عرض مشاركة مفردة
  #26  
قديم 13-06-2002, 06:08 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
إفتراضي

أما في مشاركتك قبل الأخيرة فزعمت بأني اتحدث عن حلم وأنت تتحدثين عن واقع ، ولاثبات ذلك أجريت المقارنة بين الواقع الذي عليه العالم الاسلامي وبين واقع الغرب ، وأيضا رددتِ على تعقيبي المتعلق بموضوع العقل والتشريع ، والمتعلق بدلالة الانتخابات الفرنسية. وأعقب على هذه النقاط الثلاث كما يلي :
أولا- أما المقارنة بين واقعنا وواقع الغرب فأقول لك :
نعم نحن في حالة متخلفة ، ولكن بسبب عوامل التغشية التي طرأت على أذهاننا في فهم الاسلام والتي أدت إلى اقصاء الاسلام من واقع الحياة.
ونعم الغرب قد نهض، لكن نهضته غير صحيحة لأن أساسها فاسد باطل. فهي كالبناء الضخم على قواعد غير سليمة.

وإذا كانت العلوم والصناعات والمخترعات هي قصدك بايجابيات الغرب، وإذا كانت هي المقصود بالبدء من حيث انتهى الغرب فإن العلم عالمي أي يجوز للمسلمين أن يأخذوه من أي شعب ومن أية أمة، وبالفعل يجب أن نبدأ في هذا الموضوع من حيث انتهى هو، لأن الغرب نفسه بدأ من حيث انتهينا نحن ، وأما إن قصدت بايجابياته أنظمة حياته، وتشريعاته ، وطريقة عيشه، فلا يجوز أخذ أي شيء منها لأنه احتكام لغير الاسلام . والاسلام شريعة تامة كاملة لا ينقصها شيء ، فبالاسلام نبدأ ونظل عليه حتى يرث الله الأرض ومن عليها .

يربط البعض بين التقدم في العلوم والصناعات وبين الحضارة الغربية، فيتصور أننا لا يمكن أن نرتقي في العلوم والصناعات إلا إذا أخذنا بالديموقراطية والحريات ، وهذا خطأ محض، او مغالطة مقصودة، لأن شرط التطور المادي في الحياة هو أن تضع الأمة المبدأ الذي تؤمن به موضع التطبيق في الحياة، لأن اعتناق المبدأ ووضعه موضع التطبيق يوجد في مجموع الأمة الحافز الفكري الحاد الذي يدفعها للتقدم في الحياة، فالشعب الروسي حين اعتنق الشيوعية نافس الغرب في مجال العلوم والاختراعات ، على الرغم من تناقض المبدأ الشيوعي والمبدأ الرأسمالي. والعرب حين اعتنقوا الاسلام وانصهرت الشعوب في بوتقة الاسلام تقدم المسلمون على جميع شعوب الأرض في مجال العلوم والمخترعات . وهذا قابل لأن يتجدد في حال وضعنا الاسلام موضع التطبيق في معترك الحياة.

فالحل ليس الأخذ بما نهض على أساسه الغرب، بل بالعمل على تغيير واقع مجتمعنا على أساس الاسلام لأنه هو وحده المبدأ الصحيح ، فهل هذا هو هدف غير قابل للتحقيق ؟!

ثانيا- الحسن هو ما حسنه الشرع، والقبيح هو ما قبحه الشرع .

- الحاكم هو الله تعالى ، بمعنى أن لله تعالى وحده حق اصدار الحكم على الأفعال والأشياء، فالذي يحلل ويحرم هو الله تعالى لا عقل الانسان، فإذا أحل الله شيئا كان هذا الشيء حسنا، وإذا حرم شيئا فهو قبيح، فالحلال الذي يحله الله هو الحسن، والحرام الذي حرمه الله هو القبيح . ولا يوجد أمر ليس للشرع فيه حكم ، وهذا هو معنى تمام الشريعة. فليس للعقل ان يحسن او يقبح فعلا من أفعال الانسان . قال تعالى : { ولا تقولوا لم تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب. إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون }.

- الشرع الذي نتحدث عنه هو الشرع الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه هو الرب أي الخالق المالك لخلقه، وهو الاله أي المعبود، فهو المتصرف بخلقه، وهو الآمر الناهي . هو جل جلاله يحاسبنا، ولا يحق لنا محاسبته . هو البارىء العليم الحكيم الخبير فلا يحق لعقلنا القاصر أن يعترض، ولا يصح لعقلنا المحدود أن يفرض مقاييسه وتصوراته القاصرة على خالقه غير المحدود . قال تعالى : { لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون }. وقال تعالى : { ليس كمثله شيء } .

- في الشريعة الاسلامية ثلاثة أنواع من الأحكام : أولا أحكام معللة، وهي الأحكام التي بين سبحانه وتعالى عللها أو الباعث على تشريعها كقوله تعالى : { كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم } ، وثانيا أحكام بين الله سبحانه وتعالى الحكمة منها أو النتيجة التي تترتب على تشريعها كقوله تعالى في الحج : { ليشهدوا منافع لهم } ، وثالثا أحكام لم يبين الله تعالى العلة أو الحكمة منها. ودور العقل بالنسبة للنوع الأول والثاني هو أن يفهم علة الحكم أو الحكمة منه من النص الذي وردت فيه العلة أو الحكمة. أما بالنسبة للنوع الثالث وهو الأحكام التي لم يرد نص بالعلة أو الحكمة منها فلا يجوز لعقولنا أن تلتمس لها علة أو حكمة، لأن علة الحكم أو الحكمة منه في علمه تعالى ، وعلم الله لا يقع عليه حس الانسان، وعقل الانسان لا يستطيع التفكير في غير الواقع المحسوس ، فلا يمكن أن يدرك الحكمة أو العلة ما لم يأت بها نص من الله تعالى .

وأضرب هنا ثلاثة أمثلة تظهر عجز عقل الانسان عن فهم العلة أو الحكمة لأحكام شرعية لم يبين سبحانه وتعالى لنا العلة أو الحكمة منها :
1- أوجب الشرع غض البصر بالنسبة إلى الحرة الشوهاء شعرها وبشرتها مع أن الطبع يميل إليها، ولم يوجب غض البصر بالنسبة إلى الأمة الحسناء التي يميل الطبع إليها ؟
2- أوجب الشرع الزكاة في الذهب والفضة ولم يشرعها في الماس والياقوت وغيرهما من المعادن النفيسة ؟
2- أحل الله البيع وحرم الربا مع أن كلا منهما بيع وهما متماثلان ؟


ثالثا- أما تعقيبي على حديثك عن وعي الشعب الفرنسي، فلم أقصد به ما ذهبت إليه ، فما أردت قوله هو أن المقارنة بين المسلمين والغربيين من ناحية تفشي العنصرية هي في صالح المسلمين، أي ان العنصرية متأصلة في الغرب لا في البلاد الاسلامية، على الرغم مما ذكرتِ من سوء الحال الذي عليه المسلمين، والأمثلة على عنصرية الغرب أكثر من أن تحصى. ونجاح شيراك لا يدل على زوال العنصرية الفرنسية أو الغربية، بل أن الانتخابات الفرنسية ، وكذلك الانتخابات التي حصلت مؤخرا في أكثر من بلد أوروبي دلت على أن العنصرية الأوروبية آخذة في النمو والانتشار .
وأما القومية في بلاد المسلمين فهي من تصدير هذا الغرب الفاشي وليست هي نابعة من بلاد المسلمين، وجميع الحركات القومية التي نشأت في العالم الاسلامية هي من صنعه، الهدف منها بث روح الفرقة بين المسلمين وتجزئة بلادهم ، ومع ذلك فقد فقدت هذه الحركات زخمها وتأثيرها، وابتعدت عنها جماهير الأمة، ولم تعد قادرة على التأثير في الرأي العام أو توجيهه، والرأي العام في العالم الاسلامي آخذ بالتحول التصاعدي باتجاه الاسلام. حتى أن الأحزاب القومية التي لا زالت في سدة الحكم تتوسل لتحقيق أغراضها بالاسلام والمشاعر الاسلامية لا بالقومية وشعاراتها.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله