عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 17-10-2006, 04:16 PM
صمت الكلام صمت الكلام غير متصل
كنتـُ هيّ ..!
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2006
الإقامة: QaTaR
المشاركات: 4,043
إفتراضي

ثم جاءت الأزمة "العالمية" سنة 1929 لتشكل ضربة هائلة اهتز لها الاقتصاد الرأسمالي إلى درجة الانهيار. وكانت هذه الأزمة مناسبة لانطلاق التفكير الليبرالي إلى محاولة فهم مكمن المشكلة وإيجاد المعالجات الكفيلة بإنقاذ الوضع.

وكان من الملحوظات التي أثارت انتباه منظري الاقتصاد السياسي الليبرالي هو أن هذه الأزمة الهائلة لم تمس الاقتصاديات التي تخضع لسيطرة الدولة (الاقتصاديات الاشتراكية)، بل عصفت فقط بالاقتصاديات الليبرالية الرأسمالية، والمرتبطة بها عضويا بعلاقات وثيقة.

وبناء على هذه الملحوظة المقارنة ستظهر النظرية الكينزية كمحاولة لتعديل النمط الاقتصادي الرأسمالي، حيث سيقترح الاقتصادي البريطاني اللورد جون كينز في كتابه الشهير "النظرية العامة" سنة 1936 حلا مرتكزا على وجوب تدخل الدولة.

وقد أسس حله هذا على تحليل شامل للاقتصاد السياسي الليبرالي وتطبيقاته، وذلك بناء على دراسة مشكلتين رئيستين هما البطالة والنقد؛ منتقدا النظرية الليبرالية الكلاسيكية في نظرتها إلى سوق الشغل، حيث لم تنتبه إلى مشكل البطالة، ولم تبلور معالجات كفيلة بالتقليل منها، إذ اعتقدت خطأ أن كل شخص يستطيع إذا رغب أن يجد العمل الذي يناسبه.

وضدا على هذه الرؤية الحالمة استقرأ كينز النظام الاقتصادي الليبرالي منتهيا إلى التوكيد على أن البطالة ظلت ملازمة له، الأمر الذي يدفع نحو وجوب اعتبارها مشكلا حقيقا بالتفكير والمعالجة.

أما النقد فإن كينز أخذ أيضا على النظرية الليبرالية الكلاسيكية قصور فهمها له؛ حيث قدمت رؤية جد سطحية لمسألة النقود، رؤية لا تجاوز كون النقد مجرد ظاهرة ثانوية لا أهمية لها في العملية الاقتصادية، فالناس لا يتبادلون نقودا بل بضائع ببضائع، وما النقد إلا واسطة. في حين يرى كينز أن ليس هناك شيء في الواقع الاقتصادي أهم من النقد.

وعلى مستوى الرؤية الاقتصادية عاب كينز على الليبرالية افتقارها إلى الرؤية الكلية للواقع الاقتصادي، فهي بسبب فردانيتها تنظر إلى المجتمع بوصفه مجموعة من الأفراد ينبغي أن تعطى لهم حرية مطلقة في الفعل، أما المجتمع فإنه سينتظم تلقائيا بناء على تلك العلاقات الناظمة بين أفراد أحرار في سلوكهم.

بينما أثبتت الأزمة، التي عصفت بالاقتصاد الرأسمالي، أنه لابد من تدخل الدولة لترشيد السلوك الاقتصادي، هذا فضلا عن أن النظرية الكينزية أكدت من الناحية المنهجية ضرورة قيام رؤية علمية تحدد الكم الكلي للمداخيل والاستهلاك والاستثمار وسعر الفائدة، ليتم ضبط وترشيد العملية الاقتصادية في مستوياتها العامة.
__________________