عرض مشاركة مفردة
  #44  
قديم 14-10-2005, 07:16 PM
مُقبل مُقبل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2005
المشاركات: 461
إفتراضي

الرحيـــــل الأبـــــــدي


و أخيرا ..!
حجز لي مقعداً منفرداً .. الإقلاع في العاشرة ليلاً ..
والساعة الآن الثامنة .. لا وقت .. قبل أن يغيّر رأيه !!
قمتُ بإعداد نفسي بسرعة .. دخل ليستحم ..
انتهزتُ الفرصة ..

كتبتُ له أن الحياة بيننا مستحيلة ..
منذ أن وقعت قدماي على هذه الأرض .. وأنني حاولتُ الإصلاح ففشلتُ !!
وأنني لم أطق البقاء معه يوماً بعد أن علمتُ بخديعته لي ولأهلي في .. دينه !!
لا اتفاق بيننا من حيث الدين ولا الأخلاق ولا الحياة والعقيدة والعادات ..
لذا يجب علينا الافتراق إلى الأبد دون عودة !
وهذا الأمر كان يُفترض بنا أن نفعله ليس من الآن فقط ..
بل .. من يوم عُقِدَ فيه قراننا !!!
أنا لستُ منكم ... ولستم منا !!
وداعاً وداعاًً إلى الأبد ..!!

سمعته يفتح مقبض باب الحمام .. طويتُها بسرعة ..
وضعتُها في حقيبتي .. عاملتُه جيداً..
حتى لا يظهر تغيّر علي .. نظرتُ إليه وهو يستعدّ للخروج ..
إنها النظرات الأخيرة ... سامحوني جميعاً ...

طأطأ رأسه .. ما به ؟!!
حاول إخفاء وجهه عني .. تظاهرتُ بأني لم أره ..
ورأيته .. لقد اكتسى وجهه حمرةً من شدة البكاء !!
لا بأس .. هذه هي النهاية الحتمية ولكني سأجعله هو مَنْ يفهم ذلك بنفسه ..
ركبْنا في السيارة .. كأنه يشعر أنني لن أعود ..
لم ينظر إليّ .. تركته .. فضلتُ الصمت والسكوت ..
لمحتُ في عينيه بريقاً .. دققتُ النظر إليه..

فإذا هي الدموع تترقرق في عينيه..
مع أني لم أخبره بقراري بعد ..
لا مجال للعيش بيننا إطلاقاً .. قدر الله وما شاء فعل ..
أخذ يحذرني من عاقبة تأخري عليه عند أهلي ..
وأجهش بالبكاء .. فلم أهدئه ..
لا أريد أن أكذب عليه ..

نظر إليّ بعينين حزينتين وقال :
- هل ستعودين ؟!! لا أعرف لِمَ أنا حزين !
عندما تعدين فإنك تفين بوعدك دائماً ! فهل ستفعلين؟!!!
نظرتُ إلى النافذة واصطنعت البراءة هذه المرة وأنا أقول :
- نعم .. لا داعي لحزنك .. يجب أن تصدّقني ..
هل بدر مني أسلوب الكذب معك ؟!!
( اللهم سامحني )
هزّ رأسه نافياً وصَمَتَ .. إلى أن دخلنا إلى المطار ..
وقلبي يخفق بشدة ..
وداعاً للجميع وليسامحني الجميع على كل ما بدر منّي ..
شعرتُ بالأمان في المطار ..
لن يستطيع إرغامي على العودة .. الموت أهون عندي !

وقبل النداء على رُكَّاب الطائرة ..
فتحتُ حقيبتي وأخرجتُ منها رسالتي .. وناولتُه إياها ..
وحلّفتُه ثلاثاً ألا يقرأها إلا عندما يعود إلى المنزل .. إلى حجرته ..
فوافق على مضض .. دخلتُ إلى صالة المسافرين بسرعة .. أدهشه ذلك ..
لوَّح لي والحزن يبدو متفجراً من قسماته والدمع يفيض كما يفيض النهر ..
بعد ماذا ؟!!!

نظرتُ إليه .. كنتُ سعيدة .. خائفة ..
لم أطل البقاء لأنظر إليه ..
ولكنني لمحتُه يغطي وجهه بثيابه وكأنه يحمي نفسه من البرد ..
وما زال النحيب والبكاء يسيطران عليه بينما انتبه إليه الكثير من الناس
في حالته تلك ..
فرحموه !! ولم يعلموا مَنْ هو !!!
شعرتُ بنوعٍ من الحريّة التي طالما افتقدتها بينهم ..
شعرتُ باستقلاليتي من معتقداتهم التي فعلتْ بي الأعاجيب !!

هل حقاً أنا بعيدةٌ عنه ؟ عنهم ؟ تركتُهم ؟ إلى الأبد ؟!! صحيح ؟!!
لا لا ... هذا حلمٌ جميلٌ وسُرعان ما سينقضي ..
ركبتُ الطائرة .. نظرتُ بخوفٍ فيمن حولي وأنا أحتضن حقيبتي الصغيرة !
هل كلهم صوفيون ؟!
هل اتفقوا معه ؟!
لماذا ينظر الركّاب إليّ بهذه الطريقة ؟!
هل علموا بشخصيتي ؟!
هل جميعهم ضدي ؟!

ربما ... اتجهتُ بنظري إلى الخلف !!! يا إلهي !!
هناك راكبٌ يشبهه !! لا لا لا لا !
هل لحق بي؟ لماذا تبعني؟ لماذا أتى؟!
سأصرخ .. سأفقد صوابي!!
ولكن .. تحرك الرجل هو وزوجته إلى مقعدٍ آخر !! الحمد لله ..
إنه ليس هو ! ليس هو .. ليس هو !!!

يا إلهي ما العمل ؟ لجهادٌ بالسيف والرمح أهون عليّ من جهادي ضد نفسي !
ساءت حالي .. تحوّل مزاجي .. تمكنتْ العزلة من اختطافي عن أنظار الجميع !
حتى الطعام كنتُ آكله قسراً حتى أتعايش مع اللحظات الباقيات لي !!

بعد ستة أيام .. كنتُ ملقاة على فراشي في بيت عائلتي ..
أصارع الحياة والموت ..
أشعر ببقايا من أنفاسي المعدودة ..
لا أحب الطعام .. ولا الماء .. ولا النوم .. ولا اليقظة ..
أتململ في مكاني .. وأنا انتظر أمر الله في أي لحظة أن يناديني ..
بينما فاضت عيوني بالدمع المنهمر دون توقف ..



وللقصة تتمة بإذن الله
الرد مع إقتباس