عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 07-07-2004, 05:46 AM
اليمامة اليمامة غير متصل
ياسمينة سندباد
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
الإقامة: السعودية
المشاركات: 6,889
إفتراضي مستقبل الاحتلال الأمريكي للعراق

في تحليل لا يخلو من الدلالة، توصل الخبير العسكري الصهيوني زئيف شيف إلى أن الجيش الأمريكي قد مُني بالهزيمة في العراق على يد المقاومة العراقية، وأن آثار تلك الهزيمة سوف تكون بعيدة المدى وستؤثر على إسرائيل أيضًا.

وقال المحلل العسكري الإسرائيلي: "إن سيطرة الجيش الأمريكي على المدن الكبيرة قد أصبحت أضعف مما كانت عليه منذ عام، وأن الوحدات العسكرية العراقية التي شكلتها أمريكا في العراق قد تفككت وانضم عدد من أفرادها إلى المقاومة، وأن التنقل بالطرق بين المدن العراقية بات أقل أمانًا، وأن الاتصالات اللاسلكية بين قوات الجيش الأمريكي ومختلف المراكز تتعطل باستمرار، وإذا ما تقوقع الأمريكيون في معسكرات بعد قيام الإدارة العراقية فإن الأراضي العراقية بين المدن العسكرية سوف تكون في أيدي الثوار، وأن مثل هذا التدهور يذكرنا بوضع الفرنسيين في مرحلة ما في الهند الصينية، وأنه إذا فقد الأمريكيون تأييد الغالبية الشيعية؛ فإن حربهم في العراق سوف تصبح مشكلة المشاكل، وأن الإدارة الأمريكية يبدو عليها التخبط الاستراتيجي، وبعد لجوء واشنطن للأمم المتحدة لكي تساعدها في الخروج من مأزقها بالعراق لم يعد واضحًا ما الذي ينبغي أن يعتبر كنصر أمريكي، ولا يقل في ذلك أهمية تقييم وتقدير الدلالات الاستراتيجية في حالة ما سُجل إخفاق ذريع للأمريكيين بالعراق، إنها ستكون دلالات كونية بعيدة المدى سوف تؤثر على إسرائيل أيضًا".

الفشل الأمريكي ..حقيقة معروفة

الهزيمة الأمريكية في العراق أو الفشل الأمريكي الذريع في العراق بات حقيقة معروفة يعترف بها كبار القادة والمحللين في أمريكا ذاتها وفي إسرائيل "الحليف الاستراتيجي". يعترف بها البعض مباشرة -خارج الإدارة الأمريكية- ويتحدث بها داخل الإدارة الأمريكية كبار رموزها ولكن بطريقة غير مباشرة؛ فالرئيس الأمريكي جورج بوش لم يعد يتحدث عن انتصار أمريكي؛ بل عن تبرير استمرار الجيش الأمريكي في المستنقع العراقي رغم الفشل قائلاً "إن الجيش الأمريكي صامد في العراق، ولن يتركها للإرهابيين ولن يفر أمام الأشرار"، وهو بهذه الطريقة يخاطب طرفين: الطرف الأول هو الجمهور الأمريكي على أساس أن الخسائر الكبيرة في العراق ثمن لعدم انتصار الإرهابيين، وبالتالي تشكيل مخاطرة كبيرة على أمريكا في الخارج والداخل أيضًا، أي أن الجيش الأمريكي يخوض المعركة ضد الإرهاب خارج الأراضي الأمريكية بدلاً من خوضها داخل أمريكا، وبالتالي فعلى الجمهور الأمريكي تحمل الخسائر وانتظار النعوش العائدة. والطرف الثاني: هم العملاء في العراق حتى لا ينهاروا فجأة عند إحساسهم باقتراب الانسحاب الأمريكي من العراق وتركهم في العراء أمام الشعب العراقي الثائر عليهم ليواجهوا عقوبة الخيانة، وهو إحساس أصبح قويًّا لدى الأطراف المتعاونة مع أمريكا في العراق.

أمريكا تحاول التخلص من الفشل بأكثر من طريقة، وكل هذه الطرق فشلت أو محكوم عليها بالفشل؛ فليس هناك تغيرًا نوعيًّا مثلاً إذا ما كان من يحكم العراق لحساب أمريكا هو مجلس الحكم أو الحكومة المعينة من الأمم المتحدة، أو حتى حكومة منتخبة؛ فإذا انسحبت القوات الأمريكية إلى قواعد داخل المدن، فأيًّا كان الوضع السياسي العراقي؛ فإن الثوار سيسيطرون على المدن والطرق، ويصبح مأزق الأمريكان في قواعدهم أسوأ، وإذا استمرت القوات الأمريكية داخل المدن فإن شيئًا لم يتغير، وسواء كانت سلطات الاحتلال تدار من المنطقة الخضراء أو من سفارة ترفع العلم الأمريكي فإن شيئًا لم يتغير، ولا تنطلي هذه اللعبة على المقاومة.


تصاعد المقاومة

والمقاومة بدورها تزداد قوة مع التخبط الأمريكي الاستراتيجي، ومع كل محاولات التجريب من مجلس انتقالي، إلى حكومة معينة، إلى حكومة منتخبة؛ فالأوضاع الأمنية والاقتصادية تتدهور. وهذا يؤثر على كل الشعب العراقي سنة وشيعة وغيرها، وكل هذا يصب لصالح المقاومة، والتململ داخل الشيعة وظهور قوى شابة مثل الصدريين (نسبة إلى مقتدى الصدر). وأيًّا كانت درجة ترددها فإن سقوط الضحايا من الشيعة مع الأزمة الاقتصادية والسياسية سيدفع القطاع الأكبر منهم للخروج على قيادات الحوزة الصامتة باتجاه المقاومة، وهو أمر خطير جدًا، بالنسبة للأمريكان، والحديث عن حكومة إفساد أو القضاء على استبداد النظام السابق لم يعد حديثًا جديًّا، لا داخليًّا ولا خارجيًّا بعد فضيحة التعذيب الأمريكي للمعتقلين العراقيين في السجون العراقية، وخاصة سجن أبي غريب، أما اللجوء إلى الأمم المتحدة، أو محاولة توريط أطراف عربية أو دولية في المستنقع العراقي؛ فإن الأمر قد فات وانتهى، والجميع يخشى ثمنًا باهظًا إذا فعل ذلك على يد المقاومة العراقية الباسلة.

على كل حال فإن مظاهر وأعراض الفشل الأمريكي باتت واضحة، ولعل من أهمها الخلافات والصراعات داخل معسكر الأمريكان أنفسهم (الصدام مع الجلبي مثلاً) وهو نوع من التعبير عن الضيق الأمريكي بالذين ورطوهم في المستنقع.


الانسحاب.. ليس سهلاً

ولكن؛ هل ينسحب الأمريكان؟ الأمر ليس بهذه السهولة، وإذا كانت كل العناصر التكتيكية تقول إن الانسحاب الأمريكي من العراق بات محتومًا، فإن هناك عوامل استراتيجية أخرى تعطل صدور هذا القرار من المؤسسة الأمريكية الحاكمة "وهي فوق الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء وأقوى من أي رئيس أمريكي" .

هذه العوامل الاستراتيجية لا تتصل بهيبة أمريكا مثلاً أو خسارة الحرب ضد الإرهاب؛ فهذه أمور يمكن احتمالها، ولكنها تتصل بمستقبل إسرائيل، ومن المعروف أن اللوبي الصهيوني قام بدور كبير في جر إدارة الرئيس بوش إلى غزو العراق، وبدهيّ أن هذا اللوبي لا يريد الانسحاب الأمريكي من العراق؛ لأن ذلك معناه انتشار روح عالية من المقاومة إلى داخل فلسطين والعرب والمسلمين ما يشكل أكبر الخطر على وجود إسرائيل ذاته، وكذلك فإن القوى الحاكمة في الغرب عمومًا، وفي أمريكا خصوصًا ترى أن الانسحاب من العراق يعني خسارة الغرب كله وليس أمريكا أمام العرب والمسلمين، الأمر الذي لم يحدث منذ مئات السنين، وربما يؤدي إلى بداية صعود المسلمين ونهاية الغرب.

وفي هذا الصدد فإن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عبّر عن نفس المعنى بقوله: "إن معركتنا في العراق معركة استراتيجية يجب أن ننتصر فيها بأي ثمن"، وقوله: "لو قدر لبريطانيا الانسحاب من العراق فإن المتشددين سيطلبون خروج القوات الأجنبية من أفغانستان، ومن ثم الشرق الأوسط كله"، وقوله: "إن هزيمة أمريكا في العراق هزيمة للغرب كله". ثم قول هنري كيسنجر -أحد حكماء الغرب-: "هل تعرفون معنى الهزيمة في العراق؟! إن معناه خسارة الغرب لكل ما حققه في خمسة قرون".


د. محمد مورو
__________________