عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 01-10-2003, 02:23 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي تفعيل فضائل الإسلام

تفعيل فضائل الإسلام


- "الإسلام" "والواقع الإسلامي":

لا بد لنا كمدخل منطقي من أن نفرق بين مفهومين متمايزين: "الإسلام" وهو ذلك النظام الشامل العقدي التشريعي الموحى به والذي لا يدخله الباطل، و "الواقع الإسلامي" وهو ببساطة ما فهمه المسلمون من الإسلام وطبقوه!
"الواقع الإسلامي" له عنصران مكونان مترابطان كوجهي قطعة العملة الواحدة: 1- فهم معين للإسلام 2- تطبيق لهذا الفهم المعين في بناء المجتمع وفي السلوك الاجتماعي.
وكلا الجانبين، فهم الإسلام وتطبيقه، إذا أردنا وصف بنيته في علاقتها مع "الإسلام" بالذات يتألف من العناصر التالية:
1- جوانب مُفعَّلة من الإسلام 2- جوانب مُهْمَلة من الإسلام 3- جوانب مُدْخَلة على الإسلام!
تلك الجوانب المفعّلة سواء من الفهم الإسلامي الصحيح المتطابق مع الإسلام أو من التطبيق العياني الملموس لذلك الفهم (على شكل بنية اجتماعية وسلوك اجتماعي) يزيد حجمها ليصل في حالته المثالية إلى أن يتطابق مع "الإسلام" كله! وينقص بدرجات متفاوتة. والمكونان الآخران يدلاننا على علة في المجتمع ، إذ هناك مكونات أصيلة أهملت وأخرى دخيلة هي التي فعٍّلت في الواقع الإسلامي.
ولا أعني "بالمكونات المدخلة" كل فكرة أو سلوك جاءنا من عند غير المسلمين كما قد يتبادر إلى الذهن، إذ كثير من أفكار غير المسلمين وسلوكهم صائب، وفيه حكمة هو ضالة المؤمن ولو نظرنا إليه ملياً لرأيناه في حقيقته مكوناً إسلامياً مهملاً نسيه المسلمون أو غفلوا عنه أو تركوه تقصيراً منهم! وإنما أعني "بالمكونات المدخلة للواقع الإسلامي" تلك المكونات المتناقضة مع الإسلام روحاً أو نصاً، وهي مكونات بعضها مما استورد بالفعل من غير المسلمين، ولكن بعضها الآخر هو من عمل أيدي المسلمين و"ابتكارهم الخاص"!
وإذا تكلمنا عن القيم التي توجه السلوك الاجتماعي للفرد المسلم مستعملين مصطلحي "الفضائل" و "الرذائل" فإننا نقول إن الواقع الإسلامي يحوي "فضائل مفعّلة" و "فضائل مهمَلة" و "رذائل مُدخَلة"!

- صدمة الاستعمار واكتشاف المسلمين لبنية الإسلام عبر المقارنة مع الآخر:

كان الغزو الاستعماري الأوروبي بقوته المادية الهائلة صدمة لعل الله عز وجل أرادها بسابق علمه لتوقظ المسلمين وتنبههم إلى حقيقة وضعهم الحضاري المنهار، ولتفتح أعينهم بالتالي على ذلك الجانب المهمل من الإسلام الذي غفلوا عنه، وعلى تلك العيوب المدخلة التي ظنوها قروناً جزءاً لا يتجزأ من الدين.
حين تسير آلة معينة على ما يرام فقد لا يخطر لصاحبها أن يتفحص مكوناتها الداخلية، ووظائف كل مكون من تلك المكونات، وكيف تترابط هذه الوظائف لتخدم السير المنتظم للنظام بأكمله.
الخلل في عمل الآلة هو دافع إجباري لصاحب الآلة لكي يتفحصها، ويرى من خلال بحثه عن الخلل كيف تعمل الآلة حقاً، وما هي مكوناتها، وما هي وظيفة كل مكون، وليستنتج بالتالي عبرة عن الطريقة التي يجب عليه أن يستعملها لإبقاء الآلة تعمل :كيف يصون المكونات ويحافظ على قيامها بوظائفها، وعلى توازنها بحيث لا يطغى واحد منها على الآخر ولا يزيد تواتر حركته على المطلوب ولا ينقص! باختصار كيف تكون الآلة "متوسطة" فلا إفراط في عمل مكون من مكوناتها ولا تفريط!
ومن الدوافع التي قد تدفع صاحب الآلة لتفحص مكونات آلته ووظائفها وطرق عملها رؤيته لآلة أخرى تقوم بالعمل نفسه بطريقة أفضل (أسرع أو أكثر فاعلية أو بطريقة تقلل من نفقات الآلة وتزيد من فوائدها إلى آخره)
وكذلك الأمر في اللغة الأم!
نحن حين نستعمل لغتنا بصورة تلقائية فإننا لا نكتشف وجود قواعد بانية لهذه اللغة، قواعد صوتية ونحوية وصرفية إلى آخره، وفقط حين نجد أجنبياً يخطئ في الكلام نكتشف من تحليلنا لخطئه ما هي القواعد التي نظمت الأصل الصحيح(عبر تحليلنا لماهية الخطأ المرتكب نرى كيف يكون الوضع الصحيح، أي ما هي الطريقة التي انبنى بها هذا الوضع)
مثل اللغة ومثل الآلة يوضحان لنا السبب الذي جعل الصدمة الاستعمارية مفيدة للمسلمين لكي يلقوا نظرة على تكوين مجتمعهم، ومن ثم على تكوين نظرتهم لما كوّن هذا المجتمع وهو مفهومهم للإسلام، ومن ثم أخيراً ليجروا مقارنة بين الواقع الإسلامي والإسلام ويكتشفوا ما فعّل من الإسلام وما أهمل منه وما أدخل عليه!
هذه الأمة التي جعلها الله وسطاً لتشهد على الناس أراد لها أن تكون مثل الآلة النموذجية واللغة الصحيحة: الآلة النموذجية هي التي بمجرد وجودها تشهد على غيرها من الآلات إن كانت صالحة أم فيها خلل، وكذلك اللغة الصحيحة هي التي تشهد على اللغات: ما صح منها وما انحرف عن الصواب! ولكننا حين انحططنا اضطررنا إلى قلب الآية فصارت الأمم الأخرى هي التي شهدت علينا بأننا انحططنا وأن بنانا الحضارية معتلة!
رواد الإصلاح الإسلامي الأوائل من أمثال حسن العطار وخير الدين التونسي ورفاعة الطهطاوي ثم جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وطاهر الجزائري ورشيد رضا وعبد الحميد بن باديس وحسن البنا هم الذين تصدوا بانتباه ووعي لمهمة استخلاص البنية الأصيلة للإسلام عبر المقارنة مع الآخر، وهم الذين طرحوا على العالم الإسلامي مهمة تفعيل الجوانب المهملة من الإسلام، وإزالة الجوانب المدخلة عليه، وهذا التفعيل وتلك الإزالة هما الجانبان المكونان لعملية التجديد الديني في اعتقادي التي تنبأ بها النبي عليه الصلاة والسلام وأنها لا بد واقعة في هذا الدين.
الرد مع إقتباس