الموضوع: ساعة عمل
عرض مشاركة مفردة
  #43  
قديم 24-01-2007, 06:47 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

موظف الضمان الاجتماعي

الإنسان كائن معقد مهما تشابهت الألوان ومصادر المعرفة وعوامل الوراثة فإن أي إنسان لا يتطابق كامل التطابق مع أي إنسان آخر.

في بعض الأحيان يُنظر للإنسان كأنه نسخة مكررة من مجموع هائل، فحتى يمكن تمييزها عن الآخرين سيعطى للنسخة رقم وتسلسل يميزها عن غيرها، فيصبح بني آدم كأنه (موتور أو شاصي) لسيارة يحمل رقما يثبت على بطاقته الشخصية و يتم تلطيف هذا الرقم بإضافة كلمة أخرى له ليصبح (الرقم الوطني) وكأن هناك (رقم عميل أو خائن) ..

كثيرة هي المجالات التي يتم التعامل بها مع الإنسان كرقم، فأيام الانتخابات توضع الأسماء وبجانبها أرقام (تكون أهم من الأسماء) في جانبها، فيتساوى الأهبل والمخترع و القائد والأصم في (الحقوق)، ففي وقت الفرز، الأهبل له صوت يضاف لحصيلة مرشح والعالم له صوت مثله.

في الضمان الاجتماعي، وهو اختراع لا أتوقع له مستقبلا زاهرا، وإن كانت صناديق الضمان الاجتماعي في بداية حياتها تتباهى في ضخامة حجم موجوداتها المالية، والسبب في ذلك أنها تأخذ حصص المشتركين ولا تدفع لأحد، ولكن بعد مرور الوقت ستجد تلك الصناديق أن ما تدفعه يفوق كثيرا ما تأخذه. ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا كان قبل 15 عاما يدفع 16 مشترك ليأخذ من الصندوق مشترك واحد، واليوم يدفع 16 ليأخذ ثلاثة وبعد 18 سنة سيدفع واحد ليأخذ مقابله واحد .. وستصبح الصناديق تطلب المعونات من الخزينة..

عندما دخل دائرة الضمان الاجتماعي، لم تكن هي الدائرة التي زارها لأول مرة عام 1990، فقليل من الموظفين قد بقي على رأس عمله، ولكن (الأضابير) زادت، حتى أصبحت كأنها بلاط رصف على جانب طريق في يوم ماطر، تستطيع رؤية كثرتها دون القدرة على قراءة ما كتب على حافة الإضبارة. بحث عن أحد ما، حتى يسأله ويكون على معرفة به سابقا، فلم يكمل جولته في الوجوه المنكبة على أرقام.. فبادرته موظفة شابة (تفضل عمي) .. فأخبرها باسم الشركة التي يراجع من أجلها، ولكنها لم تستفد من ذلك، إذ طلبت الرقم الخاص بالشركة.

اكتشف أن هناك وجها، تدل ملامحه بأنه سبق وأن تعرف عليه، فحالت المدة بين آخر مرة رآه بها، حيث كان يبعث موظفا بدلا منه .. وبين اللحظة التي رآه بها للتو، فبادره الموظف (أهلا باش مهندس) .. فتوجه نحوه تاركا الفتاة تنتظر رقم شركته .. طلب الموظف منه الجلوس بجانبه على أريكة تتفوق على كثير من المقاعد المجاورة للمناضد (حيث يجلس المراجعون) .. فأخرج له من حقيبته بعض هدايا رأس السنة .. فقبلها الموظف شريطة أن يقبل منه كوبا من الشراب الساخن.. ناوله بعض المعلومات التي طلبته الدائرة من أجلها، فالتهى الموظف بمراجعة ملف الشركة ..

كانت القاعة واسعة تنتصب على أطرافها رفوف بشكل جدران محشوة بالأضابير، وكان هناك ما يزيد عن عشرين منضدة، تعتلي قسما منها أجهزة حاسوب، ويربض وراءها موظفات أو موظفون، يعرفون حدود صلاحياتهم بالأرقام، ويحددونها ليس جغرافيا بل رقميا، بعكس سيطرة أسود الغابة التي تحدد ببولها منطقة السيادة (جغرافيا) ..

كانت بعض الموظفات تخرج سخانا عملت به بعض الشراب الساخن لترتشف منه بواسطة كوب (بلاستيكي) لم يغسل جيدا، طالما أن استعماله قد حصر بمالكته. وكان يجلس في مكان قريب شخص يلبس (سترة ) لا يستطيع الإنكار أنه ابتاعها من (البالة) .. وهو يسأل: كم 18ألف ؟ فتجيبه الموظفة التي سكبت لنفسها كوبا من السائل الساخن، دون أن تعرض عليه بعضه: نعم 18ألف .. إنكم لم تلتزموا بالتسوية ولم تدفعوا أقساطكم بانتظام.. كانت دائرة الضمان ماكرة في تلك المسألة.. إذ أنها لم تصر على مطالبة باستحقاقات الدفع لتضيف على المكلفين 2% من قيمة الذمم المترتبة عليهم شهريا كفوائد .. أي بفائدة سنوية تصل 24% .. وكيف لا وهي تعرف أن معظم استثماراتها ـ عدا العقارية منها ـ فاشلة، ولا تصل نسبة استثمار الصبر على المكلفين (بمكر).. وهي دائرة حكومية، فلا خوف على ديونها من المكلفين، فهي تحجز على أموالهم بالبنوك وعلى عقاراتهم وتعطل معاملاتهم دون أن يسووا وضعهم!

أقبلت امرأة بالأربعينات من عمرها بجلباب بني فاتح وحجاب ثبتته بطريقة قوية جعلت وجهها الأبيض المليء باللحم أن يبدو وكأنه وضع له إطار إضافي من اللحم أيضا، كانت عيناها الواسعتان تنبئ من يراها بأنها في حيرة من أمرها، هل وضعت ملحا على ( طنجرة المحشي) التي أعدتها في المساء لتضعها على النار بعد انتهاء دوامها أم لا!

رمقت الموظف المشغول في مراجعة الملف، وهمهمت: الهدايا لناس وناس، تكرمي قال لها ستصلك حصتك ..

رفع الموظف رأسه وبادرها بعرض الهدية عليها، فهم المراجع بأن رتبتها الوظيفية أعلى من رتبة من ركن إليه .. تداخل اعتذارها مع طمأنة المراجع بأن حصتها ستصلها.. طلب الموظف من المراجع أن يخرج ختم الشركة ويوقع في أماكن أشار إليها الموظف .. فعل المراجع ذلك وغادر ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس