عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 09-08-2001, 02:05 AM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

" القول بان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عيَّن شخصا معينا يكون خليفة بعده يناقض نصوص الشريعة . والقول بان الرسول عليه السلام عيَّن الاشخاص الذين يكونون خلفاء بعده الى يوم القيامة ، اكثر مناقضة لنصوص الاسلام .
اما بطلان كون الرسول عين شخصا للخلافة بعده فانه ظاهر من عدة وجوه :

اولا- انه يتناقض مع البيعة، لان تعيين الشخص، يعني تعريف المسلمين من يكون الخليفة عليهم، وبذلك يكون الخليفة معلوما، فلم تبق الحاجة لتشريع البيعة. لان البيعة هي الطريقة لنصب الخليفة، فاذا عيّن سلفا لم تبق حاجة لبيان طريقة نصبه، لانه نصب بالفعل. ولا يقال ان البيعة هي اعطاء الطاعة لهذا الخليفة، لان الشرع نص على طاعة الخليفة وأولي الامر بنصوص أخرى كثيرة وهي غير نص البيعة. فالطاعة طلبت من المسلمين طابا صريحا . اما البيعة فقد طلبت من المسلمين طلبا آخر لا على اعتبارها طاعة، وان كانت النصوص تتضمن معنى الطاعة، ولكنها طلبت على اعتبار انها عقد للخلافة، ومعناها في جميع الاحاديث التي وردت فيها، هو اعطاء الرئاسة لمن يُبايع، والاستعداد للانقياد لهذه الرئاسة، وليس معناها الطاعة . فاشتراط البيعة لنصب الخليفة يناقض تعيين الرسول لشخص معين ان يكون خليفة من بعده.
على ان الفاظ البيعة التي جاءت في الاحاديث الصحيحة جاءت عامة ولم تخصص باشخاص، ومطلقة ولم تقيد بأي قيد، ولو كانت تعني بيعة شخص معيّن لما كانت عامة ومطلقة. فالاحاديث لفظها ( من مات وليس في عنقه بيعة ) ( من بايع اماما ) ( ورجل بايع اماما ) فالقول بأن الرسول نص على شخصمعين يكون خليفة بعده ينقضه ويبطله عموم البيعة واطلاقها.
ولا يقال ان هذا يعني ان البيعة هي عين نصب الخليفة مع ان نصب الخليفة غير البيعة، فلا بد ان ينصب الخليفة اولا ثم يبايع. لا يقال ذلك لان كون البيعة طريقة لنصب الخليفة لا يعني انها عين نصبه. ولا يقال انه لا بد ان ينصب الخليفة اولاً ويعرف نصبَه ثم يبايع ، لا يقال ذلك لان هذا يعني ان هناك طريقة اخرى لنصب الخليفة، وان البيعة هي مجرد اعطاء الطاعة، مع ان احاديث البيعة كلها تدل على انها طريقة النصب للخليفة وليست هناك طريقة غيرها. انظر قوله عليه السلام ( من مات وليس في عنقه بيعة ) فانها صريحة في انها تعني من مات ولم ينصب له امام ببيعة، ولا تعني مطلقا من مات ولم يطع اماما. وهذا يدل على ان البيعة في هذا الحديث تعني طريقة نصب الخليفة ولا تعني الطاعة وحدها. وانظر قوله عليه السلام ( اذا بويع لخليفتين فاقتلوا الاخر منهما ) فانه صريح بانه اذا نُصب خليفتان فاقتلوا الاخر منهما. وهكذا جميع احاديث البيعة صريحة في انها طريقة نصب الخليفة . واحاديث البيعة تدل على انها لا تعني الطاعة فقط ولا الطاعة مطلقا وانما تعني الانقياد لمن ينصب خليفة، مع معناها الذي هو طريقة نصب الخليفة. وفوق ذلك فانه لم يصح عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اي حديث رواية ودراية يبين طريقة لنصب الخليفة غير البيعة مطلقا.

ثانيا- وردت احاديث من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تدل على انه سيكون نزاع بين الناس على الخلافة وتسابق عليها، فلو كان هنالك نص من الرسول على شخص لما كان هناك نزاع مع وجود النص، او لنص الرسول ان اناسا سينازعون هذا الشخص. ولكن النصوص جاءت بان النزاع يكون بين الناس مع بعضهم، وبين طريقة فض هذا النزاع والحسم في موضوع الخلافة. فقد روى مسلم في صحيحه قال : حدثني وهب بن يقية الواسطي حدثنا خالد بن عبد الله الجريري عن ابي نضرة عن ابي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ) وروى مسلم في صحيحه قال حدثنا زهير بن حرب واسحق بن ابراهيم قال اسحق اخبرنا وقال زهير حدثنا جرير عن الاعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال دخلت المسجد فاذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه فأتيتهم فجلست اليه فقال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزلا ... اذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة فاجتمعنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : انه لم يكن نبي قبلي الا كان حقا عليه ان يدل امته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم الى ان قال : ومن بايع اماما فاعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ان استطاع فان جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر ) . وروى مسلم في صحيحه قال : حدثنا محمد بن بشاء حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن فرات القزاز عن ابي حازم قال قاعدت ابا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( كانت بنو اسرائيل تسوسهم الانبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وانه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر قالوا فما تأمرنا قال فوا ببيعة الاول فالاول ) وروى مسلم في صحيحه قال : حدثني عثمان بن ابي شيبة حدثنا يونس بن ابي يعفور عن ابيه عن عرفجة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من اتاكم وامركم جميع على رجل واحد يريد ان يشق عصاكم او جماعتكم فاقتلوه ) وهذا معناه ان الخلافة حق لجميع المسلمين ، ولكل واحد ان ينازع عليها. وهذا يناقض كون الرسول يعين شخصا معينا يكون خليفة بعده .

