عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 19-07-2005, 12:02 PM
الهلالى الهلالى غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2004
المشاركات: 1,294
إفتراضي إننا اليوم بين جيلين

إننا اليوم بين جيلين

جيل قديم فيه عقدة "الخواجا" : عجل بني إسرائيل الذي فتنهم خِواره الإعلامي .. جيل جَهِل مكْمن القوة في دينه ، وحقيقة وعد نبيه ، والمعجزة الكامنة في قرآنه ، جهلها جهلاً عملياً ، وتربى على الخوف من أمريكا وأوروبا ..
لم يحمل أبناء هذا الجيل سلاحاً ، ولم يشارك في حرب أو غزو ، فهو جيل متخلف متقاعس متقاعد لا يعرف من الحرب إلا رسمه ولا من القتال إلا اسمه . جيل نشأ ينهل من معين التهويل والتضليل والدعاية الكاذبة ، وتغلغل في عروقه الخوف من الأساطير والأوهام التافهة ، جيل عاش تحت سطوة فرعون وجنوده ، جيل أوّل التيه وما قبله ..

أما الجيل الآخر ، فهو جيل نهاية التيه وما بعده : جيل عرف عدوه ، وأدرك مكامن القوة في نفسه ، جيل حمل السلاح وجاهد في ميادين الكفاح ، ولرؤوس الكفار أطاح ، أدرك أن الكفار بشر ، بل أقل من البشر ..
جيل الشباب المجاهد ، الشباب الواعد ، الجيل الذي حطم اسطورة الدب الشيوعي الأحمر ، وسحل على شواطئ الصومال : الجندي الأمريكي الأشقر ، الجيل الذي فجّر قطارات اسبانبا ، وكسر أنف أمريكا وبريطانيا ، ونقل الحرب إلى عقر ديار الجبارين بعد ان كانت ساحات الحروب ديار المسلمين ، جيل أعلن للعالم أجمع : بأن فرعون ليس إلهاً للبشر ، بل هو دون البشر ، وأن اسطورة القوى العظمى ما هي إلا فرية كبرى ..

يقول سن تزو في كتابه "فن الحرب"
من يعرف عدوه ويعرف نفسه لن يُهزم حتى في مائة معركة ، ومن لا يعرف عدوه في حين يعرف نفسه فسيعاني من هزيمة مقابل كل نصر يحالفه ، أما من لا يعرف عدوه ولا يعرف نفسه فسينال الهزيمة في كل معركة يقودها"

(انتهى) ..

جيل الشباب الذي تحرر من الألوهية الفرعونية ، وربوبية المخابرات الهامانية ، وعبودية الأموال القارونية .. إنه جيل الشباب المدرك لحقيقة الصراع ، العارف بمكامن قوة وضعف الأعداء ، المجرب للحروب ، البصير بالخطوب ، المقر لله بالوحدانية ، الكافر بالحلولية والإتحادية ، المستل السيوف القرآنية ، الراكب فلك المنون ، المتخلص من الأوهام والظنون ..

ليس صحيحاً أن كل شاب : متهور مغرر به
وليس صحيحاً أن كل شيخ : حكيم عاقل يُعتد به

.. لقد أمّر النبي صلى الله عليه وسلم الشاب الصغير السن "أسامة بن زيد" على جيش فيه كبار الصحابة من أمثال عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين ..

وما استعصى على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين من بعدهم ، بل ما استعصى على المسلمين لأكثر من ثماني قرون ، حصل على يد شاب في الحادية والعشرين من العمر : ففتَح القسطنطينية الشاب التركي القائد الأمير المجاهد محمد الثاني (الفاتح) الذي أعد جيشاً عظيما لفتح إيطاليا قبل وفاته رحمه الله ..

وفتْح الهند – وما أدراك ما الهند - كان على يد الفارس الرجل الصغير - السن - الكبير العزيمة : الأمير محمود بن سبكتكين الغزنوي (وغزنة التي منها قلب الدين حكمتيار) الخراساني الذي لم يبلغ العشرين من العمر ..

