهيم الغربية، في محله، لاسيما في هذه الظروف الصعبة التي يستهدف فيها الغرب بكل قوته ورموزه كل ما يمت إلى الإسلام والمسلمين بصلة. وموضوع الخلط بين ما هو إسلامي وما هو غربي خطير ويستوجب أن يفرد له موضوع مستقل.

غير أنه أخطأ في ظنه بأنني وقعت فيما يتخوف منه، وما ناقشه –مقتطَعاً- من مشاركتي وعلق عليه في مشاركته، لا تشير إلى مذهبه لا من قريب ولا من بعيد، لاسيما وقد اعتمد على قاعدة (مفهوم المخالفة) وهي قاعدة محل خلاف بين علماء الأصول (الأصوليين)، فالقول بأن فتح أندونيسيا أسلوب حضاري لا يعني في حال من الأحوال بأن الأساليب الأخرى التي اتبعها المسلمون لم تكن حضارية، وأصل موضوعي إبراز دور الإسلام في كل خير تبنته الإنسانية لاحقاً وحتى اليوم.

وأخطأ كذلك في فهمه للحرية وللتفرد في الحكم، وما ذكره عن (المرأة) غريب عما كتبته.

أما السطرين الأخيرين من مداخلته، فأعتبرهما سبْق لسان، إذ لا يعقل أن تكون باكورة ما يكتبه مشارك تشكيكاً في موضوع محدد العنوان والسياق والهدف.

وأتابع ما بدأت به عن دورنا في إبراز دور الإسلام الحضاري، فأقول:

(شمس العرب تسطع على الغرب)

كانت أبواب العالم الإسلامي مفتوحة المصراعين أمام قوافل التجار وأفواج الرحالة والحجاج المسلمين القاصدين بيت الله الحرام, والزوّار المسيحيين القاصدين بيت المقدس.

وكانت مساجد الحواضر الإسلامية الكبرى ومدارسها (جامعاتها) محجة طلاب العلم من جميع الأجناس والبلدان والأديان، من الأندلس وإفريقية إلى مصر والشام، في بغداد والبصرة وأصفهان وبخارى وسمرقند، وغيرها، تتواصل مع مدن (بلرم) و(سالرنو) و(ومازرة) في صقلية والجنوب الإيطالي، وتتشابك مع حلقات القيروان وفاس ومراكش في إفريقية، وقرطبة وإشبيلية وبلنسية ومرسية وغرناطة في الأندلس.

ولما استولى النورمان على صقلية سنة (495هـ/ 1102م) بزعامة روجيه الأول, وامتد الغزو الإسباني بعدئذ في الأندلس وتم الاستيلاء على طليطلة وإشبيلية وبلنسية وقرطبة, بقيت شهرة هذه المدن بمدارسها وعلمائها في أوروبا كلها، وحظيت برعاية ملوك إسبانيا لاسيما ملك قشتالة ألفونسو العاشر، فقد كان محبا للعلم, وعرف بالملك الحكيم. وقد أنشأ في مرسية مدرسة للترجمة وتولى الترجمة فيها من العربية إلى اللاتينية مترجمون, من مسلمين ونصارى ويهود.
وفي صقلية احتفظ روجيه الأول بالإداريين والكتّاب المسلمين لدورهم في إدارة البلاد ورعاية شؤونها، واحتفظ بالنظام الإداري الذي أقامه المسلمون في دولهم السابقة, وسار ابنه روجيه الثاني سيرته, وفي عهده استمرت الحركة العلمية في نشاطها, وكان أبرزها ما قام به الشريف الإدريسي من أبحاث في الفلك والجغرافية وتأليفه كتابا في الفلك الجغرافي أهداه إلى (روجيه) وعرف باسم (كتاب روجيه) أو (الروجيري).

وفي سنة (601هـ/ 1205م) آلت جزيرة صقلية إلى الملك الألماني فردريك الثاني فازداد برعايته نشاط الحركة العلمية وولع بالعلماء العرب في مصر والشام فكان يتصل بهم ويستطلع منهم عما يشكل عليه, من ذلك أنه أرسل إلى صديقه (الملك الكامل) الأيوبي عدة مسائل في الهندسة والرياضة فبعث بها إلى علم الدين قيصر بن أبي القاسم الأسفوني المعروف بقيصر تعاسيف (ت650هـ) فكتب جوابها, وكان قيصر أشهر من أنجبت مصر والشام من الرياضيين.

وقد أنشأ فردريك معاهد للعلم في (بلرم) عاصمة الجزيرة وفي (سالرنو) و (نابولي) وكان يفد إليها كثير من طلاب العلم والمعرفة يتلقونها عن علماء عرب يقيمون تحت رعايته, وفيها كانت تترجم إلى اللغة اللاتينية كثير من كتب العرب. ولم يحمل بلاط ألفونسو العاشر وفردريك الثاني من الطابع المسيحي إلا الاسم, إذ غلب عليهما طابع الحضارة الإسلامية بنظامها الاجتماعي والإداري ومنهجيتها العلمية.

وفي مستهل القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) بدأ إنشاء الجامعات في أوروبا. ففي عام 1211م أنشئت جامعة باريس, وفي عام 1215م جامعة أوكسفورد, وفي عام 1221م جامعة مونبيلية بفرنسا، وفي عام 1228م جامعة (سلمنكا) بإسبانيا, وفي عام 1230م أنشئت -بمساعي الملك فردريك الثاني- جامعة في (بلرمو) و(بادوفا)، وفي عام 1232م أنشئت جامعة كمبريدج, وتوالى بعد ذلك إنشاء الجامعات الأوروبية التي ورثت علماء العرب وعلومهم.

ولئن افتخر الغربيون بسقراط وأفلاطون وأرسطو وأرخميدس وأيبوقراط وجالينوس وبطليموس وغيرهم من عباقرة اليونان، فإن البشرية تدين للرواد العرب في العلم التجريبي كالكندي والرازي والبتّاني وابن سينا والفارابي وابن الهيثم والبيروني وابن النفيس والزهراوي وابن زهر وابن رشد وابن طفيل وابن باجة وابن البيطار وغيرهم من الذين لم يكتفوا بالنقل والترجمة –كما يتهمهم الجهلة- وإنما أضافوا إلى المعرفة البشرية منهجية علمية ونتائج صحيحة ما زال عالم اليوم عالة عليها –كما تشهد على ذلك آثارهم ونتائجهم العلمية.

=يتبع=

[ 14-10-2001: المشاركة عدلت بواسطة: صلاح الدين ]
__________________
{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك/22]