عرض مشاركة مفردة
  #111  
قديم 05-06-2005, 06:27 PM
قلم المنتدي قلم المنتدي غير متصل
فـــوق هام السحــب
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2004
الإقامة: ksa
المشاركات: 1,478
إفتراضي

عناق الأعداء: "القاعدة"، الحرس الثوري
فارس بن حزام

أصعب ما يواجهه الباحث، أن يكشف عن علاقة بين مدرستين متحاربتين، كل واحدة منهما تكفر الأخرى. هذا ما يحدث الآن مع الساعين إلى ربط تنظيم \"القاعدة\" بإيران.
كيف يمكن الجمع بين إسلام سني سلفي يؤمن بأن القتال هو الحل، وآخر شيعي سلفي يسعى إلى تصدير مشروعه بالدم ؟
كلاهما يكفر الآخر في أدبياته، لا أحد منهما يعترف بأحقية غيره باقتطاع حيز بسيط من الإسلام الواسع المساحة. تبقى نقطة التقاء واحدة: العداء لأميركا. لا أحد ينفيه، ولكن هل سياسة إيران حمقاء لتتعاضد مع تنظيم ملاحق دولياً، وهل يقبل المتشبثون بالعقيدة إحتضان من يرونه كافراً ؟
عدة إشارات ومحطات تقود إلى نفي العلاقة مع إيران كدولة ونظام حكم، ولكن، في الوقت ذاته، لابد من النظر إلى إيران كدولة تحكمها عدة مؤسسات، بعضها لا يملك السيطرة على الآخر. مراكز القوى وإدارة الدولة مبعثرة بين الرئيس محمد خاتمي، والحرس الثوري، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، ولكنهم جميعاً بإمرة المرشد العام علي خامئني. العلاقة مع تنظيم \"القاعدة\" وسط تلك التركيبة المعقدة، قد تكون قائمة مع إحداها؛ تحديداً، الحرس الثوري.
والحرس الثوري، في الوقت ذاته، يعيش صراعات أخرى للسيطرة على اتجاهاته السياسية والميداينية، فهو جهاز عسكري يتحرك بإمرة المرشد العام، ولأن المرشد الحالي يختلف سياسياً عن سلفه الخميني؛ فمن الطبيعي أن تحدث انقسامات داخل المؤسسة العسكرية، حتى لو غاب قادتها الذين عاصروا العهد الأول؛ لأن توريث الفكر إلى الأجيال أمر طبيعي في مكان مؤدلج، ويمكن اعتبار فيلق القدس - المتفرع من الحرس الثوري - كحالة خاصة ما زالت خارجة عن سيطرة الحكومة.
ذلك ما حدث في هذه المؤسسة العسكرية: نما جيل ارتبط فكرياً بمنهج الخميني، وتحول إلى ما يشبه التنظيم السري، الذي يسلك اتجاهاً مخالفاً لمنهج المؤسسة الملتزمة برؤية وسياسة المرشد الحالي، وهذا الانقسام دفع في بداية التسعينات إلى طرح التساؤل \"من يحكم الآخر: الحرس الثوري، أم المرشد العام ؟\"، لأجل تحديد موقف المؤسسة حيال التبدل المنهجي بين الخميني وخامئني، ومثله كان التساؤل الآخر مطلع الثمانيات \"من يحكم الآخر: السافاك (جهاز المخابرات الإيراني) أم حاكم الدولة ؟\"، لتحديد موقف الجهاز الأمني من حكمي الشاه والخميني. وطرح التساؤلين، جاء بعد أن حافظ جهاز المخابرات على قوته وواصل نشاطه في العهدين، رغم الاختلاف بينهما، وعدم تأثره بتحول النظام والمجتمع.
من هنا، حين النظر إلى شبهة العلاقة بين إيران وتنظيم \"القاعدة\"، يجب الأخذ في الحسبان أمراً أساسياً: ليس بالضرورة أن يتورط رأس السلطة بالعلاقة.
الجزم بتورط الحكومة الإيرانية، أضعف التهمة دولياً. لا شك أن رأساً إيرانياً يطل من خلف الزحام في طهران، ولا شك أنه وجد مصلحة مشتركة تدفعه إلى إقامة علاقة غير شرعية مع تنظيم مشبوه تلاحقه اللعنات الدولية.
هناك خمس محطات تدفعنا إلى التساؤل، حال ما تظهر كل واحدة منها: هل هناك علاقة مشتركة بين الحرس الثوري الإيراني وتنظيم \"القاعدة\" ؟
المحطة الأولى، كانت حادثة تفجير برج سكني يقطنه جنود أميركان في الخبر (شرق السعودية) في 24 يونيو 1996، أدى إلى مقتل 19 منهم. الحادثة تذبذبت في عامها الأول بين \"القاعدة\" وتنظيم شيعي شرق السعودية - تفترض علاقته بالحرس الثوري الإيراني - إلى أن بلغت التحقيقات النتيجة النهائية، بتورط الطرف الثاني في الحادثة، وبراءة \"القاعدة\" منها.
