عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 23-03-2006, 04:30 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

فساد فهم الإرهابيين لحديث

"لا يجتمع دينان في جزيرة العرب"

إن الإرهابيين ينظرون إلى العالم من حولهم بعداء شديد وبعيون سوداء وقلوب ملؤها الحقد، ولذا فإنهم يفهمون النصوص وفق هذه النفسية والرؤية، إلا أن الأخطر من فهم الإرهابيين أنهم يجدون، أحياناً،
في نصوص بعض العلماء والفقهاء ما يستندون عليه في آرائهم الإرهابية
من طبيعة النفوس المتطرفة أنها تولع ببعض المسائل الفرعية وتضخمها، وتجعل منها منظاراً تنظر من خلاله إلى الأشياء، وميزاناً تحاكم الأمور كلها إليه، وهذا دأب الغلاة في كل زمان ومكان. فالخوارج، كما يحدثنا تاريخهم، ظنوا الدين كله محصوراً في فهمهم لمسألة الحاكمية، وكفَّروا المسلمين وأسالوا دماءَهم أنهاراً إرضاءً لذلك الفهم، والإرهابيون اليوم حصروا الدين بقضايا فرعية فهموها فهماً يتناسب مع نفوسهم المتطرفة، ومن أهم القضايا التي ظن الإرهابيون الدين محصوراً فيها، وقتلوا الناس مسلمين وغير مسلمين بسببها، هي فهمهم السقيم للحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب".

فقضية إخراج المشركين من جزيرة العرب تشكل ركناً أساساً في خطاب تنظيم القاعدة الموجه إلى داخل المملكة العربية السعودية، ووسيلة لإثارة مشاعر البسطاء وكسب تعاطف العامة، إذ يزعم منظرو القاعدة أنه يجب إخراج غير المسلمين من كل شبر من أرض الجزيرة العربية ولو عن طريق العمليات الإرهابية، ولم يبالوا إلى أن قولهم هذا مخالف لفعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفعل أصحابه، وعمل أئمة الإسلام.

فرسول الله، صلى الله عليه وسلم، مات وفي جزيرة العرب يهود (في خيبر واليمن وغيرهما)، ونصارى (في نجران وغيرها)، ومجوس (في هجر)، وغيرهم من أصحاب الأديان، فلو كان إخراجهم واجباً لأمر الرسول أشخاصاً بعينهم ليخرجوهم، ولو فهم الصحابة من كلام الرسول الأمر بإخراجهم لبادروا إلى تنفيذه، كما فعلوا مع أمره بإنفاذ جيش أسامة، ولم تكن حركة الردة لتمنعهم عن ذلك، كما لم تمنعهم عن إنفاذ جيش أسامة بن زيد.

ثم ولي الأمر أبو بكر الصديق فلم يخرجهم، بل جدد لهم العهود والاتفاقيات، ولو كان رسول الله، أوصى بإخراجهم لما تأخر الصديق عن تطبيق وصية رسول الله.

وكذلك الحال مع عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، فإنهم لم يخرجوا غير المسلمين من جزيرة العرب، إلا ما روي عن عمر بن الخطاب أنه أخرج بعض اليهود والنصارى، وليس في هذا حجة للإرهابيين لأسباب، منها:

1- أن عمر لم يخرج غير المسلمين جميعاً، بل أخرج يهود خيبر ونصارى نجران، ولو أنه أخرجهم تنفيذاً لما فهمه الإرهابيون من قول النبي: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" لما كان له أن يبقي غير المسلمين في طول الجزيرة وعرضها، ويقتصر على طرد يهود خيبر ونصارى نجران فقط، ومع ذلك فقد نفى اليهود إلى تيماء وهي من جزيرة العرب، ويزيد هذا الأمر وضوحاً السبب الثاني:

2- أنه مع اتساع الفتوحات الإسلامية كانت الجزيرة العربية ولا سيما المدينة المنورة تموج بعدد كبير من العبيد والمكاتبين وغيرهم من غير المسلمين، ولا يعزب عن الذهن أن عمر بن الخطاب قتل على يدي أبي لؤلؤة المجوسي، فلو كان عمر قد أخرج غير المسلمين من الجزيرة العربية لما أبقى هؤلاء المكاتبين وغيرهم، كما أن وجود غير المسلمين لم يكن قرار عمر وحده، بل كان رأي كثير من الصحابة وكان عمر يعارضه أول الأمر ثم قبل به، لذا قال عمر لابن عباس عندما زاره قبل وفاته: "لقد كنت تحب أنت وأبوك أن يكثر العلوج في المدينة".
أما إخراج عمر بن الخطاب ليهود خيبر ونصارى نجران فتلك قصة أخرى، فعمر لم يخرجهم لأنهم مشركون في جزيرة العرب، بل لأسباب أخرى مختلفة، فهو أخرج اليهود لأنهم نقضوا عهدهم، وذلك أنهم هجموا على ابنه عبد الله بن عمر وهو نائم ففدعوا (أي كسروا) يديه من المرفقين، ورأى عمر أن هذا نقض منهم لعهدهم، وهذه القصة ثابتة في سيرة ابن إسحاق.
وأما إخراجه لنصارى نجران، فقد ورد له سببان:

الأول: ما ذكره الإمام أبو يوسف أن عمر قد أجلاهم لأنه خافهم على المسلمين، وقد كانوا اتخذوا الخيل والسلاح في بلدهم.

والثاني: أنهم أسلموا على يدي يعلى بن أمية ثم ارتدوا، فحكم عليهم عمر بن الخطاب إما أن يعودوا إلى الإسلام أو أن يخرجوا عن بلادهم إلى نجران العراق، ويعوضهم أرضاً هناك، والخبر مروي في كتاب الأموال لأبي عبيد والأموال لابن زنجويه.

ومع وضوح المسألة هذا الوضوح كله فإن المرء ليعجب كيف استباح هؤلاء الإرهابيون دماء الناس اعتماداً منهم على فهمهم القاصر مع جهلهم بسيرة الرسول وخلفائه الراشدين!
غير أن ما يتكئ عليه مبررو الإرهاب وعمليات العنف الوحشية مع المدنيين وغير المدنيين هو قول النبي، صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، وقوله: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب"، والجدير بالملاحظة أن هذين اللفظين هما لفظان مختلفان لحديث واحد، وليسا حديثين مختلفين، والمعنى الصحيح لهذا الحديث هو أن معنى قوله "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب" أي: لا تجتمع سلطتان على وجه الندية والاشتراك والمنازعة، وذلك لأن الإحساس بالانتماء الوطني في تلك الفترة من الزمن إنما كان مرتبطاً بالدين، فمعنى دينين أي سلطتين، كما قال تعالى: {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} أي في سلطته وقانونه، ويدل على هذا المعنى فعل عمر مع النصارى أنه طردهم من نجران بعد أن بدأوا بجمع السلاح والخيل مما يؤذن باستعدادهم للقيام بتمرد عسكري.

إن الإرهابيين، وشيوخهم، لم يغفلوا عن فعل النبي وخلفائه الراشدين، وفعل الأمة على مرِّ العصور (إذ لم يخرج فيها أحد يدعو إلى إخراج غير المسلمين من كل جزيرة العرب)، إنهم لم يغفلوا عن هذا فقط، بل أغفلوا ما قاله فقهاء الإسلام حول هذا الحديث، فالذي ذهب إليه جمهور العلماء كمالك والشافعي واختاره ابن تيمية أن المراد بجزيرة العرب في هذا الحديث الحجاز فقط، أما الأحناف فإنهم يجيزون لغير المسلمين سكنى جميع جزيرة العرب إلا الحرم خاصة.

ويبدو أن نصوص الفقهاء هذه لم تكن محل تطبيق دقيق إلا في العصور المتأخرة؛ فغير المسلمين، ممن قدم مع انتشار الفتوحات الإسلامية، كانوا يسكنون مكة والمدينة في عهد الصحابة والتابعين من غير أن ينكر عليهم أحد، ومن لطائف ما يذكر في ذلك قصة عبد الرحمن العطار الذي كان نصرانياً من أهل الشام وكان يشتغل في الطب، وقدم مكة فنزلها، وكان يجلس في أصل منارة المسجد الحرام من جهة الصفا، وأسلم أولاده واشتغلوا في العلم والفقه، وكان منهم أحد المحدثين وهو داود بن عبد الرحمن، وهو من شيوخ ابن المبارك والإمام الشافعي ومن رواة صحيح البخاري وقد ولد سنة 100هـ، فكان يضرب بعبد الرحمن هذا المثل فيقال: أكفر من عبد الرحمن. لقربه من الأذان والمسجد ولحال ولده وإسلامهم، وبقائه على نصرانيته.

فأين هؤلاء الإرهابيون عن فعل النبي وأصحابه والأمة ونصوص الفقهاء؟
إن الإرهابيين ينظرون إلى العالم من حولهم بعداء شديد وبعيون سوداء وقلوب ملؤها الحقد، ولذا فإنهم يفهمون النصوص وفق هذه النفسية والرؤية، إلا أن الأخطر من فهم الإرهابيين أنهم يجدون، أحياناً، في نصوص بعض العلماء والفقهاء ما يستندون عليه في آرائهم الإرهابية، ومما يرتبط بذلك بما نحن بصدده هو احتجاجهم بكلام لأحد المشايخ السعوديين يقول فيه عن الأحاديث الآمرة بإخراج غير المسلمين من جزيرة العرب: "فهذه الأحاديث في الصحاح نص على أن الأصل شرعا منع أي كافر ـ مهما كان دينه أو صفته ـ من الاستيطان والقرار في جزيرة العرب، وأن هذا الحكم من آخر ماعَـهـَده النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أمته.

وبناء على ذلك :

1ـ فليس لكافر دخول جزيرة العرب للاستيطان بها.

2ـ وليس للإمام عقد الذمة لكافر، بشرط الإقامة لكافر بها، فإن عقده، فهو باطل" اهـ.
إن هذا النص يكشف إلى حدٍ كبير عمق الأزمة التي يعيشها الفكر الديني عندنا، فمع احتجاج الإرهابيين بهذا النص الذي كتبه هذا الشيخ؛ إلا أنه لم يصدر حتى الآن ما يبطل به كلامهم، ويوضح به وجهة نظره التي هي بلا شك مخالفة لما يروجونه ويزعمونه.
إننا قبل أن نبدأ بالمواجهة (أو أثناء مواجهتنا) الأمنية مع الإرهابيين بحاجة إلى ترسيخ فقه متسامح، فحالنا كما يقول أبو الطيب:
وسوى الرومِ خلف ظهرك رومٌ
فعلى أي جانبيك تميل؟

سعود السرحان
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }