عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 10-08-2001, 12:37 AM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

اما النص الاول ، وهو نص جعلِ علي من الرسول بمنزلة هرون من موسى فانه يتبين معناه من دراسة المقام الذي قيل فيه ومن دراسة لفظه.

اما المقام فان الرسول قال هذا الحديث يوم غزوة تبوك. وذلك ان الرسول صلى الله عليه وآله سلم خلف على المدينة مكانه محمد بن مسلمة ليتولى رعاية شؤون المسلمين وادارة شؤون الحكم، وخلف سيدنا عليا رضي الله عنه على اهله وامره بالاقامة فيهم، فأرجف به المنافقون وقالوا ما خلفه الا استثقالا له وتخففا منه، فلما قال ذلك المنافقون ، اخذ علي بن ابي طالب رضوان الله عليه سلاحه ثم خرج حتى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف، فقال : يا نبي الله ، زعم المنافقون انك انما خلفتني انك استثقلتني وتخففت مني، فقال : كذبوا، ولكني خلفتك لما تركت ورائين فارجع فاخلفني في أهلي واهلك أفلا ترضى يا علي ان تكون مني بمنزلة هرون من موسى، الا انه لا نبي بعدي. ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سفره. فالحديث الوارد في جعل علي من الرسول بمنزلة هرون من موسى وارد باستخلافه في اهله بدليل قول علي نفسه " اتخلفني في الصبيان والنساء " ؟ . فواقع الحادثة انه خلف في اهله، فلا يؤخذ منه انه خلفه في الخلافة، لا سيما اذا عرف انه عليه السلام خلف محمدا بن مسلمة على الحكم مكانه، وخص عليا بالاستخلاف على اهله وقال له " اهلي واهلك " .
على ان استخلاف الرسول لاحد اصحابه على الحكم حين خروجه للغزو لا يدل على ان هذا الشخص الذي خلفه هو خليفة مكانه، بدليل ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم استخلف كثيرين في الغزوات. ففي غزوة العشيرة استعمل على المدينة ابا سلمة بن عبد الاسد. وفي غزوة سفوان استعمل على المدينة زيد بن حارثة. وفي غزوة بني لحيان استعمل على المدينة ابن ام مكتوم ، وهكذا . فاستخلاف الرسول لشخص على الحكم في المدينة مكانه لبينما يرجع من غزوة ، لا يدل على ان ذلك يعني استخلافه في الخلافة فكيف اذا استخلفه على اهله فقط ، واستخلف غيره في الحكم لبينما يرجع من الغزوة ؟

هذا من حيث الاستخلاف ، اما من حيث قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم " الا ترضى ان تكون مني بمنزلة هرون من موسى " فان معنى ألفاظه : ألا ترضى ان يكون مثلك فيما تخلفني فيه ما يخلف هرون موسى ؟ فهو تشبيه لعلي بهرون، ووجه الشبه هو الاستخلاف ، اي مثلك في استخلافي لك مثل هرون في استخلاف موسى له. هذا هو معنى ألفاظ الحديث. ولا يوجد معنى غير هذا لألفاظ الحديث. ويعين هذا المعنى ويجعله وحده هو المراد قول علي للرسول " أتخلفني في الصبيان والنساء " ومجيء قول الرسول " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى " جوابا على سؤال علي هذا وردا على قوله . ولمعرفة ما يراد من هذا الحديث يرجع الى القرآن الكريم ليرى فيه موضوع استخلاف موسى لهرون ما هو ؟ وبالرجوع إلى القرآن الكريم نجد القصة يذكرها القرآن بالنص التالي وهو " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة ، وقال موسى لاخيه هرون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين " فيكون معنى الحديث : الا ترضى ان تخلفني في اهلي كما خلف هرون موسى في قومه، فتكون مني بمنزلة هرون من موسى بالاستخلاف ؟ ويكون المراد من الحديث تطييب خاطر علي لانه جاء غير راض بهذا الاستخلاف، وهو في نفس الوقت افهام لعلي انه هو الذي يقوم مقامه في اهله اذا غاب، كما قام هرون مقام موسى في قومه اذا غاب. واما قوله " الا انه لا نبي بعدي " نفي للنبوة عن الشبه، لان هرون كان نبيا، وهو نبي خلف نبيا اثناء غيابه. فاستثنى الرسول النبوة في ذلك رفعا لما قد يتوهم انه بمنزلته في النبوة . ولا يقال ان قوله " لا نبي بعدي " أي بعد وفاتي، لان الكلام في الاستخلاف حال الحياة، ذلك ان هرون كان نبيا مع موسى اثناء غيابه وليس بعد وفاته، وكان خليفته على قومه اثناء غيابه حال حياته وليس بعد وفاته . فقول الرسول " غير انه لا نبي بعدي " انما قاله لان هرون كان نبيا اثناء غياب موسى حال حياته. فلأجل ان ينفي النبوة عن علي قال هذا القول، فلا يأتي هنا موضوع الاستخلاف بعد الوفاة لانه غير موجود في هرون وموسى الذي هو الشبه به ، فلا يوجد في النبي وعلي الذي هو المشبه .

هذا هو معنى الحديث. ولا توجد فيه أية اشارة للاستخلاف في الخلافة، ولا يفهم منه مطلقا ان الرسول اراد بالحديث ان ينص على جعل علي خليفة على المسلمين بعد وفاة الرسول. فالحديث وارد في استخلاف علي على اهل الرسول مدة غيابه في غزوة تبوك . واما باقي الروايات التي وردت في هذا الحديث وهو قوله عليه السلام " الا ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى " فمنها روايات صحيحة كرواية البخاري وكرواية مسلم في حديثيه عن عامر وابراهيم ولدي سعد، ومنها روايات غير صحيحة، ولكنها كلها تورد نفس النص. وهذا يعني أن الحديث قيل في تبوك وفي غير تبوك. والجواب على ذلك أن الروايات الصحيحة هي رواية جزء من القصة ، أي رواية قول الرسول وحده منفصلا عن القصة، وهذا لا يعني أنها حادثة غير حادثة تبوك، فان الرواة والمحدثين كثيرا ما يروون جزءا من حديث او جزءا من قصة ، فيقتصرون على رواية محل الشاهد. على انه لو فرضنا بأن الحديث لم يكن في وقعة تبوك وحدها بل قيل في تبوك وفي غير تبوك ، فانه يعني ان الرسول استخلف سيدنا علي رضي الله عنه على اهله دائما في تبوك وفي غيرها. ولا يدل على استخلافه كرم الله وجهه في الخلافة بعد وفاة الرسول، وكل ما يدل الحديث في شرح الفاظه وشرح معناه هو : الا ترضى ان أجعلك تخلفني على أهلي اثناء غيابي، وكلما غبت، كما خلف هرون موسى اثناء غيابه، الا ان هرون نبي وانت لست نبيا، لانه لا نبي بعد نبوتي. ولذلك جاء في رواية مسلم عن عامر بن سعد عن ابيه " اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبوة بعدي " أي بعد نبوتي . هذا هو التشبيه الذي شبه به الرسول عليا بالنسبة اليه بهرون بالنسبة لموسى، اي الاستخلاف ليس غير، والاستخلاف اثناء غيبة الرسول لا غير ، والاستخلاف على اهله كما هو نص الحديث لا يخرجه عن معناه ويجعل له معنى آخر غيره. فان كون الاستخلاف في تبوك انما كان في اهل الرسول ليس غير، ثابت لا شبهة فيه . والروايات التي تروي الحديث في غير تبوك انما تنقل كلها نفس النص الذي قيل في تبوك في الفاظه ومعناه ، ولا تذكر قيدا للاستخلاف غير القيد الذي ذكر في حادثة تبوك وهو الاهل، بل لا تذكر قيدا مطلقا. ولذلك تحمل على ما وردت فيه رواية تبوك وذلك لأن رواية تبوك مقيدة بالاهل وباقي الروايات مطلقة من اي قيد في الاستخلاف فيحمل المطلق على المقيد . ولا يقال ان الروايات الاخرى عامة ، فان الفاظ الحديث ليس من الفاظ العموم لان نص الروايات كلها سواء رواية : الا ترضى ، او رواية انك ، او رواية انت ، وما شابه ذلك " هو بمثابة هرون من موسى " فهذا الكلام خاص بمنزلة معينة هي منزلة هرون من موسى وليست منزلة عامة. الا ان منزلة هرون من موسى جاءت في بعض الروايات مطلقة ولم تقيد بقيد وقيدت بقيد الاهل في رواية من الروايات فيحمل المطلق على المقيد ، وتقيد جميع الروايات بالاهل .