مضى الحال على ما كان، إلى أن صدر كتاب على شبكة الإنترنت من تأليف فارس الزهراني -أحد أهم المطلوبين في السعودية- قبل أن يقبض على المؤلف في الخامس من أغسطس 2004. تحدث عن نشاط \"القاعدة\" العسكري عالمياً، ودون المؤلف الحادثة ضمن إنجازات التنظيم. وهنا تتضارب المعلومات، ليخرج سؤال واحد: هل تعاونت \"القاعدة\" مع الحرس الثوري الإيراني في الخبر ؟
محطة أخرى برزت؛ تقرير الكونجرس الأميركي الخاص بنتائج تحقيقاته في أحداث 11 سبتبمر، ذكر أن 8 من منفذي الهجوم مروا عبر الأراضي الإيرانية في الطريق من أفغانستان إلى أميركا.
استخدام الأراضي الإيرانية ممراً إلى أميركا، لا يدفع إلى التخمين بوجود علاقة بين الطرفين، فالبحرين وقطر كانتا ممراً للمقاتلين السعوديين الذين اتجهوا إلى أفغانستان، دون أن تبرز شبهة تسهيلات من أجهزة البلدين، ولكن تكرار مثل هذه المحطات بين فترة وأخرى يسمح - نسبياً - بإعادة النظر تجاه العلاقة المفترضة.
المحطة الثالثة، ويمكن وصفها بـ\"الفاضحة\" والمحرجة في ذات الوقت؛ لجوء قيادات من تنظيم \"القاعدة\" إلى الأراضي الإيرانية بعد فرارها من أفغانستان نهاية عام 2001. في تلك الفترة لجأت عناصر تقدر بالمئات، بعضها سلم للسعودية خلال أشهر، ولكن القيادات بقيت محفوظة على مقربة من الحدود الأفغانية، تحت رعاية فيلق القدس.
خلال 3 أعوام من لجوء عناصر \"القاعدة\"، خرجت عدة معلومات من إيران تؤكد صحة وجودهم، ولم تنفها الحكومة، إلا أنها زعمت سبب احتجازهم: الإقامة غير الشرعية في البلاد.
بينما أن سبباً كهذا معيب بحق القيادة الإيرانية، فمعلوم أن التهمة لا تستوجب الإحتجاز إلى اليوم، ومعلوم أن مصير المتسللين لا يتعدى تسليمهم لبلدانهم، وليس التكفل برعايتهم سنوات.
بعد أسبوع واحد من بدء شهر ديسمبر أعلن عباس علي زاده، رئيس عدلية طهران، عن موعد محاكمة عدد من أعضاء \"القاعدة\" المحتجزين في إيران، وفي اليوم التالي نفى علي يونسي، وزير الاستخبارات، صحة المحاكمة.
ماذا يعني التضارب الإعلامي بين المؤسستين الإيرانتين ؟
الإجابة لا تهم، فالأمر بات واضحاً : صراع داخلي تجلى هنا.
لكن المهم، أنها محطة تظل الأكثر حساسية، وتشفع للباحث التفكير بجدية العلاقة بين الفريقين المتنافرين.
المحطتان الثالثة والرابعة لهما ارتباط تتابعي، فأحداث 12 مايو التي شهدتها الرياض عام 2003 بثلاثة تفجيرات متتابعة، تفترض أجهزة الأمن السعودية انطلاقها من شفرة جاءت عبر اتصال هاتفي بين إيران والرياض قبل يومين من العملية، ويعتقد أن سيف العدل، القائد العسكري في التنظيم، تولى تمريرها إلى يوسف العييري، قائد التنظيم محلياً – حيننذاك – وهو ما يمكن اعتباره مؤشراً لوجود سيف العدل في ضيافة فيلق القدس الإيراني.
أخر المحطات، وما اعتقده أضعفها، يتمثل في محاكمة المواطن المصري محمد عيد دبوس، الذي صدر بحقه، في 27 مارس الماضي، حكم بالسجن 35 عاماً، بعد إدانته بالتجسس لصالح إيران من خلال تزويد دبلوماسي إيراني، كان يعمل في القاهرة، معلومات عن مدينة ينبع الصناعية في السعودية، ويعتبر القضاء المصري أنها ساهمت في حادثة الاعتداء التي نفذها 4 عناصر تابعين لتنظيم \"القاعدة\" في السعودية في الأول من آيار 2004 على شركة أجنبية، إضافة إلى إدانته بالتخطيط لاغتيال الرئيس المصري حسني مبارك.
ما تهمني هنا، تهمة ينبع، وعندما رأيتها ضعيفة، ليس لشيئ، سوى أن ثلاثة من منفذي الهجوم كانوا موظفين في الشركة المستهدفة، ومثل هؤلاء ليسوا بحاجة إلى مقيم مصري - لا علاقة له بمدينة ينبع – ليزودهم بمعلومات عن شركة يعملون فيها، وهذا يكفي لاضعاف التهمة، مع الاحترام الخالص للقضاء المصري.
ما سبق، مجرد استعراض لمحطات، سعياً إلى توضيح الصورة الضبابية حول فريقين تناحرا حول العقيدة، تعاضدا عند المصلحة، إلى أن يحين - في مقال قادم - الإجابة على سؤالين هامين : متى بدأت العلاقة المفترضة بينهما، ومن العنصر المحوري في العمل المشترك ؟
لتبقى محطات مثيرة لتساؤل واحد : هل أخذ \"الحرس الثوري\" تنظيم \"القاعدة\" بالأحضان ؟