الموضوع: أصول الفقه
عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 18-07-2005, 11:15 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي أصول الفقه

[

أصول الفقه



يعتبر الشافعي انه هو الذي حد أصول الاستنباط وضبطها بقواعد عامة كلية ، فكان بذلك واضع علم اصول الفقه ، وان كان كثيرون ممن أتوا بعدده أكثر معرفة باصول الفقه وتفريعاته . وقد كان الفقهاء قبل الشافعي يجتهدون من غير ان يكون بين ايديهم حدود مرسومة للاستنباط ، بل كانوا يعتمدون على فهمهم لمعاني الشريعة ، ومرامي أحكامها وغاياتها وماتومىء اليه نصوصها وماتشير اليه مقاصدها . اذ ان تمرس هؤلاء الفقهاء بدراسة الشريعة وتضلعهم في اللغة العربية جعلهم يتعرفون معانيها ، ويدركون اغراضها ومقاصدها . فكانوا يوفقون في استنباط الاحكام من النصوص ومفاهيمها ومقاصدها ، من غير ان تكون بين ايديهم حدود مدونة مرسومة . نعم ان الفقهاء قبل الشافعي من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كانوا يتكلمون في مسائل اصول الفقه ويستدلون ويعترضون ، كما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه انه تحدث بالمطلق والمقيد والخاص والعام والناسخ والمنسوخ . الا ان ذلك لم يكن بشكل حدود مرسومة ، ولاكان لهؤلاء الفقهاء الذين تكلموا في بعض مسائل اصول الفقه قواعد عامة كلية يرجع اليها في معرفة دلائل الشريعة في كيفية معارضتها وترجيحاتها . حتى اذا جاء الشافعي استنبط علم اصول الفقه ، ووضع للناس قانونا كليا يرجع اليه في معرفة مراتب ادلة الشرع . وقد اشتهر بين الناس ان الشافعي وضع علم الاصول في كتابه المسمى بالرسالة وهي مشهورة . ولكن الحقيقة ان الرسالة تحوي بعضا من علم الاصول الذي وضعه الشافعي . فان الذي يراجع كتب الشافعي يجد ان الرسالة اشتملت على مباحث من علم اصول الفقه ، ولم تشتمل على جميع مباحث الشافعي في الاصول . فللشافعي كتب اخرى اشتملت مباحث ككتاب إبطال الاستحسان ، وكتاب جماع العلم ، حتى ان كتاب الأم موجود في ثناياه ابحاث من علم الاصول ، فقد ذكر فيه قواعد كلية في ثنايا الاحكام الفرعية .

والذي ساعد الشافعي على وضع علم الاصول انه جاء والفقه الاسلامي مزدهر ايما ازدهار ، وقد بدأت تتكون في البلاد الاسلامية مجموعات فقهية لمجتهدين وبدأت تتكون مذاهب ، وكان الجدل بين المجتهدين وأصحاب المذاهب آخذا نواحي متعددة في الفقه والادلة ، فخاض غمار الجدل مع من يخوضونه ، فكانت تلك المناقشات هي الهادية الى التفكير في قواعد عامة كلية ومقاييس ضابطة تكون أساس البحث والاستنباط . وقد جمع هذه القواعد في مجموعة واحدة من العلم كانت علم اصول الفقه . والشيء الرائع في اصول الشافعي انه يسير في البحث الاصولي سيرا تشريعيا لاسيرا منطقيا ، لأن من اخطر الامور على البحث بل على الأمة في نهضتها ، السير المنطقي ولاسيما في الفقه والاصول . وقد أبعد الشافعي كل البعد عن السير المنطقي ، والتزم السير التشريعي . فهو لايهيم في صور وفروض نظرية ، وانما يضبط امورا واقعة موجودة ، أي يأخذ النصوص الشرعية ويقف عند حد النص وعند حد الواقع الذي يدل عليه النص ويشاهده الانسان ، فهو في الناسخ والمنسوخ يقر قواعد النسخ من المسائل التي تثبت عنده النسخ فيها ، بما ورد في الآية نفسها او الحديث نفسه من دلالة على النسخ او بما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من احاديث تدل على النسخ ، وماأثر عن صحابة رسول الله من اخبار وأقضية وليس كما فعل كثيرون مما جاءوا بعده ، من حيث انهم اذا رأوا تعارضا بين آيتين او حديثين انتقلوا الى القول بأن احدهما ناسخ للآخر ، حتى وقعوا من جراء ذلك بأغلاظ فاحشة . وحين يأتي بالقاعدة لايأتي بها من مقدمات منطقية بل يريك مصادر اخذها ، إما من مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم أو من فتاوى الصحابة ، فاتجاهه في استخراج القواعد الضابطة كان اتجاها عمليا يعتمد فيه على الواقع وعلى الادلة وعلى انطباق ذلك على الوقائع المحسوسة . وأبرز ماتتميز به اصول الشافعي انها قواعد مطلقة للاستنباط ، بغض النظر عن طريقة معينه له ، بل هو يصلح لكل طريقة مهما اختلفت فهو ميزان لمعرفة صحيح الآراء وغير الصحيح ، وقانون كلي تجب مراعاته عند استنباط الاحكام الجديدة مهما وضع الانسان لنفسه من طريقة لوزن الآراء والانضباط بالقانون الكلي عند الاستنباط . فكانت اصول الشافعي ليست اصولا لمذهبه وإن تقيد بها ، ولم تكتب دفاعا عن مذهبه وبيانا لوجهته ، بل هي قواعد عامة كلية للاستنباط . ولم يكن الباعث عليها نزعة مذهبية وانما الرغبة في ضبط اساليب الاجتهاد ووضع حدود ورسوم للمجتهدين . وقد كان صدق القصد وصحة الفهم في وضع علم اصول الفقه مؤثرا فيمن اتى بعد الشافعي من المجتهدين والعلماء ، سواء المخالفين له او المؤيدين لارآئه من غير استثناء ، حتى رأوا انفسهم جميعا على اختلاف نزعاتهم يسيرون في النهج الذي سلكه الشافعي ، من وضع القواعد الكلية والسير في الفقه والاستنباط في وضع انضباطي وفق قوانين كلية وقواعد عامة . وصار الفقه بعده مبنيا على اصول ثابتة ، لاطائفة في الفتاوى والاقضية كما كانت الحال قبله . الا ان العلماء مع سيرهم جميعا في اثر الشافعي من حيث فكرة اصول الفقه ، ولكن تلقيهم لما وصل اليه الشافعي كان مختلفا باختلاف اتجاهاتهم الفقهية . فمنهم من اتبع في آرائه واخذ يشرحها ويتوسع فيها ويخرج على منهجها ، وذلك كأتباع مذهب الشافعي نفسه ، ومنهم من كان آخذا بجل ماجاء به الشافعي مع اختلاف في بعض تفصيلات الاصول ، لافي مجموعها ، لانه لايختلف من حيث المجموع والهيكل والسير عن اصول الشافعي وذلك كالحنفية ومن سار على نهجهم ، ومنهم من خالف الشافعي في هذه الاصول ، وذلك كالظاهرية والشيعة ، فمن اتبع الشافعي في آرائه : الحنابلة ، فقد اخذوا بأصول الشافعي ، وان كانوا قالوا ان الاجماع هو اجماع الصحابة فحسب . والمالكية الذين جاؤا بعد الشافعي ، اتحدت طريقتهم مع اكثر ماجاء في اصول الشافعي وان جعلوا عمل اهل المدينة حجة وخالفوه في بعض التفصيلات ، اما الذين ساروا على نهجه واحتضنوا آراءه فهم اتباع مذهبه الذين نشطوا في علم اصول الفقه وأكثروا من التأليف فيه . فقد الفت على طريقة الشافعي في اصول الفقه كتب كانت ولاتزال عماد هذا العلم ودعامته . واعظم ماعرف للاقدمين ثلاثة كتب ، اولها كتاب (المعتمد) لأبي الحسين محمد بن البصري المتوفي سنة 413 هجرية ، وثانيها كتاب (البرهان لعبدالملك بن عبدالله الجويني ، المعروف بإمام الحرمين المتوفي سنة 478 هجرية ، وثالثها كتاب (المستصفى) لابي حامد الغزالي المتوفي سنة 478 هجرية . ثم جاء بعدهم ابو الحسين علي المعرو ف بالآمدي فجمع هذه الكتاب الثلاث وزاد عليها في كتاب سماه (الاحكام في اصول الاحكام) وهو من اعظم ماألف في اصول الفقه ، اما من اخذ بجل ماجاء به الشافعي واختلف في بعض التفصيلات فهم الحنفية . ذلك انه قد اتفقت طريقتهم في الاستنباط مع اصول الشافعي ، ولكنهم اتجهوا في علم الاصول ليؤيدوا بها الفروع فجعلوا الفروع هي الأصل والقواعد العامة تبنى عليها وتجعل لتأييدها ، ولعل الذي حملهم على هذا الاتجاه هو بحثهم عن اصول لتأييد مذهبهم ، وليس ايجاد قواعد يستنبط بحسبها مذهبهم . ذلك ان ابا حنيفة وقد سبق الشافعي مات في السنة التي ولد فيها الشافعي ، ولم يكن استنباطه وفق قواعد عامة كلية . وكذلك جاء من بعده تلاميذه ابو يوسف ومحمد وزفر ، فلم يعنوا بالتأليف في اصول الفقه بل جاء للعلماء في المذهب الحنفي من بعد واتجهوا الى استنباط القواعد التي تخدم فروع المذهب الحنفي ، فهي جاءت متأخرة عن الفروع لامتقدمة عليها . ومع ذلك فان اصول الحنفية في جملتها مخرجة على اصول الشافعي . وماخالفوا فيه الشافعية من ان العام قطعي كالخاص ، وانه لاعبرة بمفهوم الشرط والوصف ولاترجيح بكثرة الرواة وغير ذلك ، فهي مسائل تفصيلية وليست قواعد كلية . ولذلك يمكن ان يعتبر اصول الحنفية واصول الشافعية اصولا واحدة للفقه . ولايكون اتجاهها نحو الفروع واختلاف بعض التفصيلات اصولا اخرى ، بل هي اصول واحدة في كلياتها واجمالها وقواعدها . ولاتكاد تجد أي فارق بين كتاب في اصول الشافعية وكتاب في اصول الحنفية ، بل كلها دراسة اصول فقه واحده . ومن أعظم كتب الاصول عند الحنفية اصول البزدوي الذي ألفه فخر الاسلام علي بن محمد البزدوي المتوفي سنة 483 هجرية .