عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 09-07-2006, 04:26 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الزهرة في الإسلام :

عندما تعتنق الشعوب ديانة سماوية ، فإن أداء أبنائها لعباداتهم أحيانا ، لا يخلو من تأثر بما سبق ذلك الدين ، فهناك مسيحيون في أمريكا الجنوبية يقومون بعباداتهم بخلط واضح مع ما كانوا يعبدون قبل اعتناقهم للنصرانية ..

ومن يراقب معظم الأديان السماوية ، يجد تأثرا كبيرا بالطقوس التي سبقت الديانات المعروفة .. فسواد شكل ( الهرمسية ) التي تؤمن بوجود وكيل لله في الأرض ، قد تفشت عند كل الديانات التي كانت سائدة في الهضبة الإيرانية والتي امتدت فيما بعد الى مختلف أنحاء العالم .. حيث أنه بعد وفاة (إدريس ) عليه السلام والذي عاش أكثر من ثمانية قرون يعلم الناس كل فنون الحياة من نجارة وطب و خياطة إضافة الى التعاليم الدينية ، ويكاد أن يكون النبي الوحيد الذي لم يلق خصومات من البشر .. فعندما توفي حزن الناس حزنا كبيرا ، واعتقدوا أنه ارتفع الى السماء ، لأنه لم يكن من البشر ، بل هو (الله) .. وهناك من قال أنه هو (وكيل الله ) في الأرض .. وهكذا بدأت عبادة النجوم ظنا أنه إدريس أو (هرمس) في تسميات بقية سكان الأرض ..

وما البابا عند الطوائف المسيحية ، و الحبر الأعظم عند اليهود و المراجع عند بعض الطوائف الإسلامية (عدا السنة ) .. إلا امتداد لفكرة ( هرمس ) أو وكيل الله في الأرض ..

وعندما جاء الإسلام أبقى على بعض العادات التي كانت سائدة قبله ، كقطع يد السارق ، و نهى عن عادات سيئة كوأد البنات ، لكن فيما يخص النظم التي تتعلق بتقسيم السنة أو الأسبوع الى سبعة أيام ، فلم يعترض عليها ، و أبقى يوم الجمعة مقدسا عند المسلمين .. وكان الناس قبل الإسلام يسمون يوم الجمعة ب (يوم العروبة ) ..

كذلك استخدم مصطلح (الخنس الكنس) في قوله تعالى { فلا أقسم بالخنس ، الجواري الكنس } .. وكونه كان يخاطب أناسا لديهم من المعارف ما تجمعت عبر مجاورتهم لحضارات ، وتشربهم لها ، ففند بطلان الاعتقادات الخاطئة ، باستخدام ما يعرفون ونقضه ، أو التوسع بما كان حقيقي بمعرفتهم ، ليؤكد لهم عظمة الخالق و دقة تنظيمه .. فذكرهم بنظام (السبعة ) سبع سموات ، وسبع بقرات وسبع سنابل و سبعة أيام الخ ..

ولو عدنا لقصة الزهرة و أهميتها ، عند الشعوب القديمة ، وكيف بقي أثرها ممتدا عند أهل الديانات السماوية و منها الدين الإسلامي ، فقد ورد بالتفسير الحديث ( تفسير وجدي ) 1 مثلا ، لرأينا أن تفسير كلمة فتنة في الآية { و اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ، وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ، يعلمون الناس السحر ، و ما أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت ، وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ..} 2 .. فالفتنة بالتفاسير الحديثة هي : اختبار وابتلاء ، والفتنة الضلال و الإثم والكفر و الفضيحة .. وأفتن فلان فلانا ، أي أوقعه في الفتنة ..

أما في التفاسير القديمة للآية ( عند الطبري مثلا ) .. يورد قصة يمكن إيجازها بما يلي :

وهي بعد أن كثرت الخطيئة عند بني آدم ، شرعت الملائكة تطعن بأعمال البشر ، فأراد الله عز وجل ، أن يبتلي الملائكة أنفسهم ، فأمرهم أن يختاروا ملكين من أكثر الملائكة تقوى وورع وخوفا من الله ، فاختاروا هاروت وماروت ، وأهبطا الى الأرض بعد أن ركبت فيهما شهوات الإنس ، وأمرا أن يعبدا الله ولا يشركا به أحدا ، ونهيا عن قتل النفس و الزنا وشرب الخمر ، وغير ذلك من المعصيات ، وفي الأرض عرضت لهما امرأة هي الزهرة ، فغلبت عليهما الشهوة ، فأقبلا عليها وراوداها عن نفسها ، فأبت إلا أن يكونا على دينها ، وأخرجت لهما يعبدانه ويسجدان له ، فامتنعا وصبرا ردحا ثم أتياها وراوداها عن نفسها ، فأبت ثانية واشترطت عليهما إحدى ثلاث ، إما عبادة الصنم أو قتل النفس أو شرب الخمر ، فقالا كل ذلك لا ينبغي ، ثم احتدمت بهما الشهوة ، فآثرا أهون المطالب ، وهو شرب الخمر .

فسقتهما حتى أخذت الخمر منهما ، فمر بهما إنسان ، فقتلاه حتى لا يكشف أمرهما و يفضحا ، ويشاآن الصعود الى السماء بعد أن عرفا وقوعهما بالخطيئة فلم يستطيعا ، ويكشف الغطاء بينهما وبين الملائكة في السماء ، فتنظر الملائكة الى ما وقع به هاروت وماروت من الذنب فيعجبون كل العجب ، ويأخذون في الاستغفار لمن في الأرض من البشر .

ويروى أنها طلبت منهما تعليمها الكلام الذي يصعدان به الى السماء فعلماها ، وعرجت بواسطة الكلام السري الى السماء ، ونسيت أن تسألهما عن الكلام الذي يجعلها تهبط ، فبقيت معلقة في السماء 3

أما هاروت وماروت فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا لأنه ينقطع ، فجعلا ببابل يعذبان منكوسين في بئر الى يوم القيامة 4

ويروى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أنه كلما رأى الزهرة يلعنها ويقول : هذه التي فتنت هاروت وماروت 5 وعندما سأله أحدهم عن سبب ذلك ، قال : لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم كلما رآها كان يقول : طلعت الحمراء فلا مرحبا ولا أهلا 6 .

ويزعم ( ديسو) أن قوما مسلمين ظلوا على عبادة الزهرة سرا ، حتى بعد هدم معبدها ـ الممثل في معبد اللات ـ وإقامة مسجدا مكانه ، وقد ذكر ابن الكلبي مثل ذلك 7

كما يزعم ( د أنيس فريحة ) أن عشيقها تموز ، بقي حيا ، وهو نفسه (الخضر) حيث اللون الأخضر رمز الخصوبة ، وله مقامات في أكثر من بلد عربي ، ولم ينزل في القرآن اسم الخضر ، لكن اختلاط المعارف هو ما قد يكون وراء هذا الاعتقاد 8

هذه هي الزهرة منذ فجر تاريخها حتى الإسلام ، ولا أعتقد أنني غطيت موضوعها بشكل كافي ، لكنها مساهمة قد تقرب تفسير ما يخلط بين مفاهيم أسطورية و دينية ..

ــــ
المراجع :
1 ـ د أنيس فريحة ، دراسات في التاريخ ، دار النهار ، بيروت 1980
2 ـ القرآن الكريم سورة البقرة آية 102
3 ـ تفسير الطبري ج1 ص 343ـ 346
4 ـ الطبري نفس المصدر
5 ـ الطبري نفس المصدر
6 ـ الطبري نفس المصدر
7 ـ العرب في سوريا قبل الإسلام /رينيه ديسو / ترجمة عبد الحميد الدواخلي القاهرة 1959 ص 136
8 ـ فريحة / المصدر السابق
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس