عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 03-09-2007, 06:15 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

أمريكا عشية غزو العراق

بلغت الثقة في نفس القيادة الأمريكية ذروتها لدرجة الغرور.. ولم يعد هناك قوة تثنيها عن قرارها في غزو العراق .. وكانت ملامح ذلك الغرور تظهر في شكل التصريحات التي يدلي بها أركان القيادة الأمريكية و من سار بركبهم (بريطانيا، إسبانيا أستراليا الخ ). وقد كانت الأهداف الإستراتيجية، قد تطورت من ضرورة الأمن القومي والتي كانت مكرسة لمعاداة الشيوعية (بدأت الفكرة عام 1947)، ثم تطورت الى الردع والاحتواء *1، ثم تطورت الى الحرب الاستباقية ، التي أعطتها (دراما 11/9/2001) أرضية خصبة جماعية (تشمل الكثير من الأمريكيين) لانطلاقة عدوانية غير مسبوقة في التاريخ، ففي ثاني أيام الغزو للعراق أجرى مراسل (سي أن أن ) المرافق للقوات مقابلة مع جندي أمريكي (A.J) قال فيها: (أريد أن أصل إلى هناك وأعربد. أريد أن أنتقم لأحداث 11أيلول/سبتمبر*2) .

عالم هوبسي *3

يبدو أن الرئيس الأمريكي في موضوع الحرب على ما يُسمى الإرهاب قد انجر وراء شعور بأن العالم الذي نعيشه اليوم عالم (هوبسي) ذو محيط شرير، غير مستقر، ويحتاج قبضة من حديد، وهذه مهمة الدولة الأعظم في العالم (الولايات المتحدة) في (المحيط القاتم ) حسب تعبير (روبرت كابلان) في كتابه (شرقا الى الجحيم Eastward to Tartary)*4 .. وقد تأثر (بوش) بكتاب كابلان ودعاه الى البيت الأبيض ليحاضر في كوادر البيت الأبيض .. وكان بوش وكوندليزا رايس يداومون على الاستماع لمحاضراته ..

جوقة المتصهينين :

كنا قد تطرقنا في سلسلة (صناعة القرار السياسي في أمريكا .. كيف؟) أنه منذ عهد كيسنجر تم دس أعداد غير قليلة في وظائف هامة في مجلس الأمن القومي الأمريكي ودوائر الخارجية والدفاع، من ذوي أصول يهودية وميول (ليكودية) وقد تعززت مواقع هؤلاء وأعدادهم في عهد ريجان، حتى كونوا ما يسمى بقاعدة (المحافظون الجدد) وسنرفق في وقت لاحق أسماؤهم من خلال نشر الوثيقة التي وقعوا عليها مطالبين الرئيس (بيل كلينتون) في مهاجمة العراق في التسعينات من القرن الماضي ..

لقد انكشف أمر هؤلاء لدى أعداء وحتى أصدقاء أمريكا والكيان الصهيوني، ففي مقالة له في جريدة (هآرتس) قال الكاتب الصهيوني (آري شافيت) : ( مفترضا، أنه لو أُبعد عن واشنطن هؤلاء المحافظون الجدد الخمسة والعشرون قبل سنة الى صحراء، فإنه لن يكون هناك حرب على العراق... وكتب في مكان آخر في وقت سابق قبل الحرب بنفس الصحيفة : ظهر اعتقاد جديد في واشنطن بضرورة الحرب على العراق. وقد تم التبشير بهذا الإيمان المتعصب من قبل 25ـ 30 من المحافظين الجدد معظمهم يهود ومعظمهم من المثقفين.. تقوم دعاويهم الفلسفية على كتابات (ميكافيللي و هوبس و إدموند بورك)*5


وهذه عينة بسيطة من تلك التصريحات:

1ـ في المؤتمر الاقتصادي الدولي صرح (كولن باول) وزير الخارجية الأمريكي آنذاك وعلى ضوء الرفض الدولي الشديد للحرب على العراق قائلا : ( عندما نحس بضرورة أمر ما فإننا سوف نقود، حتى وإن لم يكن هناك من يتبعنا)*6

2ـ عبر بوش وتوني بلير عن احتقارهما الشديد للقانون الدولي والمؤسسات الدولية في قمة جزر (الآزور) وأصدرا إنذارا، لا للعراق ، وإنما لمجلس الأمن : (عليك أن تذعن وإلا فإننا سنقوم بعملية الغزو من دون أن تبصم موافقتك التافهة. وإننا سنفعل ذلك سواء غادر صدام حسين وعائلته البلاد أم لا)*7

3ـ وصف (رامسفيلد ) وزير الحرب الأمريكي السابق، العدوان على العراق بأنه (صعق وترويع) للعالم..

4ـ في برنامج سمي ب (توضيح حول حرب العراق مع فنجان قهوة سوداء) عقد في معهد (American Enterprise Institute ) سخر (ريتشارد بيرل) وزميله (وليم كريستول) رئيس تحرير (Weekly Standard) فقال كريستول : (إنها ليست أمرا ذا بال) في حين قال بيرل : (إن زمنها ولى كمؤسسة أمنية. ولكنها قد تنفع في قضايا مثل الصحة وحفظ السلام*8


الانحدار نحو الهاوية

تتناسب ديمومة بقاء أي قوة غاشمة محتلة لأرض عكسيا مع همجيتها وقسوتها، فإن كانت إدارة الاحتلال لا تراعي مصالح من تحتل من شعب فإن زوال الاحتلال يصبح حتميا وبسرعة. وإن استطاعت إدارة الاحتلال أن تدعي حرصها على تأمين مصالح من تحتلهم، فإن هذا يطيل بعمرها وبقائها في البلاد التي تحتلها وتديرها لمدد قد تصل الى قرون طويلة، وهذا يعتمد على الأساليب التي تنتهجها تلك الإدارات.. والتاريخ مليء بنماذج من النوعين .. فعندما انتهج الإغريق نهج التعاون مع أهل البلاد بعدما توفي (الاسكندر المكدوني ) استطاعوا أن يبقوا عدة قرون في مصر (البطالسة) وفي سوريا (السلوقيين) . كما اعتمد الرومان والفرس إعطاء شكل من الإدارة المحلية الفضفاضة كأسلوب طال حكمهم لبلادنا بالإنابة (نموذج الغساسنة الموالين للروم والمناذرة الموالين للفرس) .. وهذا لم يمنع من وقوع ثورات قد تنهي العلاقة في فترات معينة كما حدث مع ثورة (زنوبيا في تدمر بالقرن الثالث الميلادي) أو معركة (ذي قار) قبل الإسلام في العراق ..

وبإمكاننا سحب ذلك المنهج على ما تبع ذلك من إمبراطوريات عظيمة، كالإمبراطورية العباسية والحكم العربي للأندلس والعثمانية والبريطانية فيما بعد .. ويبين لنا التاريخ أن اعتماد القوة العنيفة وحده لن يكفي للحفاظ على الحكم حتى في بلد من يحكمون لا من يحتلون ..

مظاهر الهزيمة والاندحار الأمريكي بانت مبكرة

في كتابه (نزع سلاح العراق) يذكر (هانز بليكس)*9 في باب لماذا قامت الحرب، أسبابا ذكرناها في المقدمة، واستبعد أن يكون لدى العراق سلاح خطير، ولكنه في باب آخر يتساءل (هانز بليكس) لماذا ترك العراق للعالم أن تنمو مشاعره بأن العراق يمتلك أسلحة تدميرية .. وأنا أقرأ لهذا الرجل الذي أنصف في كتابه العراق ونظامه من براءته مما تم اتهامه به، ويذكر تدليلا على تعاون العراق، تلك السابقة التاريخية التي تم فيها تدمير (صواريخ صمود 2) قصيرة المدى .. استغربت تساؤله عن سبب جعل العالم يحس أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل .. نعم، كان على العراق أن يجعل الآخرين المتربصين به يشعرون أنه يخفي شيئا .. فأطياف الأعداء واسعة، فلا ينفع معهم التعاون المطلق والشفافية، لقد أدرك العراقيون أن هناك ألف مطلب ومطلب ستنتهي في النهاية لما انتهت إليه .. فإن استطاع أن يماطلهم في المطلب رقم 1 فإنهم سيضيعون الوقت في المطالبة للمطلب رقم 2 .. وكان بعمله هذا يراهن على خلخلة الظروف المحيطة به إقليميا وعلى المصالح الدولية المتغيرة بسرعة .. كما أن الحل المقابل في التعامل بالشفافية هو إعلان الاستسلام المبكر ..

