عرض مشاركة مفردة
  #18  
قديم 17-08-2003, 09:15 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

ومن تلك المقومات ، أنه يزن نفسه دائما بميزان الكتاب والسنة ، فأي زيغ واعوجاج وميل ، قوّمه في الحال بالرجوع والإنابة والعودة إلى المصدرين الأصليين والمنبعين العظيمين . ومما أوصله إلى تلك المكانة المتميزة أنه يرد كل ما اختلف فيه إلى الكتاب والسنة ، تاركا آراء العلماء ، وأقوال الفقهاء ، والتي يرى أنها بعيدة عن الكتاب والسنة ، لأن الحق واحد لا يتعدد؛ وله في ذلك سلف صالح من علماء الأمة ، وأمناء الملة ، فما هي قصة الإمام مالك - بن أنس - رحمه الله - مع الإمام ابن مهدي - رحمه الله - وهو قرينه في العلم والإمامة - حينما عزم على الإحرام من المسجد النبوي ، وعلل ذلك قائلا : إنما هي بضعة أميال أزيدها ، فقال له مالك : أو ما قرأت قوله : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وأية فتنة أعظم من أن تسول لك نفسك أنك جئت بأكمل مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أو كلاما هذا معناه . . . ثم تلا قوله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا

وقال كلمته الجامعة التي كأن عليها ضياء الوحي بل كأنها مستلة من مشكاة النبوة ، وهي قوله : " فما لم يكن دينا فليس اليوم بدين " .

ومن أبرز مقومات مكانته العلمية التي تبوأها هي أنه يقدم دينه والوحي على العقل ، ويجعل الرأي تبعا للنص ويحكم عقله في لسانه ، فلا يصدر كلاما إلا بعد أن يتحرى ويتروى فيه ، وينظر نظرة ذات اعتبار وتقدير في آرائه وفتاويه ، ويجعل ميزان الترجيح داخلا في أمور مهمة من المصلحة والضرورة والزمان والمكان والحال ، ودرء المفاسد ، بل إنه يميز بين أقل الخيرين وأكثر الشرين مع دفع أعلاهما ضررا وأضرارا ، وبين خير الخيرين وشر الشرين ، لذلك غلب صوابه على خطأه في الفهم والاجتهاد .

وكان وما زال - رفع الله قدره - يزن الشدائد التي تصيبه في طريقه إلى إقامة دين الله بأجرها عند الله ومثوبتها في الدار الآخرة ، ولا يهتم بما يفوته من أعراض الدنيا ، وسلامة البدن ، وخفض العيش وراحة البال ، فما أصابه من أمر من أمور الابتلاء يعد طريقا إلى الجنة ، ووسيلة إلى رضي الله . ومن أهم مقومات مكانته العلمية أنه ذائد عن حمى الدين ، واقف بالمرصاد لمن يريد العلو في الأرض والفساد والضلال بين العباد ، لا يقر باطلا أو منكرا ، ولا يسكت أو يتجاهل مخالفة صريحة للدين ، ولا يتساهل أبدا في حق الله ، ولا يرضى مطلقا عن ما يسخط الله من أي شخص كائن من كان ، بل يقول كلمة الحق ، ويدل عليها ، ويحرص أشد الحرص على بيان الحق وإيصاله للأمة أجمع ، فلله دره ما أقواه وما أجلده فجزاه الله خير الجزاء عن أمة الإسلام ، فقد قدم جهدا كبيرا ، وبذل وقتا ثمينا للأمة فنال بذلك جمال الأحدوثة ، وطيب الثناء ، والأمة هي شهود الله في الأرض ، وأن الأمة تشهد والتاريخ يشهد والعلماء يشهدون أن ابن باز - وفقه الله للصالحات من الأعمال - أمة في رجل ، ورجل في أمة .

بمثل هذه الخلال الحميدة التي أشرنا إليها إشارات يسيرة ، باللمحة المنبهة ، تبوأ ابن باز هذه المكانة العلمية التي أوصلته إلى أعلى المراتب ، وأسنى المناصب ، وهو التوقيع عن رب العالمين في الإفتاء والدعوة إلى الله ، وهذا قليل من كثير في مكانته العلمية ، ومنزلته الدينية ، جعلنا الله وإياه من دعاة الحق وأنصار الهدى - آمين - .

وإننا لنفرح أشد الفرح أن الله قد ادّخره لهذا العصر المتلاطمة أمواجه بالفتن ، والظاهر فيه أوار المحن والذي تأذن فيه أيضا فجر الإسلام بالانبلاج ، هذا العالم الرباني ، والإمام المصلح ، الذي بزَّ الجميع في شجاعة الرأي وقوة العلم والعقل ، وسلامة الفكر والتدبير ، وجرأة اللسان والقلب ، والزهد والورع فهز النفوس الجامدة ، وحرك العقول الراكدة ، وأيقظ المشاعر الخامدة ، وترك ذكره وعمله دويا وصوتا ملأ سمع الزمان ، وسيكون له شأن أيما شأن ، بإذن الواحد المنان ، وربنا الرحمن المستعان .

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }