عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 05-12-2004, 04:38 AM
يتيم الشعر يتيم الشعر غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2001
الإقامة: وأينما ذُكر اسم الله في بلدٍ عدَدْتُ أرجاءه من لُبِّ أوطاني
المشاركات: 5,873
إرسال رسالة عبر MSN إلى يتيم الشعر إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى يتيم الشعر
إفتراضي حكم التحايل للحصول على الحقوق

أعمل في شركة قطاع خاص ، و صاحب العمل لا يعطيني حقي من الحوافز ، و بدل الوقت الاضافي لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات ، والآن تتوفر تحت يدي بعض الممتلكات الخاصة بالشركة ، وصاحب الشركة لا يعلم عنها شيئا ، فهل يجوز لي أن أقوم ببيع هذه الأشياء لأستوفي منها حقي المسلوب أم لا يجوز ؟





بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
يقول الشيخ حامد العطار -الباحث الشرعي بالموقع-:
إذا كان صاحب العمل يعترف بهذا الحق الذي لك إلا أنه يصر على عدم إعطائه لك اعتداء وظلما جاز لك أن تأخذ بقدر حقك من غير زيادة، أما إذا كانت حقوقك هذه محل نزاع وخلاف بينك وبينه فلا يجوز لك أن تأخذها، فإذا كنت تستحقها وليست لك بينة واضحة ولا دليل فالراجح عدم جواز أخذها.

جاء في فتاوى ابن تيمية :-
إذا كان لرجل عند غيره حق من عين مثل الأشياء المادية كالكتب وغيرها أو دين . فهل يأخذه أو يأخذ ما يساويه بغير إذنه ؟
فإننا نبحث عن سبب استحقاق هذا الرجل لهذه الأشياء ، ولا تخلو هذه المسألة من وجهين :-

أحدهما : أن يكون سبب الاستحقاق ظاهرا
لا يحتاج إلى إثبات مثل استحقاق المرأة النفقة على زوجها ، واستحقاق الولد أن ينفق عليه والده ، واستحقاق الضيف الضيافة على من نزل به فيجوز لصاحب الحق هنا أن يأخذ حقه بدون إذن من عليه الحق بلا ريب ، ما دام لا يستطيع التوصل إليها بالطرق المشروعة ، وأصر من عليه الحق أن لا يعطيها له .

والدليل على ذلك :-
ما ثبت في الصحيحين { أن هند بنت عتبة بن ربيعة قالت : يا رسول الله : إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني من النفقة ما يكفيني وبني . فقال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف }
فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تأخذ نفقتها بالمعروف بدون إذن زوجها .
وهكذا من علم أنه غصب منه ماله ، أو سرقه منه غصبا ظاهرا ، وسرقة واضحة ، بحيث أصبح أمرا يعرفه الناس ، فيجوز له حينئذ أن يأخذ حاجته المسروقة أو المغصوبة أو ما يساويها ، ومثل ذلك أن يمنع صاحب الشركة عن الموظف مرتبه لغير سبب سوى السرقة والنصب ، بخلا ف ما إذا منعه عنه عقابا له على إخلاله في العمل . وكذلك لو كان له دين عند الحاكم وهو يجحده وينكره ، أو يماطله ، فله أن يأخذ من ماله بقدر حقه دون زيادة .

وثانيهما : ألا يكون سبب الاستحقاق ظاهرا
مثل أن يكون من عليه الحق قد جحدالدين ، أو أنكره ، ولا يوجد مع صاحب الحق بينة ولا دليل ، ومثل ذلك الحوافز والعمولات التي يقع فيها التنازع ، فصاحب العمل يقول للعامل : أنت لا تستحق هذا لكذا وكذا ، والعامل يزعم أنه يستحق ، فهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم ، فقد ذهب مالك وأحمد إلى عدم جواز أخذ هذا الحق بدون إذن من عليه الحق ، بينما ذهب الشافعي إلى جواز أخذ هذا الحق أو ما يساويه ، أما أبو حنيفة فقال بجواز أخذ الحق من نوع الحق المغصوب ، فإذا كان له مال أخذ مالا ، أما إذا كان له كتب مثلا أو ملابس أو بضاعة فلا يجوز أن يأخذ مالا بدلا منها ، لأن هذه معاوضة ، وهي لا تجوز إلا بالتراضي والاتفاق ، أما الشافعي فإنه يرى أن الإذن بالمعاوضة هنا سقط لعدم إمكانه .

أما الأدلة على هذه الأقوال :-
فقد استدل المالكية والحنبلية الذين يرون عدم جواز أخذ الحق المتنازع فيه بما روي في السنن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك }
وبما روي في المسند عن { بشير بن الخصاصية أنه قال : يا رسول الله إن لنا جيرانا لا يدعون لنا شاذة ولا فاذة إلا أخذوها فإذا قدرنا لهم على شيء أنأخذه ؟ قال : لا أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك } .
وفي السنن عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له : إن أهل الصدقة يعتدون علينا أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا ؟ قال : لا } رواه أبو داود وغيره .

فهذه الأحاديث تبين أن حق المظلوم في نفس الأمر إذا كان سببه ليس ظاهرا فلا يجوز له أن يأخذه لأنه خيانة ، وإن كان قصده أن يسترد حقه لا أن يخون ، لكنه خان الذي ائتمنه فإنه لما سلم إليه ماله فأخذ بعضه بغير إذنه كان خائنا ما دام سبب الاستحقاق ليس ظاهرا .

وإذا قال المظلوم : لكن حقيقة الأمر أن لي عنده حقا ، والله يعلم ذلك ، فالجواب أن دعواك هذه وإن كانت حقا في نفس الأمر إلا أنه لا بينة لك ولا دليل ، وهذا مثله مثل الزوجة في الزواج العرفي إذا رفعت دعوى على زوجها تتهمه فيها أنه ليس زوجا ، ولم يكن مع الزوج بينة ولا شهود ، فحكم الحاكم لها ومنعه منها ، فإنه لا يمكن منها وإن كانت زوجته في حقيقة الأمر لأن ذلك يفتح أبوابا كثيرة من الشر ، أيسرها أن يتشبه به من لا يعرف حقيقة الأمر .
وصار هذا كالمظلوم الذي لا يمكنه الانتصار إلا بالظلم ، كالمقتص الذي لا يمكنه الاقتصاص إلا بعدوان فإنه لا يجوز له الاقتصاص . وذلك أن الخيانة محرمة في نفسها فلا يجوز استيفاء الحق بها ، كما لو زنى شخص برجل ( وهو ما يعرف باللواط ) فلا يجوز للمظلوم أن يطلب تمكينه من الزنا بظالمه مدعيا القصاص لأن هذا محرم في ذاته فلا يمكن منه .

فإن قيل استرداد الحق ليس خيانة ، فالجواب أن النبي قال للرجل الذي يريد أن يستوفي حقه ( ولا تخن من خانك ) فدل هذا على النبي صلىالله عليه وسلم نهاه عن مقابلة الخيانة بالخيانة ، ونحن لا ننكر أن غصب الحقوق عن أصحابها خيانة ، لكن الكلام هنا في القصاص من الخيانة فهو لا يجوز ، فإن الأمور منها ما يباح فيه القصاص كالقتل وقطع الطريق وأخذ المال . ومنها ما لا يباح فيه القصاص : كالفواحش والكذب ونحو ذلك . قال تعالى في الأول : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } . وقال : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } . وقال : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } . فأباح العقوبة والاعتداء بالمثل . فلما قال هاهنا : { ولا تخن من خانك } علم أن هذا مما لا يباح فيه العقوبة بالمثل .

والله أعلم
نقلا عن قتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية بتصرف
__________________
معين بن محمد