عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 03-01-2005, 04:32 AM
خالد_الغد خالد_الغد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: مصر
المشاركات: 6
إفتراضي رسالة ألى والى مصر

رسالة إلى الوالى..!

أنا ياسيدى مواطن غلبان.. استدعتنى الظروف لأكون واحدا من رعاياك.. مواطنا لم يعد له من حقوق المواطنة إلا الكلام، بعد أخذ الأذن بطبيعة الحال..
وهأنا أستأذنك فى الكلام، وأرجوك أن تعذرنى إذا رأيت فيه شيئا من التجاوز
فمثلى لم يعتد مخاطبة الولاة والسلاطين والفراعين. والملوك، لقد نشأت فقيراً
ولم أعتد إلا مخاطبة أبناء طبقتى
ونحلتى من الفقراء والغلابة!
أكرر اعتذارى تحسبا لأى تجاوز قد تراه. فبرودة الطقس. واعتلال صحتى بسبب الشيخوخة التى أدركتنى مبكرا.. تجعلنى غير قادر على دفع ثمن ما قد ترونه تجاوزاً معكم، خاصة إذا كان ذلك الثمن هو تجريدى من ملابسى وإلقائى فى العراء فى ليلة ظلامها دامس فى صحراء موحشة. وإذا رأيت أننى أستحق العقوبة غير عقوبة العيش فى هذا الزمن- فأرجو أن تكون فى زنزانة بأحد المعتقلات التى تعج بها ربوع بلادنا.. مضافا إلى ذلك تزويدى بنسخ من صحفنا القومية لأطالع فيها الاعلانات عن مبايعتكم لفترة ولاية خامسة.. وأعتقد أن ذلك يكفى بديلا عن عقوبة الجلد والتعذيب!!

وهأنت ترى يا سيدى أننى أتحدث عن العقوبة قبل أن أتحدث عما يستحقها من جرم أو ما قد ترى جنابك أنه جرم فقد يرى البعض من حاشيتك ورجال بطانتك أن مجرد حديث من هم مثلى لمن هم مثلك جرما يستحق العقوبة، حتى لو لم يتجاوز خطا من الخطوط التى وضعوها لذلك.. وقد استبقت الجميع منهم واخترتها لنفسى. فأرجو أن توافقنى جنابك عليها. حتى لو كانت الشيء الوحيد الذى توافقنى عليه فى رسالتى اليكم!!
ولقد ترددت كثيرا يا سيدى قبل أن تصيبنى الجرأة لمخاطبتك.. ليس بسبب الخوف من العقوبة أو فداحة الثمن.. بل لأن الكلام فى زمننا هذا لم يعد مجديا، ولولا أبيات من الشعر قرأتها لما جرؤت على اقتراف ذلك. إذ يقول الشاعر:
ما من كاتب إلا ويفني
ويبقى الدهر ما خطت يداه
فلا تكتبن غير شيء
يسرك فى القيامة أن تراه
فتشجعت يا سيدى لأخط بيدى ما يسرنى يوم القيامة أن أراه مسطورا فى كتابى.. أكثر مما يسرنى أن أرى فيه مقالا أبايعكم فيه، وأنا أرى ما أراه من أحوال البلاد والعباد فى عهدكم.. حتى وصل الفقر والجوع بنا إلى أن يصدر شيوخكم بالأزهر فتوى تبيح للناس أكل الجراد ليسدوا بها الرمق بعد أن أعيتهم الحيل فى الحصول على قدر من اللحم السودانى الذى أتى لهم من بلاد يقتلها الجوع فتتلقى المساعدات من جميع أنحاء الأرض. فهل أصبحنا أكثر حاجة من هؤلاء الجياع؟!
لقد ذكرتنى تلك الفتوى يا سيدى بفتوى أخرى صدرت أيضا عن شيوخ الأزهر منذ مئات السنين وفى عهد المماليك تبيح للناس أكل الميتة والجيفة من صناديق القمامة، بعد أن عم الغلاء.. وأثقلت الأسعار كواهل الناس وأحنت ظهورهم، وارهقتهم الضرائب والمكوس التى كانت أجهزة الدولة تجد فى جمعها بالسياط والضرب.. ولم يعد أصحاب العيال يجدون لعيالهم ما يسد الرمق غير القمامة وجثث الموتى من الحيوانات، فأفتى الأزهر لهم بحلال ذلك ومشروعيته..!!
فهل نبايعك يا سيدى على أكل الجراد والجيف؟!
لقد تبوأت مكانك من الحكم. وسعر كيلو اللحم لا يتجاوز الجنيهين. فأصبح الآن بعد ربع قرن من حكمك الميمون بأكثر من ثلاثين جنيها.
كما أن سعر الدولار وقتها لم يكن يتجاوز الثمانين قرشا. فإذا به الآن يتجاوز الجنيهات السبعة.. كانت البيضة بسبعة قروش. وكيلو الدقيق بعشرة قروش، ومثلها ثمنا لكيلو الأرز.. وكيلو الطماطم بثلاثة قروش ومثلها لكيلو البصل. وكان سعر الرغيف نصف قرش.. ليتجاوز بعد عشر سنوات فقط من مجيئكم لحكم البلاد الأربعين ضعفا.. فضلا عن أن الحصول عليه يحتاج إلى الساعات وقوفا فى طوابير يفرض النظام فيها رجال الشرطة.. هل سمعت يا سيدى عن مواطنين قتلوا فى طوابير العيش؟!
وهل سمعت عن أب قتل أبناءه تخلصا من مصاريفهم الباهظة؟ وهل سمعت عن أب قتل نفسه لأنه لم يعد قادرا على الصرف على بيته؟ وهل سمعت عن شباب انتحروا بسبب عجزهم عن الحصول على فرصة عمل شريف؟!
فهل نبايعكم يا سيدى على ذلك؟!
هل نبايعكم على البطالة والجوع والغلاء؟!
لقد كثرت حوادث الاقتتال بين المواطنين فى عهدكم لأسباب كنا نراها تافهة.. فهل سمعت يا سيدى عن مواطن قتل مواطنا بسبب بيضة، ومواطن آخر قتل أخاه بسبب سمكة؟!
هل سمعنا عن أب يقتل أبناءه.. أو أبناء يقتلون آباءهم إلا فى عهدكم؟
لا تكاد تخلو صحيفة يومية من صحف الحكومة من مثل تلك الحوادث، التى تتقطع فيها صلات الرحم. ويقضى فيها على معانى الأخوة والقربى والصداقة والجيرة.
لقد تخندق المجتمع لبعضه البعض.. أصبح أمام كل بيت خندق يبنيه صاحبه تحسبا لهجوم يأتيه من أخيه أو قريبه أو جاره.. وساد التربص علاقات الناس بديلا عن علاقات المواطنة التى تفتت دونها علاقات القربى والدم والجيرة. والصداقة والأخوة. كل ذلك بسبب الندرة والتكالب على مصالح شخصية وآنية ودونية.
لقد أصبح الانتماء. وأصبحت المواطنة. والوطنية خبرا فى صحبة كان وأخواتها.. فأصبح المواطن لا يعنيه البحث عن مصلحة الوطن بعد أن أعياه البحث عن مصلحته التى لم يعد يجدها فى عمل شريف، أو بيت يأويه أو دخل يقيه. فهل نبايعك يا سيدى على ذلك؟
إن وزيرك الأول ياسيدى يعقد أول اجتماع له بعد توليه مهام منصبه لبحث مشكلة تاكسى القاهرة وكنا نحسن الظن به ليعقد أول اجتماع له لبحث توفير مكان كريم لأبنائنا ونسائنا فى الحافلات العامة التى هى علب سردين تجرى على عجلات كما يشبهها المواطنون فى بلدك.
ثم يأتى وزيرك الأول يا سيدى ليعقد الاجتماع الثانى له لبحث كيفية عمل بطاقة تموين ذكية ديجيتال وكنا نحسن الظن به ليعقد الاجتماع لبحث مشكلة توفير السلع التموينية ذاتها. والتى أصبح يضرب بها المثل فى الرداءة والدناءة فضلا عن ندرتها رغم ما تتمع به من رداءة ودناءة!!
فهل نبايعك يا سيدى على ذلك؟
هل نبايعك بكيلو زيت وكيلو سكر وكيلو فول تأبى المواشى أن تأكله؟
هل ترضى أن يكون ذلك هو الثمن لمبايعتكم الكريمة؟!
لقد رأينا فى عهدك ما لم تره البلاد فى تاريخها إلا فى العهود التى حازت فيها غضب الله والتى سجلتها آيات قرآننا الكريم فى سورة الأعراف فأرسلنا

عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين. فجاء الزلزال زيادة علينا فيما ذكر الله فى محكم آياته، ثم جاء السيل والطوفان فأغرق الزرع والدود واستتبعه بالجراد الذى أكلت جحافله الأخضر واليابس.. والدم الذى أريق فى حوادث القطارات والطائرات والسفن الغارقة. وهى ما لم تشهد مثله مصر إلا فيما ندر عبر تاريخها المديد. ولم يعترف رجالك بأن تلك الكوارث التى أرسلها الله علينا إنما هى آيات مفصلات وهكذا فإنهم استكبروا وكانوا قوما مجرمين!! فهل نبايعك على الكوارث.. واحدة فى إثر أخرى.. دون أن نعترف بآياتها المفصلات.. مستكبرين ومجرمين؟!
لقد أصبحنا فى عهدك يا سيدى من دول المؤخرة فى قائمة الدول التى تنمو وتزدهر.. وفى المقدمة من دول الفساد والفقر والجهل والتلوث.
أصبحت مصر من أكثر دول العالم فسادا ومن أكبر الدول ديونا.. وأعلاها فقرا. وأدناها ديمقراطية.
فى السنغال وزيمبابوى وتنزانيا وجنوب أفريقيا وأثيوبيا. وهى الدول التى كانوا يأتون منها بالعبيد إلى أسواق النخاسة فى العالم. فى عهود الرق والاستعباد، رأينا مواطنين يذهبون إلى صناديق الانتخابات ليختاروا بملء حريتهم رجلا يحكمهم من بين عدد من الرجال، أما عندنا يا سيدى فنسوق المواطنين إلى الصناديق ليقولوا نعم لرجل واحد ليس هناك من رجل غيره فى طول البلاد وعرضها.. فهل أصبحت مصر عقيما إلى هذا الحد.. ألا يوجد بها غير رجل واحد؟.. هل هناك إهانة لمصر وشعبها أكبر وأكثر من هذه الاهانة التى يلحقها بها أولئك الذين يقولون بأنه لا يوجد فى مصر ذات السبعين مليونا غير رجل واحد؟!
فهل نبايعك يا سيدى على هذه الاهانة لمصر وتاريخها؟
هل نبايعك على العقم والجدب؟!
سيقول الأفاقون والمنافقون والمداهنون إننا سنبايعه على ألوف المدارس التى بناها.. وألوف الطرق التى فتحها ورصفها. وألوف المشروعات التى شيدها والكبارى التى انشأها. وغيرها. ونحن من جانبنا يا سيدى سنبايعك على ذلك ولذلك ولكن بشرط. أن تدفع وأن يدفعوا معك ثمن ذلك كله من جيوبهم وعرقهم وتضحياتهم. ومن جيوبهم. وأرصدتهم أما أن يطالبونا نحن بدفع ثمن ذلك. ولايزال أكثره دينا علينا وعلى أبنائنا جيلا بعد جيل.. فهذ احتيال فاضح.. ونصب واضح فكيف ندفع ثمن الشيء مرتين.. مرة نقدا ودما وعرقا.. ومرة بالمبايعة والتأييد لمن أخذ منا أكثر مما أعطانا؟
من الذى دفع ثمن ذلك يا سيدى أنت وهؤلاء. أم نحن وأولئك؟!
قولوا لنا كم تكلف ذلك كله.. وكم حصلتم منا ثمنا له.. وكم تبقى دينا علينا وعلى ابنائنا وأحفادنا بعد أن ترحلوا ونرحل عن هذا العالم؟!
لماذا تبيعون لنا اشياء دفعنا ثمنها. أو بقى علينا دينا سندفعه آجلا أو عاجلا؟!
أهكذا بيع الشرفاء وتجارتهم.. أم أنها تجارة النصابين والمحتالين؟!
سيقول لنا كدابو الزفة من الحاشية ورجال البلاط.. إننا نبايعه لأنه صاحب الضربة الأولى التى أحرزت نصر أكتوبر المجيد!!
إنها اهانة أخرى تلحق بنا وبشعبنا ووطننا فى سلسلة طويلة من الاهانات التى علقوها قلائد فى رقابنا. فقد اختصروا حرب أكتوبر المجيدة بكل ما جرى فيها من دماء ذكية وتضحيات مشهودة فى مجرد ضربة أولى، وكأننا حررنا سيناء بضربة واحدة قامت بها عدة طائرات تلقت أوامر بالتحرك من قائد الطيران.. الذى كان مجرد قائد سلاح واحد ضمن أسلحة عدة شاركت بتضحياتها فى الحرب، فأين ذهبت تلك التضحيات فى سلاح المدرعات. وسلاح المدفعية وسلاح المشاة، وسلاح المهندسين. والنقل والامداد والتموين؟!
وإذا كان يحق لقائد سلاح الطيران أن يحكم البلاد ثلاثين عاما لمجرد قيامه بضربة أولى فأين حق قادة بقية الأسلحة الأخرى ممن شاركوا فى الحرب وضحوا فيها؟! وأين تضحيات أبناء الشعب وحق الشهداء منه الذين ضحوا بأرواحهم ثمنا للنصر. الذى حصل عليه من لم ينزف قطرة دم واحدة؟!
إن حاكم العراق المتهم من شعبه بالخيانة والعمالة لم يجرؤ على اعلان حالة الطواريء فى بلاده المحتلة. والتى تشهد من حوادث القتل والدمار ما لم يشهده بلد مثله فى التاريخ.. إلا لمدة ستين يوما فقط. ورغم الاقتتال الدائر فى دارفور بين القبائل هناك. لم تعلن حالة الطواريء إلا بعد أن عجزت الحكومة عن مواجهة ذلك بالحسنى.
أما نحن فنعيش فى ظل قانون الطوارئ منذ ما يقرب من ربع قرن، بحجة مواجهة الارهاب، فأين الارهاب عندنا من الارهاب فى تلك البلاد؟!
فهل نبايعك على الطواريء وتقييد الحريات والقوانين الاستثنائية. والحكم العسكرى والبوليسى؟!
لقد أخللت يا سيدى بشروط العقد المبرم بيننا وبينك. فتدهورت أحوالنا.. وساد الفقر وعم الغلاء وانتشر الجوع.. وتفاقم الضنك والعوز وتداعت علينا الأمم. وهانت مكانتنا وقصرت قامتنا. وتقزمت، فأصبح من حقنا أن نطالب بغيرك ليدير شئوننا. ويرعى أحوالنا.
أليس ذلك من حقنا؟
إذا اعترفت بحقنا فى ذلك. فدعنا وشأننا. وإذا لم تعترف فأبق فى مكانك. ولكن لا تسألنا عن مبايعة لك أو موافقة عليك. لأننا لا نبايع أحدا على الفقر والمذلة والهوان.. وخراب البيوت!!

مقالة للكاتب سليمان الحكيم فى جريدة العربى بتاريخ 12 ديسمبر
__________________
حزب الغد الحر
بأحلامنا قادمون حتى لو توقف الآخرون


حزب الغد هو حركة ديمقراطية ليبرالية اجتماعية تجمع طليعة من جيل الشباب المصري الساعي لمشاركة جادة للإصلاح السياسي والاجتماعي في مصر المؤمن بضرورة عصرنة الدولة وتطوير آليات التداول السلمي في اتخاذ القرار وتوسيع هامش المشاركة السياسية