ثالثا- ان الاحاديث التي وردت فيها كلمة امام بمعنى خليفة، وردت هذه الكلمة نكرة ، وحين وردت معرفة ، جاءت اما معرفة بأل التي للجنس واما معرفة بالاضافة بلفظ الجمع. ففي الامكنة التي جاءت فيها معرفة بأل، جاءت فيها أل الجنس بدليل سياق الجملة . فالرسول يقول ( من بايع اماما ) ( قام الى امام جائر ) ( يكون بعدي أئمة ) ويقول ( فالامام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته ) انما الامام جنة يقاتل من ورائه ويُتقى به ) ويقول ( لأئمة المسلمين ) ( خيار ائمتكم ) ( شرار ائمتكم ) وهذا كله يدل على ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أبهم من يكون خليفة ولم يعيّنه، وهو صريح في دلالته على ان الرسول لم يعين شخصا معينا للخلافة، بل جعلها حقا لجميع المسلمين. واذا أضيف اليها ان بعض النصوص وردت بصيغة الجمع ، كان ذلك نصا في نفي امامة شخص معين.

رابعا- ان الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا على الاشخاص الذين كانوا في ايامهم من يكون خليفة منهم. وهذا الاختلاف على الاشخاص دليل على ان الرسول لم يعين شخصا معينا للخلافة . ومن الاشخاص الذين اختلفوا ، الاشخاص الذين يقال ان الرسول نص على خلافتهم، وهما : ابو بكر وعلي . ومع اختلافهم لم يحتج أي واحد منهم بان هناك نصا من الرسول على ان الخلافة له ، ولم يحتج احد من الصحابة عموما بوجود نص على اشخاص، فلو كان هنالك نص لاحتجوا به، فعدم احتجاجهم بأي نص معناه انه لا يوجد نص على شخص معيَّن للخلافة. ولا يقال انه يوجد نص ولكن لم يبلغهم وعرف من بعدهم، لان ديننا اخذناه عن الصحابة فهم الذين نقلوا الينا القرآن، وهم الذين رووا لنا الحديث. فاذا لم يرد النص – اي نص- عن الصحابة فانه لا يعتبر ولا بوجه من الوجوه . فما جاء عنهم اخذناه وما لم يأت عنهم ضربنا به عرض الحائط. وفي مسألة النص على خليفة بعد الرسول ، نجد الصحابة جميعهم دون استثناء بما فيهم ابو بكر وعلي متفقين على عدم وجود اي نص على شخص معيَّن للخلافة، لعدم ذكرهم لذلك ، مع وجود دواعي القول ولزوم ذكر النص لو كان. فدل ذلك على بطلان كون الرسول عيَّن شخصا للخلافة . ولا يقال ان عدم ذكر النص كان حرصا على جمع كلمة المسلمين فان هذا يعني كتمان حكم من احكام الله وعدم تبليغه في الوقت الذي كانت الحاجة ماسة اليه. لا سيما وهو في امر من اعظم امور المسلمين . وهذا الكتمان لدين الله مما لا يجوز ان يصدر من صحابة رسول الله .

خامسا- وردت نصوص صريحة على ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلف احدا ، بمعنى انه لم ينص على ان يكون شخص معين خليفة بعده. فقد روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : قيل لعمر الا تستخلف ؟ قال ( ان استخلف فقد استخلف من هو خير مني ابو بكر، وان اترك فقد ترك من هو خير مني، رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . وروى مسلم عن ابن عمر ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ( ان الله عز وجل يحفظ دينه واني لئن لا استخلف فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف، وان استخلف فان ابا بكر قد استخلف ) . فهذا نص على ان الرسول لم يستخلف. ولا يقال ان هذا رأي لعمر ، فان الصحابي اذا قال : فعل رسول الله كذا، ولم يفعل كذا ، او كنا في عهده كذا، او كان في عهده كذا ، يكون هذا حديثا يحتج به ولا يكون قول صحابي. على ان عمر قال ذلك على مرأى ومسمع من الصحابة، وعلي رضي الله عنه كان، وبلغه هذا القول فلم ينكر على عمر منكر، مما يدل على موافقتهم على ما رواه عمر.

هذا من حيث امتناع ورود نص معين على تعيين شخص معين للخلافة، اما من حيث النصوص التي اوردها من يقولون ان هناك نصا على شخص معين، فان هذه النصوص ، منها ما اوردوه للدلالة على استخلاف الرسول لابي بكر لان يكون خليفة بعده، ومنها ما اوردوه للدلالة على استخلاف علي لان يكون خليفة بعده. ولا بد من ايرادها وبيان ما فيها .
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله