عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 21-05-2005, 10:45 AM
الهلالى الهلالى غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2004
المشاركات: 1,294
إفتراضي

ألا كذب المؤرخون الأوروبيون ولم ينصفوا.

انه الرد على العدوان بالعدوان. والثأر من اللصوص والسفاحين والطغاة والمتعصبين, بالضرب الموجع في البحر والبحر.

كان الناس في الثغور الإسلامية, والمضطهدون من المغاربة المسلمين الذين يعيشون تحت الحكم الاستبدادي الأسباني, يستغيثون باصحاب السفن والقباطنة المسلمين لانقاذهم, ويحثونهم على تكثيف عملياتهم البحرية ضد الأسبان بصفة خاصة وضد التجارة الأوروبية بوجه عام.

وكان الناس يتطلعون إلى شخصية مقاتلة شديدة البأس تستطيع أن تدفع عنهم الأذى وتنزل بأعدائهم الانتقام, ووجد الناس في (عروج) وأخيه خير الدين هذه الشخصية الشجاعة النادرة. وكان لا بد للرجلين ومقاتليهما من أن يجدوا المكان الذي يستقرون فيه ويلجأون إليه, لمواصلة شن الحملات على السفن الاسبانية. وإذ وجد الإخوان أن الأسرة الحفصية في تونس قد وضعت إمكاناتها كلها لخدمة قضية منكوبي الأندلس, فقد اتجها اليها. وكان الالتقاء بين عروج ورجاله وبين السلطان الحفصي مولاي محمد بن الحسن عام 1494 الذي رحب برجال البحر, ومنحهم جزيرة جربة, مع حرية في اتخاذ وسائل الجهاد التي يريدون, وشراء احتياجاتهم من أراضيه. وفي المقابل وافق الأخوان على أن يقتسما مع السلطان ما يحصلان عليه من أسلاب خلال غاراتهما على سفن الاعداء.

خلال سنوات قليلة وحتى عام 1512م كان رجال البحر الأتراك والمغاربة تحت قيادة عروج وخير الدين قد أخذوا طريقهم على طول سواحل الشمال الافريقي لينقضوا من هناك على سفن الأعداء. ومن جنوا الى اسبانيا كانت الدول الأوروبية المطلة على البحر المتوسط في حالة كبيرة من الرعب والفزع لدرجة أن اسطولاً اسبانياً ضخماً يحمل أكثر من عشرة آلاف مقاتل راح يجوب البحر لمطاردة الأخوين.

في ذلك الوقت كان الاخوان يعملان على تلبية نداءات كل من يستنجد بهما ممن يتعرضون للتهديد الأسباني. وحين استجابا لنداء حاكم بجاته, اتجها للاستيلاء على جيجل لتصبح قاعدة لهما بدلاً من جربة, بسبب تصاعد خلافاتهما مع السلطان الحفصي. ومن هناك انطلقا لنجدة أهل الجزائر عام 1516م.

الا أن الأخوين واجها مقاومة عنيفة من الحامية الأسبانية القوية التي كانت تسيطر على القلعة المشرفة على الميناء. وحين عجزا عن الاستيلاء على القلعة دب الخلاف بينهما وبين سالم التومي حاكم الجزائر, الذي أصر على أن يغادر الأتراك اراضيه التي كانوا قد نزلوا بها. وأصبح الموقف لا يحتمل الا واحدا من اثنين: إما أن يغادر عروج ورجاله البلاد فاقداً الكثير من مكانته وآماله, وإما أن يبقى في الجزائر لتصبح قاعدة قوية له.

وأصر عروج على البقاء في الجزائر. فانقض برجاله على الأراضي الساحلية متفادياً القلعة التي يسيطر عليها الأسبان, واستطاع أن ينتصر على قوات سالم التومي. ونصب نفسه حاكماً على الجزائر.

بدأ عروج وخير الدين يعملان للسيطرة على رأس من الساحل يواجه القلعة. ودارت معركة رهيبة كان النصر أخيراً فيها للأخوين. ولم ينج من السفن الاسبانية الا القليل.

يا للكارثة على الأسبان. وهل كان يمكن أن يحدث أكثر من ذلك?!

لقد كان لانتصار عروج أثره في تثبيت حكمه في الجزائر. وبدأ يمد سلطاته إلى ما وراءها. وبدأ عدد رجاله يتزايد بانضمام المئات ممن تحرروا من الاستعباد الأسباني اليه.

ولكن. كما كانت هي العادة دائماً حين تنشق القوى الاسلامية على نفسها, ويتصارع أعضاء الاسرة الواحدة الحاكمة. استنجد بعض زعماء تلمسان ـ مقر حكم الاسرة الزيانية ـ بعروج حاكم الجزائر. ولبى عروج الدعوة تاركاً خير الدين نائباً عنه, ونزل برجاله الى المدينة عام 1517. ولكن بقية الأسرة من الزبانيين لم يتورعوا عن التحالف مع الأسبان ومحاصرة عروج في تلمسان, واتفقوا عليه حتى اضطر الى مغادرة المدينة. ولم يكد يمضي بسفنه الى أكثر من مائتي ميل حتى انقض عليه الأسبان.

وكتبت النهاية لعروج, ضحية الخيانة والانشقاق, وكان فقده ضربة قاسية للمسلمين.

قتل عروج عام 1518 بينما خير الدين في نهاية الثلاثينيات من عمره. ولم يكن هناك خلاف قط على من يكون الحاكم الجديد على بلاد الشمال الافريقي الذي يقع رسمياً تحت التبعية العثمانية. وكان خير الدين يتمتع بذكاء وبراعة نادرين في الحكم كما في الحرب, وكان في مظهره ومخبره شخصية قيادية, مغامراً بطبعه, ملكي الملامح, متين البنيان, كثيف شعر الرأس والذقن, ذا حواجب ورموش طويلة كثة, وقبل أن يشيب شعر رأسه وذقنه كان يميل إلى الاحمرار, ومن هنا سمي (بارباروسا), وهي تعني ذا اللحية الحمراء.).

ولم يلبث خير الدين بارباروسا اذن أن تابع الكفاح ضد القوى الصليبية والتجارة الأوروبية في البحر المتوسط. وكان لابد له منذ البداية أن يوطد سيطرته على طول الساحل الافريقي. وكان يدرك أن الصراع بين مسلمي شمال افريقيا والقوى الأوروبية صراع مصالح بين قوى كبرى. وان الدخول في الدولة العثمانية والافادة من امكاناتها الكبرى في الدفاع عن شمال افريقيا سيتيح له فرصة أكبر للنصر.

كان كل من السلطان سليم وخير الدين بارباروسا ينظر الى الموقف من وجهة نظره. وقد أدرك سليم وهو يعمل على إقرار حكمه في كل من الشام ومصر, مدى أهمية بقاء بارباروسا متنفذاً على الجناح الغربي لدولته في شمال افريقيا, ومهدداً للثغور الأسبانية لضمان المصالح التجارية للدولة العثمانية.

وهكذا تم التلاقي بين الرجلين. فقد أعلن خير الدين ولاءه للسلطان العثماني الذي أقره بالتالي والياً على الجزائر من قبل السلطان. وكان ذلك يعني للوهلة الأولى أن الامبراطورية العثماينة قد أصبحت صاحبة الولاية والنفوذ الفعلي على كل الشمال الافريقي بعد أن كان تبعية رسمية فحسب, باعتبار أن السلطان العثماني هو خليفة المسلمين. وأصبح بارباروسا بذلك رجلاً من كبار قواعد الدولة العثمانية في البحر المتوسط.

وفي عام 1519 أول اعوام حكم بارباروسا للجزائر, قرر شارل الخامس ملك أسبانيا, ضرورة تدمير هذه القوة الإسلامية الواقعة جنوبي بلاده. وتجمع اسطول أسباني ضخم من خمسين سفينة حربية تكون ستاراً للمواجهة, يتبعها ثلاثمائة من حاملات المقاتلين, يضاف اليهم فرسان القديس جون والبابا وممالك نابولي وموناكو والأمراء الصليبيين بقيادة (فرناندو ديجونزاجا) والقائد الجنوبي اندريا دوريا. وأصبح واضحاً أن العملية الصليبية الضخمة ستنطلق في وحدة متضامنة بدعوى حماية الحركة التجارية في البحر المتوسط.