عرض مشاركة مفردة
  #12  
قديم 12-02-2005, 04:33 PM
قلم المنتدي قلم المنتدي غير متصل
فـــوق هام السحــب
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2004
الإقامة: ksa
المشاركات: 1,478
إفتراضي

ولست أتصدى هنا لتزييف ما كتبه الكاتب من جهة التاريخ ، ولا من جهة المنهاج ، ولكني أردت – كما قلت – أن أبين أن الأصل في ديننا هو تقوى الله وتصديق خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أصحاب محمد e ليسوا لعانين ولا طعانين ولا أهل إفحاش ولا أصحاب جرأة وتهجم على غيب الضمائر ، وأن هذا الذي كانوا عليه أصل لا يمكن الخروج منه؛ لا بحجة التاريخ ، ولا بحجة النظر في أعمال السابقين للعبرة واتقاء ما وقعوا فيه من الخطأ.

ولو صح كل ما يذكر مما اعتمد عليه الكاتب في تمييز صفات هؤلاء الأربعة وصفة بني أمية عامة؛ لكان طريق أهل الإسلام أن يحملوه على الخطأ في الاجتهاد من الصحابي المخطيء ، ولا يدفعهم داء العصر أن يوغلوا من أجل خبر أو خبرين في نفي الدين والخلق والضمير عن قوم هم لقرب زمانهم وصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أهل الإسلام بأن يعرفوا حق الله وحق رسوله ، وأن يعلموا من دين الله ما لم يعلمه مجترئ عليهم طعان فيهم.

وأختم كلمتي هذه بقول النووي في شرح مسلم (16/93): ((اعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات ، سواء من لابس الفتن منهم وغيره؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون ، وقال القاضي: سب أحدهم من المعاصي الكبائر ، ومذهبنا ومذهب الجمهور أن يعزر ولا يقتل ، وقال بعض المالكية يقتل)).

وأسدي النصحية لمن كتب هذا وشبهه أن يبرأ إلى الله علانية مما كتب ، وأن يتوب توبة المؤمنين مما فرط منه ، وأن ينزه لسانه ويعصم نفسه ويطهر قلبه ، وأن يدعو بدعاء أهل الإيمان: ] رَبَّنا اغفِرْ لَنا ولإخوانِنا الَذينَ سَبَقُونا بالإيمانِ ولا تَجعَل في قُلوبِنا غِلا للذينَ آمَنُوا رَبّنا إنَكَ رَؤوفٌ رحِيمٌ [

من أجل هذا أقول: إن خلق الإسلام هو أصل كل منهاج في العلم والفهم ، سواء كان العلم تاريخاً أو أدباً أو اجتماعاً أو سياسة ، وإلا ؛ فنحن صائرون إلى الخروج عن هذا الدين ، وصائرون إلى تهديم ما بناه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلى جعل تاريخ الإسلام حشداً من الأكاذيب الملفقة والأهواء المتناقضة ، والعبث بكل شيء شريف ورثتنا إياه رحمة الله لهم ، وفتح الله عليهم ، ورضاه عن أعمالهم الصالحة ، ومغفرته لهم ما أساءوا رضي الله عنهم ، وغفر لهم وأثابهم بما جاهدوا وصبروا وعَلِموا وعلّموا ، وأستغفر الله وأتوب إليه.

رد سيد قطب على محمود محمد شاكر مجلة (الرسالة العدد (977 ، بتاريخ 24مارس 1952م
إلى أخي الاستاذ: رجب البيومي …السلام عليكم ورحمة الله ، وبعد: فإنني لم أرد أن أدخل بينك وبين الأستاذ شاكر فيما شجر بينكما من خلاف حتى ينتهي إلى نهاية كما انتهى ، ذلك أنني كنت حريصاً على أن أدعك ورأيك ، وألا أبدأ تعارفي بك في زحمة الجدل ، وإن ظن أخونا شاكر أن بيننا صحبة وثيقة ، وهي التي تدفعك إلى رد تهجمه أو تقحمه ، حتى لقد أنذرنا معاً عداوة يوم القيامة: ] الأخِلاءُ يَوْمئَذٍ بعْضُهُم لِبَعضٍ عَدوُّ [ ؛ لأن مألوف الناس قد جرى في هذا الزمن الصغير على أن الحق وحده أو الرأي وحده لا يكفي لأن يدفع كاتباً فيكتب دون هوى من صداقة أو علاقة .

ولو كانت بيننا معرفة سابقة ، ولو استشرتني قبل أن تدخل مع صاحبنا في جدل حول ما أثاره من صخب وما نفضه من غبار ؛ لأشرت عليك ألا تدخل ، ولآثرت لك ما آثرته لنفسي من إغضاء وإغفال … ذلك أنني لم استشعر في هذا الصخب الصاخب أثراً من صفاء نية ، ولا رغبة في تجلية حقيقة (4) ، ولو استشعرت شيئاً من هذا ؛ ما تركت صاحبي دون أن أجيبه ، على الأقل من باب الأدب واللياقة ، ولكنني اطلعت على أشياء ، ما كان يسرني والله أن أطلع عليها ، في نفس رجل ربطتني به مودة ، أصفيتها له في نفسي ، بعدما كان بيننا من جدل قديم ، يعرفه قراء ((الرسالة ))) عام (1938م) ، وما أزال أرجو أن أكون مخطئاً فيما أحسست به ، وأن تبقى لي عقيدتي في ضمائر الناس وفي الخير الذي تحتويه فطرتهم.

ولو كانت الحقائق هي المقصودة لما احتاج الكاتب الفاضل إلى اصطناع مثل هذا الأسلوب الصاخب المفرقع ، ولما لجأ منذ مقاله الأول في ((المسلمون)) إلى الشتم ، والسب والتهم بسوء النية ، وسوء الخلق والنفاق والافتراء ، والسفاهة ، والرعونة(5)… إلى آخر ما خاضه – ويغفر الله له فيه – فبدون هذا تعالج أمور النقد العلمي ، وبغير هذا الأسلوب يمكن تمحيص الحقائق(6) .

إنه لا ((معاوية )) ولا ((يزيد)) ، ولا أحد من ملوك بني أمية قد اغتصب مال أبي أو جدي ، أو قدّم إلى شخصي مساءة ، ولا لأحد من عشيرتي الأقربين أو الأبعدين… فإذا أنا سلكت في بيان خطة ((معاوية)) في سياسة الحكم وسياسة المال ، وخطة الملوك من بعده – فيما عدا الخليفة الراشد: عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه – مسلكاً غير الذي سلكته في بيان خطة ((أبي بكر )) و ((عمر)) و ((علي)) (7) رضوان الله عليهم جميعاً ، فليس أول ما يتبادر إلى الذهن المستقيم والنية السليمة أن ما بي هو سب صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، لا عن خطأ ، ولكن عن رغبة قاصدة في إفساد الإسلام ، وسوء نية في تدنيس المسلمين !!

وكتاب ((العدالة الاجتماعية )) مطبوع متداول منذ أربع سنوات ، وطبعته الثالثة في المطبعة ، والصخب حوله الآن فقط قد يشي بشيء لا أرضاه للصديق ، وقد قرأه الناس في أنحاء العالم الإسلامي ، فلم يستشعر أحد من موضوعه ولا من سياقه أن النية السيئة المبيتة لهذا الإسلام وأهله هي التي تعمر سطوره ، إنما أحس الألوف الذين قرؤوه – أو على الأقل المئات الذين أبدوا رأيهم فيه – أن كل ما كان يعنيني هو أن أبرئ الإسلام من تهمة يلصقها به أعداؤه ، وشبهة تحيك في نفوس أصدقائه(8) و (المستشرقين ) ، وهم الذين فرحوا بكتابك وترجموه إلى لغاتهم.) ؛ إذ يحسبون أن سياسة بني أمية في الحكم وسياستهم في المال تحسب على الإسلام ، والإسلام بريء من هذا الاتهام.

روى سعيد بن جمهان ، عن سفينة مولى رسول الله e؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ، ثم ملك بعد ذلك )) ، ثم قال سفينة: امسك: خلافة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي . فوجدناها ثلاثين سنة ، قال سعيد : قلت له : إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم. قال : كذبوا بنو الزرقاء ، بل هم ملوك من شر الملوك(9)) ، فإنه قد تفرد بها حشرج بن نباتة عن سعيد ابن جمهان ، وانفرد بروايتها عن حشرج الإمام الترمذي من بين جميع الأئمة الذين أخرجوا حديث سفينة هذا. فقد أخرجه أبو داود في (سننه) (كتاب السنة ، حديث 4646-4647) من طريق عبد الوارث بن سعيد ، ومن طريق العوام بن حوشب . كلاهما من طريق حماد بن سلمة ، عن سعيد بن جمهان ،به. ورواه الحاكم أيضاً في المستدرك (3/145) من طريق عبد الوارث بن سعيد ، ولم يذكر أحد من هؤلاء الأئمة هذه الزيادة التي رواها الترمذي عن حشرج بن نباتة؛ فهي زيادة شاذة ، خالف فيها جماعة من الأئمة الحفاظ. ثم إنها تخالف الحديث الصحيح: ((لا تزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة)) رواه مسلم (كتاب الإمارة ،حديث 1821/7) ، وهو يشمل خلفاء بني أمية . ويلاحظ على سيد قطب: 1. أنه – مع احتجاجه بهذا الحديث – قد أسقط خلافة عثمان في مقالة هذا وقبله في ((العدالة)). أنه لم يأبه بالجزء الثابت من الحديث الذي فيه أن عثمان أحد الخلفاء ، وتعلق بالجزء الضعيف الشاذ منه ، ألا يدل ذلك على الهوى الجامح ؟ بل لم يبال بكل ما ورد من الأحاديث الصحيحة في فضل عثمان رضي الله عنه ، وما ساقه له محمود شاكر في فضل معاوية ، ولم يبال بما قرره الصحابة والتابعون وأئمة الهدى في فضل عثمان ومكانته وأنه خليفة راشد.) . رواه أصحاب السنن بسند حسن.

وأحسب لقد كان بنفسي وأنا أعرض النظام الاجتماعي في الإسلام أن أقول شيئاً كالذي قاله مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا عداء شخصياً لبني أمية ، ولكن تبرئة للإسلام من أن تحسب عليه سياسة لا يعرفها ؛ لا في الحكم ولا في المال ، والإسلام منها بريء(10)؛ من مكوس ظالمة ، واشتراكية غالية ، مأخوذة من النظم الشيوعية الحمراء ، وبرأ الله الخلافة الإسلامية السمحة مما تلصقه بها.) ؛ فيجب أن يعرف الناس براءته ، وأن يعرض عليهم في صورته التي عرفتها الخلافة السمحة ، وأن ينفى عنها ما لحقه في عهود الظلام والاستبداد . وما كان لي بعد هذا؛ وأنا مالك زمام أعصابي ، مطمئن إلى الحق الذي أحاوله ، أن ألقي بالاً إلى صخب مفتعل ، وتشنج مصطنع ، وما كان لي إلا أن أدعو الله لصديقنا ((شاكر )) بالشفاء والعافية والراحة مما يعاني ، والله لطيف بعباده الأشقياء. أما أنا ؛ فما أحب أن يكون لي مع قوم خرجوا على خليفة رسول الله ، وقتلوا ابن بنت رسول الله ، وحرقوا بيت الله ، وساروا في سياسة الحكم وسياسة المال على غير هدى من الله … أدب رفيع من أدب مولى رسول الله الذي أدبه ورباه(11)

سيد قطب


نقلا من كتاب مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للشيخ ربيع بن هادي المدخلي


------------------------------------------------------------------ 1) كذا ولعله الذمم. . 2) انظر: (8/236 ، طبعة دار صادر ، 1377 . 3) الظاهر أنه يقصد الخبر الأول الذي فيه: ((ما كان على الأرض أهل خباء... الحديث ، انظر: خ(4/217 ، رقم 6641 ، ط/ السلفية. . 4) انظر إلى هذه الإتهامات التي تصدر ممن لا يحترم أصحاب رسول الله e ولايرى ما أثاره حوله صخباً ، ويرى أن الدفاع عنهم صخبٌ ليس فيه صفاء نية ولا رغبة في تجلية حقيقة . 5) مجلة (الرسالة العدد (977 ، بتاريخ 24مارس 1952م. . 6) هلا التزمت بهذا المنهج عندما تحدثت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أتأمر الناس بالبر عند الكتابة عنك وتنسى نفسك عندما تكتب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ . 7) ولماذا أسقطت عثمان رضي الله عنه ؟ الا يدل هذا على أنك تبغض هذا الخليفة العظيم ، وتنظر إليه بعين أعدائه من (الروافض و (الخوارج ؟ ثم ما ذكرته من خطة بني أمية ؛ ألم يكن مليئاً بالكذب والافتراء عليهم وعلى عثمان وعلى من عاصرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ . 8) أتبريء الإسلام بالطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ إن هذا لهو العجب حقاً إن أسلوبك هذا ليرضي (الروافض . 9) هذا الحديث حسن ، إلا قوله : ((إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم ، قال: كذبوا بنوا الزرقاء ، بل هم ملوك من شر الملوك . 10) بل الإسلام بريء مما قررته في كتبك ، ومنها: (العدالة الإجتماعية . 11) أليس عثمان خليفة رسول الله ؛ فلماذا لم تتأدب معه كما تأدب سفينة معه وكما تأدب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ بل كانت الملائكة تستحي منه؛ فلماذا لم تستح منه؟ ولماذا تجاوزت حدود الأدب معه ،فأسقطت خلافته ، وأدعيت عليه الدعاوى الباطلة ، وفضلت فيه تلاميذ ((ابن سبأ؟ وأما قتلة الحسين رضي الله عنه ؛ فالناس يعرفون من هم ، ويعرفون من الذي هدم الكعبة . ولم يحقد على بني أمية أحد من المسلمين كحقدك إلا (الروافض و (الخوارج .