بسم الله الرحمن الرحيم
من طبيعة المذاهب السياسية والاقتصادية أن يكون الواقع المجتمعي هو حقل اختبارها الحقيقي؛ فهي ليست مجرد تنظيرات تجريدية حتى يمكن الاكتفاء بمعايرتها بالأقيسة المنطقية والموازنات الذهنية المجردة، إنما لابد من تفعيل منهجية الملاحظة والاستقراء، للتزود بالمعطيات الملحوظة عن هذه النظم والمذاهب في مختبرها المجتمعي، لاستخلاص المراجعات النقدية الواجب إجراؤها عليها بناء على ذلك الاستقراء.
وعندما نطالع تاريخ النظم السياسية، ونقف خاصة عند اللحظات المفصلية التي ميزت لحظات تطورها، سنلاحظ أن لحظة النقد غالبا ما تظهر في تاريخية هذه النظم كلحظة لاحقة لإشكالات وأزمات انبجست أثناء التطبيق.
وهذه الملحوظة العامة التي تصلح أن تُتخذ منطلقا منهجيا لإبصار لحظة المراجعة النقدية التي تلحق النظم السياسية والاقتصادية، يجوز تشغيلها لمقاربة تيار الليبرالية في القرن العشرين؛ إذ بذلك نبصر السياق التاريخي لتطور هذا التيار، وانبثاق الأطروحة النيوليبرالية كمراجعة نقدية للواقع الاقتصادي الرأسمالي والإشكالات التي اعترضته خلال ذلك القرن.
فما هو إذن الشرط التاريخي الذي أدى إلى بروز هذه المراجعة وما دلالتها؟