وقد روي عن سيف الله خالد بن الوليد أن سبب تأخره وبعض أقرانه من شباب قريش عن الإسلام : عزوف شيوخ قريش عنه ، وقد ظن هؤلاء الشباب بأن لهؤلاء الشيوخ عقلاً وحكمة تهديهم إلى ما هو خير !! فاغتروا بالشيوخ وتأخروا عن الإذعان للحق ، فلما مات أكثر شيوخ قريش ، ورأى خالد بعقله الثاقب ونظره الصائب حقيقة هذا الأمر دون ضغط قبلي أو عصبي أو تأثير نفسي ، وتخلص من رواسب التأثير الجاهلي : هداه الله وشرح صدره للإسلام ..

إن أكثر الصحابة السابقين الذين هداهم الله للإسلام كانوا من الشباب ، ولم يُسلم من كبار السن في بداية الدعوة إلا نفر قليل يعدون على الأصابع ..

إن رواسب العقلية الإنهزامية الإستسلامية لا زالت عالقة في قلوب كثير من أبناء الأمة ، وكثير من هذه الرواسب موروثة من جيل ما قبل التيه ، وبعض هذه الإنهزامية نتاج عمل الوسائل الإعلامية الحديثة ..

إن هذا الإنكسار والخوف من العدو هو ما يحاربه المجاهدون بإحياء نصوص القرآن : فالضرب فوق الأعناق ، وضرب كل بنان ، وضرب الرقاب ، وإمرار أوداج العدو على السنان ، وأخذهم والقعود لهم في كل مرصد ، هذه الأفعال تفتح الأعين وتملي الآذان بحقيقة عزة وقوة أهل الإيمان ، وهوان وذل أهل الكفر والعصيان ، وكسر لسلسلة دعاية الكذب والبهتان ..

إن المسلم حينما يرى الكافر الأمريكي أو الأوروبي وقد سُحلت جثته ، وقطعت رقبته ، وتناثرت أشلائه ، وتفحمت أمعائه ، وتحطمت طيارته ، ودُمّرت دبابته ، وسُلب سلاحه ، وأُسر ذليلاً حقيرا تنهمر دموعه ، عندها يراجع المسلم نفسه ، ويشك في البالي من معتقداته ، ويتحرر من أوهامه وترهاته ، ويجترئ على اعدائه ، وتتلاشى من عقله مقولة القوة العظمى ، والدولة الكبرى ، فيصبح العدو في نظره صغير ، وفي حسابه حقير ..

إن معركة عين جالوت كانت مصيرية لأن المسلمين بدأوا التتر ، وقطز قطع كل تردد وشك في قلوب المسلمين بقطع رقاب رسل الأعداء في مصر ، وكان في صمود بيبرس وقطز آلاف العبر ، فلما رأى المسلمون أرض الإسلام تصطبغ بدماء هؤلاء الأوباش ، ورأوا الجيوش المصرية تفتك بالعدو بين الأحراش ، عندها شدوا على الأوساط النطاق ، وأشعلوا حرباً لا تُطاق ، فكانت الهزيمة النكراء ، وتفرق جيش هولاكو في سائر الأرجاء ، ثم بعد النصر والفتح : دخل التتار في دين الله أفواجاً ، تحقيقاً لسنة الله ..

لما قصد المسلمون - وهم عشرون الفا - افريقية وعليهم عبدالله بن سعد بن ابي سرح وفي جيشه عبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير ، صمد اليهم ملك البربر جرجير في عشرين ومائة الف وقيل في مائتي الف ، فلما تراءى الجمعان أمر جيشه فأحاطوا بالمسلمين هالة ، فوقف المسلمون في موقف لم ير أشنع منه ولا أخوف عليهم منه ، قال عبدالله بن الزبير : فنظرت الى الملك جرجير من وراء الصفوف وهو راكب على برذون وجاريتان تظلانه بريش الطواويس ، فذهبت الى عبدالله بن سعد بن ابي سرح فسألته ان يبعث معى من يحمى ظهري واقصد الملك ، فجهز معى جماعة من الشجعان ، قال : فأمر بهم فحموا ظهري وذهبت حتى خرقت الصفوف إليه وهم يظنون اني في رسالة الى الملك ، فلما اقتربت منه أحس منى الشر ، ففر على برذونه فلحقته فطعنته برمحي وذففت عليه بسيفى وأخذت رأسه فنصبته على رأس الرمح وكبرت ، فلما رأى ذلك البربر فرقوا وفروا كفرار القطا واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون ، فغنموا غنائم جمة وأموالا كثيرة وسبيا عظيما ..

ولما اقبل خالد من العراق إلى اليرموك قال رجل من نصارى العرب لخالد بن الوليد ما أكثر الروم وأقل المسلمين ، فقال خالد : ويلك ، اتخوفني بالروم !! إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال ، والله لوددت أن الأشقر برأ من توجعه وأنهم اضعفوا في العدد .. وكان فرس خالد قد حفا واشتكى في مجيئه من العراق ..

وذكر الوليد بن مسلم : ان ماهان قائد الروم في اليرموك طلب خالدا ليبرز اليه فيما بين الصفين فيجتمعا في مصلحة لهم ، فقال ماهان : انا قد علمنا ان ما أخرجكم من بلادكم الجهد والجوع فهلموا إلى أن أعطي كل رجل منكم عشرة دنانير وكسوة وطعام وترجعون الى بلادكم فإذا كان من العام المقبل بعثنا لكم بمثلها .. فقال خالد : انه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت غير انا قوم نشرب الدماء وانه بلغنا ان لا دم أطيب من دم الروم فجئنا لذلك .. فقال أصحاب ماهان : هذا والله ما كنا نحدث به العرب ..

وقد كان فيمن شهد اليرموك الزبير بن العوام ، وكان من فرسان الناس وشجعانهم في الإقدام ، فاجتمع اليه جماعة من الأبطال يومئذ ، فقالوا : ألا تحمل فنحمل معك ؟ فقال : انكم لا تثبتون .. فقالوا : بلى ، فحمل وحملوا فلما واجهوا صفوف الروم احجموا وأقدم هو فاخترق صفوف الروم حتى خرج من الجانب الآخر وعاد إلى اصحابه ، ثم جاؤوا اليه مرة ثانية ففعل كما فعل في الأولى وجرح يومئذ جرحين بين كتفيه ، فلله دره من مقدام ..

قال ابن كثير في البداية
وثبت كل القوم في اليرموك على رايتهم حتى صارت الروم تدور كانها الرحا فلم تر يوم اليرموك إلا مخا ساقطا ، ومعصما نادرا ، وكفّا طائرة من ذلك الموطن ، ثم حمل خالد بمن معه من الخيالة على الميسرة التى حملت على ميمنة المسلمين فأزالوهم الى القلب فقتل من الروم في حملته هذه ستة آلاف منهم ، ثم قال : والذي نفسي بيده لم يبق عندهم من الصبر والجلد غير ما رأيتم وإني لارجو أن يمنحكم الله اكتافهم ، ثم اعترضهم فحمل بمائة فارس معه على نحو من مائة ألف فما وصل اليهم حتى انفض جمعهم وحمل المسلمون عليهم حملة رجل واحد فانكشفوا وتبعهم المسلمون لا يمتنعون منهم .


لقد أمات خالد والزبير وابنه والقعقاع والمثنى بن حارثة وأقرانهم جرثومة الخوف في قلوب المسلمين ، وزرعوا بدلاً منها بذرة الإقدام التي سرعان ما شقت طريقها إلى الأرض وناطحت الجوزاء فأصبح المسلم لا يُحجم إلّا عن الإحجام ، فكان أن دخل أحد المسلمين قرية في العراق – وقد شذ عن جيشه – فسل سيفه وأعلن في القرية : الإسلام أو الجزية أو السيف ، فأذعنوا لهمة هذا الرجل الهُمام ، المجاهد الفريد ، اليتيم الحُسام !!

إن ما يفعله المجاهدون اليوم من حز الرؤوس ، وسحل التيوس ، وتصوير هذا ونشره بين الخلائق ما هو إلا لزرع تلك البذرة الخالدية ، والهمة الزبيرية ، الجرأة القعقاعية ، والعزة الحارثية في نفوس الأمة الإسلامية ..
وما يفعله الأمريكان من نشر صور الأسرى في أبو غريب ، وإهانة المصحف ، وتدمير البيوت وقتل الذرية والتصريحات الصحفية والدعايات العسكرية ، هي خطة كِسرويّة لكسر هذه الهمة واجتثاث هذه البذرة من القلوب كي لا تصبح في يوم من الأيام شجرة يشتد عودها ويقوى ساعدها فيستحيل قلعها ، فتُثمر إرهاباً رهيباً وإعصاراً يجرف الأرض ويكون الفتح الذي وعد الملك الحق على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم .. إنها حرب نفسية : حرب على الطريقة الكسروية الفرعونية ..

لقد كان تيه بني إسرائيل أربعين سنة ، وتيه هذه الأمة مضى عليه أكثر من مائتي سنة (تخللتها فترات جهادية) .. وها هي بوادر الأرض المباركة تلوح ، وها هي القيادة اليوشعية تأخذ مكانها في الصفوف الأمامية ..

لو قلت لرجل من جيل ما قبل التيه أننا ننوي غزو أمريكا ، لفغَر فاه ، ولبلغ الخوف في قلبه مداه ، ولصرخ وولول ، وعن مجلسه تحول ، ولقال : أنتم الخوارج الغلاة ، اتظنون قتال أمريكا كقتال بعضكم لبعض في الفلاة !! إنها أمريكا يا أغبياء ، إنها أمريكا يا سفهاء ، إنها أمريكا الجبارة ، إنها ... وإنها ..
تماماُ كما قال وديعة بن ثابت أخو بني أمية بن زيد ومخشي بن حمير وإخوانهم المنافقون : حيث كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك فقال بعضهم لبعض "أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا والله لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال" !!

لقد تبدل الجيل ، واندثرت معالم القلب الذليل ، وأصبح الخوف من الكفار تاريخا أسوداً رمى به المجاهدون في غياهب جُبّ التبعية الذي ردموه بالصخور الإيمانية ، فها هي الحجارة الفلسطينية ، والعبوات العراقية ، والقذائف الأفغانية ، والهجمات الشيشانية ، والغزوات الكشميرية تقول للعالم : إن سنوات التيه قد ولّت : فلا دنيّة ، آن للعدا أن يذوقوا كأس المنية ، لقد استيقضت الأمة الإسلامية ، تطلب وعد رب البرية ، لن تقف رايات الجهاد حتى تركَز في رومية ..

نسأل الله بمنّه وكرمه أن لا يُميتنا حتى نُرغم أنوف فراعنة العصر ، ونهتك ستر إخوان عبد الله ابن سلول ، ونقطع رقاب أتباع مسيلمة الكذاب ، ونُصيّر البيت الأبيض جامعاً ، ويقيم إمامنا صفوف المصلين في الكرملن ، ويؤذن أخو بلال من فوق مبنى برلمان لندن ..

إنه وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم : فليس بيت مدر ولا وبر إلا ويدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل .. ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ، ولكن المنافقين لا يعلمون ..


كتبه
الفقير إلى عفو ربه
حسين بن محمود
12 جمادى الآخرة 1426هـ

(انتهى) ..