مع ذلك جاء ما لم يكن في حسبان الأمريكان، فقد ظهرت المقاومة العراقية بوقت مبكر، وأوجعت منذ يومها الأول القوات المحتلة .. مما حفز (سكوت رتر) أن يكتب مقالتين أحدهما في شهر11/2004 والثانية في شهر7/2005، مجيبا على تساؤلاته عندما رفع تقريران أحدهما ل (C IA) والآخر للأمم المتحدة عندما استغرب في تقريريه(الذين رفعهما في أواسط التسعينات) عن وجود مدارس للتدريب على اقتناص المدرعات في معسكر (الرشيد) جنوب بغداد ومعهد لتعليم صناعة المتفجرات في (البيوت) غرب (الحبانية) .. وفي مقالتيه المذكورتين .. وصل (سكوت ريتر) الى أن العراقيين كانوا يعدون لساعة الاحتلال منذ عشرة سنين أو أكثر ..واستبعد أن يحقق العدوان أهدافه، ثم عاد في المقالة الثانية ليتوقع هزيمة منكرة للولايات المتحدة ..

رغم أن أمريكا تختار أهدافا أضعف منها بكثير أو دولا منهكة، (دخولها في الحربين العالميتين .. واختيارها لدول تغزوها تكون منهكة وضعيفة) .. فقد أرادت من حربها على العراق من بين أهدافها أن ترمم صورتها المهزومة في فيتنام .. إلا أن هزيمتها في العراق ستكون أكثر عمقا في تاريخها حيث سيجعلها من بين الدول المأزومة لفترة طويلة .. و تتجلى هزيمة أمريكا هذه المرة ب:

1ـ رغبة دفينة عالمية في هزيمة أمريكا، خصوصا من أوروبا التي وجهت الإدارة الأمريكية لها عدة إهانات ، وهذا جعل الأجواء تساعد على تنصل الأوروبيين من الاصطفاف مع الأمريكان، حيث بدأ المشاركون في الحرب ينسحبون واحدا بعد الآخر (اسبانيا إيطاليا .. وأخيرا بريطانيا) ..

2ـ اهتزاز ثقة حلفاء أمريكا بها، مما دفعهم بالتفكير بتغيير اعتماد الدولار في عقود بيع النفط، والبحث عن تعاون مع دول أخرى كروسيا ..

3ـ ارتفاع حجم المديونية الأمريكية (داخليا وخارجيا) الى ما يقارب 10 تريليون دولار .. وهذا من نتائج الخسائر اليومية في العراق .. التي قدرها البعض بحوالي 2 تريليون إضافة لأكثر من 7 تريليون كانت في نهاية عهد ريغان ..

4ـ تأثر صغار أعوان أمريكا الذين كانوا يخيفون العالم بهم كالكيان الصهيوني، فلما تعرضت أمريكا لتلك (البهدلة) على يد المقاومة العراقية، فإن الكيان الصهيوني قد كان عرضة للبهدلة على يد المقاومة اللبنانية ..

5ـ قد تفقد الولايات المتحدة سيادتها ليس على العالم فحسب بل على منطقة الشرق الأوسط بشكل نهائي .. وهذا يعتمد على سيناريوهات الفصول الأخيرة من الهزيمة المتوقعة والتي سنناقشها في المرة القادمة ..






هوامش
ــ
*1ـ أول من أطلق مصطلح الاحتواء هو (جورج ف كنان ) والذي كان يكتب باسم مستعار في أواسط القرن الماضي هو (X) ..
*2ـ صحيفة الجارديان 2/4/2003
*3ـ نسبة الى الفيلسوف البريطاني (توماس هوبس 1588ـ1679) الذي كان يرى أن السلام لا يُنال إلا بعقد اجتماعي نوافق فيه جميعا على أن نتخلى عن جميع حقوقنا، من أجل مهاجمة الآخرين وسلبهم كل حق في أن يهاجمونا. إنها بتعبيره الشهير (حرب الكل على الكل) ..
*4ـ نشر كتابه في 3/3/2002
*5ـ ملاحظة أوردها نصيف عاروري أستاذ قسم العلوم السياسية في جامعة ماساشوستس ـ دارتموث /الولايات المتحدة/ في مقالة بعنوان (حروب بوش الوقائية بين مركزية الخوف وعولمة إرهاب الدولة) نشرت في مجلة المستقبل العربي العدد 297 لشهر11/2003/ صفحة 19
*6ـ جريدة (وول ستريت جورنال )27/1/2003
*7ـ مقالة للصحافي (ميشيل جوردون) نشرها في صحيفة (نيويورك تايمز) في 18/3/2003
*8ـ نشرت الحلقة في (الفايننشال تايمز) في 22/3/2003
*9ـ ترجم الكتاب وقدم له عبد الرءوف الريدى ونشر تلخيصه في مجلة وجهات نظر المصرية /عدد65/شهر 6/2004
__________________
ابن حوران