واما باقي الامور التي طلبها موسى من الله في قوله ( واجعل لي وزيرا من اهلي ، هرون اخي اشدد به أزري، وأشركه في امري) فانه لا محل لها في منزلة هرون من موسى ولا في الاستخلاف ، اذ هي دعاء من موسى الى الله ان يجعل اخاه معينا له، وان يعطيه النبوة معه، لان امر موسى الذي طلب من الله ان يشرك هرون فيه هو النبوة والرسالة، واشراكه انما يكون في هذا الامر لا في الحكم، اذ لم يكن موسى حاكما وانما كان نبيا. على ان الطلب هو طلب معاونة له وطلب اشراك له في امره ، لا طلب استخلاف له. وفوق ذلك فان هذه الامور ليست مبينة لمنزلة موسى من هرون بل المبين لمنزلة موسى من هرون هو استخلافه على قومه اثناء غيابه. فمنزلته منه انه يخلفه في قومه اثناء غيابه. وعليه فلا وجود للمعاونة والمشاركة في النبوة في قول الرسول ( بمنزلة هرون من موسى ) بل المعنى محصور فيها بالاستخلاف في القوم ولا تحتمل النصوص معنى آخر غير هذا .
وقد يقال ان موسى كان حاكما لانه انزلت عليه شريعة ليحكم بها اذ فيها معالجات وعقوبات، وانه كان قائدا لجيش يريد ان يحتل بيت المقدس وقال له قومه اذهب انت وربك فقاتلا، فيكون استخلافه لهرون في قومه هو استخلاف في النبوة واستخلاف في الحكم أيضا.
والجواب على ذلك ان موسى لم يكن حاكما ، ولم يرو عنه لا في القرآن ولا في غيره انه قام بتنفيذ الاحكام على بني اسرائيل بالقوة والسلطان او انه كان حاكما عليهم. والذين حكموا بني اسرائيل بشريعة موسى ليس موسى نفسه ولا في حياته، وانما هم من جاء بعده من الانبياء مثل داود وسليمان وغيرهما من الملوك. واما قيادة موسى للجيوش فلم تحصل قط ، والآيات التي في سورة المائدة من آية 19 الى آية 26 ليس فيها أي شيء يدل على قيادة موسى للجيش وانما فيها ان موسى طلب من قومه دخول الارض المقدسة فرفضوا وقالوا له ان فيها قوما جبارين وانهم لن يدخلوها حتى يخرجوا هؤلاء الجبارين منها وطلبوا ان يذهب هو وربه فيقاتلا، وهو لم يذهب. وكان من جراء ذلك ان تاهوا في الارض اربعين سنة.
واما نزول شريعة على موسى فيها معالجات وعقوبات فان ذلك لا يعني انه حكم بها، بل الواقع انه جاء بها وبلغها لبني اسرائيل وحاول اخذهم الى بيت المقدس فكان ان تاهوا في سيناء ولم يحصل لهم استقرار في ايام موسى حتى انتهى عهده، وبعد ان انتهت عقوبتهم بالتيه انتقلوا بعد ذلك وحكمهم بشريعة موسى ملوك وانبياء منهم، وآيات القرآن تنطق بذلك في اكثر من سورة. على ان الآيات التي استخلف فيها هرون صريحة في انها استخلاف عن موسى في النبوة حين ذهب موسى ليتلقى عن الله ، وهي في سورة الاعراف من آية 141 { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة وقال موسى لاخيه هرون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين } الى آخر آية 155 { واختار موسى قومه سبعين رجلا } الآية . وكلها تتعلق بالنبوة والاستخلاف فيها وفي تلقي الالواح واتخاذ بني اسرائيل العجل ونحو ذلك وليس فيها ادنى صلة في الحكم والسلطان. ولا يحتمل ان يشتبه احد انها تتعلق بالحكم والسلطان.
وعليه فلا شبهة في ان موسى لم يكن حاكما ولم يستخلف هرون في الحكم مطلقا. هذا هو معنى احاديث المنزلة جميعها، سواء وردت لسبب كحادثة تبوك او وردت مطلقة، فانها تدل على ان الرسول جعل عليا على اهله يخلفه فيهم اثناء غيابه حال حياته . وبهذا العمل، اي الاستخلاف من الرسول لعلي يكون علي من الرسول بمنزلة هرون من موسى ، فلا توجد اي دلالة في هذه الاحاديث على ان الرسول نص على ان يكون علي خليفة على المسلمين في الحكم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله