الموضوع: صور وتعليق
عرض مشاركة مفردة
  #755  
قديم 20-05-2006, 02:43 PM
أحمد ياسين أحمد ياسين غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 6,264
إفتراضي

د. دويك رئيس المجلس التشريعي يوجه نداءاً

إلى المثقفين والمفكرين والأدباء والكتاب العرب لتسخير أقلامهم

لمواجهة الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني










بسم الله الرحمن الرحيم

إخوتي المثقفين والأدباء العرب



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فهذا ينطلق عن وجدان صاحبه الذي يستمد من وجدان شعبه الفلسطيني وأمته العربية، وهذه دعوة موجهة إلى عقول واعية وقلوب صاغية، فأنتم أجدر الناس بالإصغاء إلى نبض الناس، وأقدرهم على الترجمة عن أمالهم وأحلامهم، أنتم شهود الحق وضمير الخلق وصاغة الوعي ومبدعو المعاني، أو هكذا ينبغي لكم. و إنَّ الرائد لا يكذب أهله، و مَنْ أولى منكم بوصف الريادة ؟. إنَّ السياسة التي تعادي الثقافة، وتخاصم المثقفين والمبدعين لهي سياسة خاوية على عروشها، سياسة خانقة مرتعدة تعزل نفسها و لا تعزل أهل الفكر.

ومثل هذه السياسة لا تخاصم الثقافة لذاتها، وإنما لأنَّ الثقافة الحقَّة تضمر رسالة سياسية مغايرة تستمد شرعيتها ممن يتلقاها لا ممن يمليها، فهي تستعصي على التدجين، وتقاوم إملاءات القوة الغاشمة، وتنتمي إلى التاريخ الاستراتيجي، لا إلى العابر الموقوت، و إلى قيَّم التغيير والنهوض والحق والعدالة،لا إلى مسوِّغات الردة والخضوع والخنوع . مهمتنا أن تمنح صوتا لمن لا صوت له، وهي لا تصادر على المستقبل الكامن بدعوى الحاضر الكائن، وإنما تتحرك في فضاء الحاضر في ضوء استشرافها للمستقبل، وتعلم أن المستقبل ليس معطى خارجيا ناجزا في انتظارنا، ولا نصّاً يكتب نفسه بنفسه ثم يكتبنا، وإنما هو مشروع يرسم الإنجاز، و نصٌّ علينا نحن أن نكتبه.

الثقافة الحقة لا تختزل معنى السياسة بفن الممكن، حين تحتكر القوة المتسلطة تعريف الممكن، ولكنها تعيد تعريفه في ضوء الكامن من طاقة الأمة وقدراتها، تلكم هي الرسالة السياسية التي تبطنها الثقافة الحقة كما نفهمها، وكما ينبغي أن تكون، وهي التي أسهمت في تشكيل وعينا ووجداننا وعزائمنا حتى بلغت بنا المواقع التي حملنا إليها شعبنا تكليفا لا تشريفا.

ومن هنا ندائي هذا لكم هو نداء الذات إلى الذات، وتذكرة لذاكر، من موقع تحاصره العواصف والأنواء، ويعلم من فيه ألاَّ عاصم قوة إلا قوة الإيمان ،وإسناد الظهر إلى حائط الأمة، وفي مقدمتها أولئك الذين يترجمون عن روحها وينقشون ذاكرتها ويرفدون وعيها: المفكرون والمثقفون والأدباء.

وإنكم لتشهدون الآن ما يتعرض له الشعب العربي الفلسطيني من هجمة منسقة منظمة وحصار منهجي محكم؛ بهدف تجويعه تمهيدا لتركيعه واقتحام روحه وتقويض إرادته، وما نقموا من شعبنا إلا أنه مارس إرادته الحرَّة في عملية ديمقراطية شهد لها العالم بالنزاهة التامة ، وهم الذين ما زالوا منذ زمن ينسبون إلى غياب الديمقراطية في بلادنا العربية كل الخطايا والآثام؛ ليصرفوا الأنظار عن خطاياهم وآثامهم، ويجعلون غيابها أصلَ أهل التطرف والإرهاب ، ويبشرون بأن التحول إليها هو الدواء لكل داء ،حتى إذا مارس شعبنا الديمقراطي انقلبوا على أدبارهم،فليست العبرة عندهم ممارسة الديمقراطية نفسها، وإنما في نتائجها، فإنْ أتت بغير ما يرجون ،ارتدوا عليها ونبذوها وراء ظهورهم،قرروا أن يعاقبوا الشعب الفلسطيني بجملته على خياره الحر. فأيُّ نفاق وأي مفارقة! يزعمون أن الديمقراطية علاج للإرهاب، ثم يدعون في حالتنا أنها أفرزت " حكومة إرهاب"!فكيف يحكمون!.

أما نحن الذين حملنا شعبنا إلى الحكومة بإرادته الحرة، فنعلن وبلا تردد: أن الإنجاز الأعظم لم يكن نتائج العملية الديمقراطية التي وصلت بنا إلى الحكومة، وإنما هو نجاح العملية الديمقراطية النزيهة نفسها. وهو إنجاز ينسب إلى شعبنا كله، وإلى فصائله المختلفة التي رضيت الاحتكام إلى الشعب، ولم تمارس أيَّ لون من ألوان الإكراه، لا من موقع السلطة ولا من خارجها.

أي رسالة تبعثها العملية الديمقراطية موافقة نتائجها لإرادة القوى الخارجية لا إلى إرادة الشعب!! أليس هذا نقضاً لمبادئ الديمقراطية في جملتها؟ ألا يضعف ذلك مصداقية التيارات الوطنية المخلصة التي تناضل من أجل الديمقراطية في بلادنا، ويدعم في المقابل منطق الاستبداد، وموقف التيارات التي تعادي الديمقراطية، بدعوى أنها مجلوبة مستعارة لا توافق خصوصيتنا الثقافية؟!!



إخوتي المفكرين والمثقفين والأدباء العرب:

إن دفاعكم عن الشعب الفلسطيني وإرادته الحرة في وجه الحصار الجاري، هو كذلك دفاع عن قيم ومبادئ طالما ناضلتم من أجلها، وخاصمتم وخوصمتم فيها، واحتملتم مغارمها وتكاليفها. وإذا كانت القوى الاستعمارية قد سقطت في اختبار الشعار، فإن أملنا أن تنجحوا أنتم في اختباره. وبذلك نستعيد الشعار ممن يدعي ملكيته حصرا ويحتكر تعريفه، وينصب نفسه وصيا عليه، ويلوث دلالاته حين يوظفه انتقائيا لخدمة مصالحه ولتبرئة ذمته من أسباب الخراب والإرهاب. وبذلك أيضا نحرر مطلب الديمقراطية من شبهات الإملاءات الخارجية وملابساتها، ليكون من نبت أمتنا وخيارها الحر وإرادتها المستقلة، ويصير سلاحا لا علينا.

وإننا إذ ندعوكم إلى شحذ أقلامكم دفاعا عن الشعب العربي الفلسطيني في محنته الجارية، وعن مبادئ الديمقراطية والحرية والعدالة في الوطن العربي بإطلاق، فإن هذا لا يشترط عليكم أن تتفقوا معنا في الرؤية السياسية والمنطلقات الفكرية، كما أنه لا يشترط على حكومتنا أن تنزل عن برنامجها ومبادئها كي تحظى مع شعبها الفلسطيني بدعم الأحرار والشرفاء على اختلاف مذاهبهم ومرجعياتهم. إنَّ جوهر العملية الديمقراطية هو الإقرار بسنة الاختلاف وضرورة انتظامه في إطار الجماعة الوطنية كلها التي تحتكم إلى خياراتها، كيلا يصير الاختلاف خلافا وصراعا و إقصاءً متبادلا. وبذلك فقط يتحول الاختلاف إلى تدافع حيوي بين قوى وتيارات متشارطة لا متفاصلة، ويصير الفضاء السياسي مضمارا لاستباق الخيرات واختبار البرامج أمام الشعب صاحب التفويض.

ولذا فإننا نؤكد أن الحكومة التي اختارها الشعب، لا تمثل فئة من دون فئة، ولا ينبغي لها أن تكون كذلك، كما أن المعارضة لا تمثل فئة دون أخرى، ولا ينبغي لها أن تكون كذلك أيضا. وعلى هذا فإننا نناشدكم بصوت الشعب الفلسطيني كله أن تقفوا إلى جانب الشعب الفلسطيني كله، فتشهروا أقلامكم لتحفيز الأمة واستنهاضها واختراق الحصار المضروب علينا، وقد قيل " تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها"، وقد أثبت الشعب الفلسطيني أنه لا يأكل بحقوقه وكرامته ثمنا قليلا، وأن روحه تستعصي على الانكسار.



إخوتي المفكرين والمثقفين والأدباء العرب الشرفاء:

لم نكف يوما عن إيماننا بأن المشروع الصهيوني ينتظم في المشروع الاستعماري الذي يستهدف أمتنا العربية كلها ومشروع نهوضها، وإذا كان التحدي يفرض حدود نقيضه، فإن كفاحنا وجهادنا ضد المحتل الصهيوني ينتظم بالضرورة في مشروع التحرر العربي، وعلى ذلك فإن أي إنجاز نهضوي للشعب الفلسطيني يضمر إنجازا للأمة العربية كلها، كما أن أي إنجاز عربي يبطن دفعا جديدا لكفاح الشعب الفلسطيني نحو غاياته. ولذا فإننا نؤمن بحق أن معركة الفكر والثقافة التي تقودونها، تلتقي في غاياتها مع تضحيات الشهداء على أرض فلسطين، وأن دفاعكم عن الشعب الفلسطيني لا يأتي من قبيل مساندة الإخوة، وإنما هو في الجوهر دفاع عن الذات العربية نفسها. وأن شطرا هاما من الصراع الجاري هو صراع المعاني والتعريفات التي تحاول القوى المتحكمة إنتاجها وصوغها وفرضها على العقول والأفئدة، حتى صارت مفردات مثل: مقاومة الاحتلال، والحق والعدل ونهوض الأمة والشهادة، صارت كلها مفاهيم متهمة بأنها تنتمي إلى معجم الماضي وأوهام الشعراء وخيالات الحالمين، ثم تحال إلى معاني التطرف والإرهاب.

إن احتلال العقول هو الآن بخطورة احتلال الأرض، بل هو الضمان الذي ينشده العدو لتأييد الاحتلال وتكريس التبعية ووأد مشروع التحرر والتحرير.

وبوصفكم قادة الرأي وحفظة الوعي، فإن هذا الوضع يرتب عليكم مهمات عظمى، يتقدم معها مداد أقلامكم إلى خط الدفاع الأول، وربما الأخير عن روح أمتكم وبقائها.

هذا ندائي لكم أيها الإخوة المفكرون والمثقفون والأدباء الشرفاء في أرجاء وطننا العربي الكبير..وإني لموقن أنني ناديت حيا وأسمعت سامعا.