عرض مشاركة مفردة
  #26  
قديم 07-10-2005, 06:23 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الاستثناء داء يحطم كل قاعدة :



تحث كل نصوص السماء على العدل ، ويقول تعالى (يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون ) المائدة 8

كما أن نصوص كل الخطابات السياسية في الأرض ، يؤسس منذ بداية انطلاق الخطاب السياسي للحركة السياسية على فكرة العدل .. و ما أن يتم تسلم الحكم من قبل تلك الفئة ، الا وتظهر استثناءات هنا وهناك مما يلفت انتباه الجمهور وتظهر بؤر للتشويش على الحركة السياسية فتعيق من تقدمها ، وتفتح عليها جبهات لم تكن بالحسبان ..

لكن كيف تظهر الاستثناءات بمسار الحركة السياسية ، على افتراض نظافة ونزاهة الحركة محتكمين لأيديولوجيتها و منطلقاتها النظرية :

1 ـ بالرغم من نقاء الفكرة الوطنية و طهريتها ، فان أفراد الحركة السياسية الذين امتلكوا زمام تفوق ( الإرادة الراهنة ) صاحبة التغيير في الوضع السياسي ، قد ينقصهم الكثير من فنون الإحتراف السياسي الذي هو شرط أساسي من شروط ديمومة قوة الفئة السياسية صاحبة ( الإرادة الراهنة ) ، فستواجه فرسان التغيير من تلك الأنواع من المظاهر :
أ ـ ضعف في القدرة على تصنيف القادمين الجدد الذين أضيفوا الى نواة التغيير الأولى .. فيكون ذلك بؤرة جديدة لاحتمال ظهور المتاعب .
ب ـ تعدد العروض السياسية الدولية ، و صعوبة التعامل معها بكفاءة .. فتظهر أشكال من الاستعجال في اتخاذ القرارات ، و أحيانا أخرى إبطاء غير مرغوب فيه ..
ج ـ تنوع الواجبات الداخلية لإدارة الدولة ، والتي لم تكن الفئة السياسية قد تمرنت عليها بشكل كاف أثناء دعوتها الأولى . مما يضطرها للتعامل مع كوادر قديمة ، أو أن تعين كوادر غير قادرة على ضبط الأمور الا بالاستعانة بالكوادر القديمة ..

د ـ تنشط أجهزة نقل المعلومات حول أطقم الإدارة المنتشرة في عرض البلاد ، الى أعلى هيئة ، فتتخذ على ضوء تلك المعلومات إجراءات قد لا تكون منصفة . وتكون المعلومات المنقولة مخلوطة في رغبات إقصاء لمن كتبت بحقهم التقارير من أجل التفرد بمواقع من قبل ناقلي تلك المعلومات من الجيل الذي أضيف للنواة الأولى في التغيير ..

2 ـ لازدحام المهام و عدم كفاية وقدرة الكوادر في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية ، مع احتمال تسلل قوى معادية بنسيج هؤلاء الكوادر ، واحتراف القوى المتسللة للتماهي مع هالات قوة ( الإرادة الراهنة ) فان مظاهر ستبرز على هامش هذه الوضعية منها :

أ ـ إحالة الكثير من القضايا من مستوى الى المستوى الأعلى حتى يحس المستوى الأعلى بثقل تلك القضايا ، فإما أن يستعجل باتخاذ قرارات إزاءها .. أو يمنح المستويات الأدنى صلاحيات لاتخاذ قرارات تخفف العبء عنه .

ب ـ بالحالتين ، ستظهر مجموعات من الشخوص ، في كل قطاع من قطاعات الادارة و السياسة والاقتصاد .. تكون أشبه بالإقطاعيات منها بدولة المؤسسات والقانون ..

3 ـ لتسهيل حركة سير الأمور و ضبطها ، يتخذ أعلى مستوى ، قرارات أو تعليمات أو قوانين ، ليسير على هديها كل الكوادر في كل المستويات ..

4 ـ لتصلب و ضع الشخوص وازدياد أهميتهم شيئا فشيئا ، فان أجهزة القضاء ومعظم العاملين ، سينظرون الى هؤلاء الشخوص على أنهم خارج نطاق تلك التعليمات و القرارات و القوانين ..

5 ـ تتهافت المستويات الدنيا من كوادر الدولة الى الارتباط بالشخوص أصحاب الحظوة تلك .. عسى ان تتشفع لهم عند أعلى مستوى فيما لو تعرضت الى إشكال يمس عدم انضباطهم بالتعليمات و القرارات و القوانين ..

6 ـ عندما تزداد إيقاعات مشاكل الدولة الأمنية و السياسية .. لن توضع المشاكل الناجمة عن عدم ضبط أداء المستويات الوسطى و إقطاعياتها ، على سلم أولويات أعلى مستويات الحكم .. فتستشري ظواهر فساد ، ما كانت ستظهر لولا السيرورة التي جاءت بها تلك المستويات ..

7 ـ تجير كل مفاسد تلك المستويات أو الإقطاعيات ، على رأس الحكم ، ويصبح يفكر بإصلاح ما هو فاسد .. فتكون القسوة ، في كثير من المرات هي الحل .

8 ـ يهرب الملاحقون من الفاسدين ممن انتبه اليهم رأس الحكم ، ويصبحوا رصيدا إضافيا لمشاكل الدولة ..

ان كل هذا لم يكن ليحدث ، لو لم تستثنى شخصيات من العدالة .. والعدالة هنا لم يكن لتوجد ما لم يوجد الفهم الكامل لعلاقات الانتاج في المجتمع ، وصلة تلك البؤر الاقتصادية و الاجتماعية مع بعضها و مع الدولة نفسها ..

ان هذه الصيغة من دورة استلام الحكم وفقدانه ، مرت بها معظم أو كل الدول العربية ، لأن الخطاب السياسي الذي كان قوامه وجدانيا ، انشائيا ، لا يعدو كونه خطابا لإثارة الهمم الطيبة ، لكنه لم يرتق الى الفهم السياسي ، لأن المعارضة أصلا لم تكن تقسم الأدوار فيما بينها لمراقبة الدولة التي تنشد تغيير النظام السياسي فيها ..

فلو طلب من المعلم المعارض في الفصيل السياسي الذي ينشد تغيير الحكم ، بمراقبة ما يجري في وزارة التربية ، وطلب من الطبيب الذي ينتسب الى الفئة السياسية التي تنشد التغيير أن يراقب وزارة الصحة .. وهكذا .. فان الفئة السياسية تصبح قادرة على تشكيل حكومة ظل ، قبل استلامها الحكم ، ولتمكنت أيضا من صياغة خطابها السياسي بما يناغي آلام و آمال الجماهير .. وعندها سيزداد الالتفاف الجماهيري حولها ، و لأصبحت أقدر في التغيير الشامل ، والحفاظ على ما بعد التغيير ..

لكن دأبت معظم الحركات السياسية العربية ، على توزيع المهام بين كوادرها النشطة ، تضع المعلم مسؤولا عن الأطباء ، والطبيب عن العمال .. ويقتصر نشاطها الجماهيري على مظاهرة اذا ضربت بيروت أو بغداد أو الخرطوم .. فيكون نشاطها باستمرار ، كردة فعل باهتة ، لا يصنع فعلا .. ومن هنا عزفت الجماهير العربية عن الالتفاف حول تلك الفئات التي لم يعد منها الا أسماء !!
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس