عرض مشاركة مفردة
  #14  
قديم 06-07-2005, 09:34 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

[size=5]هذا رأي الإسلام في شركات المساهمة، سواء وافق النظام الرأسمالي أو خالفه، يجب أن يقال وأن يُعمل به وحده، ويحرم أن يُفترى على الإسلام غيره، ويحرم أن يُعمل بسواه. والآن المطلوب هو رأي الإسلام في شركة المساهمة وليس جعل الإسلام يقول رأي النظام الرأسمالي في شركة المساهمة.

ومثلاً حين يُسأل المسلمون عن التأمين "السكورتاه" لا يُسألون هل الإسلام قادر على أن يقول ما يقوله النظام الرأسمالي في التأمين حتى يصبح صالحاً لمجاراة العصر، وإنّما يُسأل ما هو رأي الإسلام في التأمين؟ فيكون الجواب أن واقع المشكلة في التأمين أنه ضمان من شركة التأمين للشخص أو السيارة أو البضاعة أو الممتلكات أو غير ذلك بأن تعطي المؤمَّن عين ما خسره أو ثمنه أو مبلغاً من المال حين حصول حادث ما يعيّنانه خلال مدة معينة مقابل مبلغ معين. هذا هو واقع التأمين، فهو ضمان، ولذلك يُطبَّق عليه حكم الإسلام في الضمان. والرسول صلى الله عليه وسلم قد بيّن في الحديث حكم الضمان، فقد روى أبو سعيد الخُدري قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فلمّا وُضعت قال: هل على صاحبكم من دين؟ قالوا: نعم، درهمان. فقال: صلوا على صاحبكم. فقال علي: هما عليّ يا رسول الله وأنا لهما ضامن، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل على علي فقال: جزاك الله خيراً عن الإسلام وفكّ رهانك كما فككتَ رهان أخيك). فهذا الحديث واضح فيه أنه ضم ذمة إلى ذمة، أي ضُمت ذمة علي لذمة المدين، وواضح فيه أنه ضمان حق ثابت في الذمة، وواضح فيه أن فيه ضامناً ومضموناً عنه وهو المدين ومضموناً له وهو الدائن، وواضح فيه أنه بدون عِوَض، ولذلك عُرّف الضمان شرعاً بأنه ضم ذمة إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق دون عِوَض، أي هو التزام حق في الذمة من غير معاوضة. فعلى هذا يكون الحكم الشرعي في التأمين أنه حرام لا يجوز. وذلك لأنه ليس فيه ضم ذمة إلى ذمة، لأن شركة التأمين لم تضم ذمتها إلى أحد، ولأنه لا يوجد فيه حق مالي للمؤمن عند أحد قد التزمته شركة التأمين، ولأنه لا يوجد فيه مضمون عنه، ولأنه جرى بمعاوَضة. فهو خالٍ من جميع شروط التأمين التي اشترطها الشارع، ولذلك كان باطلاً. والمعاملات الباطلة حرام فكان التأمين حراماً. هذا رأي الإسلام في التأمين سواء وافق النظام الرأسمالي أم خالفه. فكون الشريعة الإسلامية صالحة لمعالجة مشاكل العصر لا يعني أن تعالجها حسب ما يكون النظام السائد في العصر أو المشهور فيه، وإنّما أن تبين رأيها فيه مهما كان هذا الرأي.

ومثلاً التجارة الخارجية أو العلاقات التجارية مع الدول، لا يُسأل المسلمون هل يقول الإسلام بحرية المبادلة أم بالحماية التجارية أم بسياسة الاقتصاد القومي أم بسياسة الاكتفاء الذاتي؟ لا يُسأل هذا السؤال، وإنّما يُسأل ما هو رأي الإسلام في العلاقات التجارية؟ والجواب على ذلك هو أن الله سبحانه وتعالى حين قال: (وأحلّ الله البيع)، وحين قال: (إلاّ أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم) (إلاّ أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم)، قد أباح البيع والتجارة بلفظ العموم فهو يشمل كل بيع وكل تجارة سواء أكانت داخل سلطان الدولة الإسلامية أم خارجها، وهذا يشمل كل من يحمل تابعية الدولة الإسلامية، مسلماً كان أو غير مسلم. أمّا من لا يحمل تابعة الدولة الإسلامية فهو حربي سواء أكان حربياً فعلاً وهو من تكون حالة الحرب قائمة بيننا وبين دولته كاسرائيل، أم حربياً حكماً بأن لم تكن هنالك حالة حرب بيننا وبينهم كألمانيا. والحربي لا يدخل البلاد إلاّ بإذن خاص له لكل سفرة إن لم تكن بيننا وبين دولته معاهدة، أو حسب نصوص المعاهدة إن كانت بيننا وبين دولته معاهدة. وهذا الحكم في حق الحربي هو نفسه الحكم في حق ماله أي في تجارته التي يملكها. وهذا يعني أن التجارة الخارجية مباحة لرعايا الدولة الإسلامية دون قيد إلاّ السلع التي يكون فيها ضرر محقق فتُمنع هذه السلع فقط ما دام يتحق فيها الضرر قطعاً. وأمّا لغير رعايا الدولة فإن للدولة أن تضع لها القيود التي تراها بمعاهدات أو غير ذلك حسب أحكام الحربيين. فهذا الحكم الشرعي لا يُسأل عنه أي يوافق العصر أم لا، أي لا يُسأل عنه هل يوافق ما يقوله التشريع السائد في العصر، وإنّما يُسأل عنه فقط حسب دليله، ويقال ما يدل عليه الدليل مهما كان هذا الرأي.

ومثلاً المصارف "البنوك" لا يُسأل المسلمون هل الإسلام قادر أن يقول فيها ما يقوله النظام الرأسمالي من تنظيمها وإباحة الربا فيها بفائدة معقولة، وإنّما يُسأل المسلمون ما هو رأي الإسلام في المصارف "البنوك"؟ فيكون الجواب أن واقع المشكلة في البنوك هو أن البنك يقوم عمله بصورة رئيسية على الربا في القروض الطويلة الأجل والقصيرة الأجل، والحساب الجاري والاعتمادات وما شابه ذلك، ويقوم كذلك بتوصيل المال من بلد إلى بلد وبحفظ الأمانات. أمّا توصيل المال وحفظ الأمانات فهو مباح شرعاً سواء أكان بأجرة أم بغيرة أجرة. وأمّا معاملات الربا كلها فإنها حرام قطعاً لأن الله يقول: (وحرّم الربا)، ويقول: (وإن تُبتم فلكم رؤوس أموالكم)، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنّما الربا في النسيئة)، ويقول: (والذهب بالذهب والفضة بالفضة يداً بيد عيناً بعين مِثلاً بمِثل، فما زاد فهو ربا)، وكلمة الربا في القرآن والحديث جاءت عامة تشمل كل ربا لأنها اسم جنس محلى بالألف واللام فيشمل جميع أنواع الربا سواء أكان ربا الفضل أم ربا النسيئة، وسواء أكان رباً معروفاً في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم أم كان غير ربا معروف وصار جديداً. ولهذا لا يوجد أي احتمال لحِل أي نوع من أنواع الربا لعموم اللفظ. والعام يبقى على عمومه ما لم يَرِد دليل التخصيص، وهنا لم يرد مخصص فيظل على عمومه. على أن قوله تعالى: (فلكم رؤوس أموالكم) وقول الرسول: (فما زاد فهو ربا) صريح في تحريم كل ما يزيد على رأس المال من ربا مهما قل، ومهما كان اسمه ومهما كان نوع معاملاته. فكان الربا كله حرام.

هذا هو رأي الإسلام في الربا سواء وافق النظام الرأسمالي أم خالفه وسواء وافق العصر أم خالفه، وافق المصلحة أم خالفها، وافق المجتمع أم خالفه، كل ذلك لا قيمة له ما دام الدليل الشرعي يدل على حرمته. فليس كون الشريعة الإسلامية صالحة لأنه لا يوجد فيها ما يُحلل الربا لموافقة العصر أو لمراعاة المصلحة أو للمحافظة على الوضع الاقتصادي، بل هي صالحة لأنها قادرة على أن تقول رأيها في المشكلة مهما كان هذا الرأي. والربا من المسائل التي لا توجد إلاّ في المجتمع الرأسمالي، فلا توجد في المجتمع الشيوعي ولا في المجتمع الإسلامي. فحين يُطلب رأي الإسلام فيه أو رأي الشيوعية، يُطلب الرأي في واقع المشكلة وليس الرأي الذي يوافق ما يقوله النظام الرأسمالي.

وهكذا جميع المسائل التي تحدى النظام الرأسمالي فيها نظام الإسلام وهاجم فيها التشريع الإسلامي لأنه لا يستطيع مجاراة العصر ولا توجد فيه حلول لمشاكل لم يكن رد المسلمين فيها ببيان رأي الإسلام كما دلت عليه الأدلة الشرعية التفصيلية، وإنّما كان بمحاولة إيجاد حلول في الإسلام تقول بما يقوله النظام الرأسمالي. وبالطبع لا يمكن أن توجد هذه الحلول للتناقض البيّن بين النظام الرأسمالي وبين الإسلام، لذلك كانوا ينهزمون ويحاولون تأويل الإسلام ليوافق النظام الرأسمالي والتشريع الغربي. وقد شاع هذا وذاع ووُجدت من جرائه مفاهيم مغلوطة هي على درجة كبيرة من الخطر على المسلمين وعلى الإسلام نفسه، فقد وُجد مفهوم "أن الإسلام مرن متطور" ومفهوم "لا بد للإسلام من مسايرة الزمن" ووُجد مفهوم "أن لا بد من إيجاد انسجام بين الإسلام وبين العالم الحديث"، وما شاكل ذلك من مفاهيم، وهي تعني أن الإسلام يمكن تأويله فيقول الرأي الذي يريده أي إنسان منه ولو ناقض أسس الإسلام وأحكامه، فهذا هو معنى مرونته وتطوره، ويعني أن الإسلام يقول الرأي الذي يتفق مع ما هو سائر بين الناس ولو ناقض أسس الإسلام وأحكامه، فهذه مسايرة الزمن. ويعني أننا لا يصح أن نسير بجهة والكفار بجهة لأنهم هم الذين يسودون في العالم الحديث فيجب أن نؤوِّل الإسلام ليوافق ما عليه الكفار حتى نوجِد انسجاماً بينه وبين العالم الحديث.

وهذه المفاهيم المغلوطة يعني الأخذ بها ترك الإسلام واتباع النظام الرأسمالي، لأن الإسلام يناقض النظام الرأسمالي ولا يمكن إيجاد توفيق أو انسجام بينهما. فكل دعوة للتوفيق أو الانسجام بين الإسلام والكفر هي دعوة لأخذ الكفر وترك الإسلام. وفي هذا ما فيه من خطر على المسلمين وعلى الإسلام. صحيح أن الإسلام جاء بخطوط عريضة أي معان عامة وتَرك للعقل البشري أن يستنبط من هذه المعاني العامة الأحكام الشرعية للمشاكل المتجددة كل يوم والمتعددة بتعدد الوقائع، ولكن ذلك لا يعني أن هذا مرونة وتطور فيمكن المرء أن يأخذ أي حكم يريده منها، لأنها لا تعطي إلاّ ما فيها مما دل عليه اللفظ أو المعنى الذي دل عليه معنى اللفظ ولا يعطي ما لا يُفهم دلالة في إحدى الدلالات المعتبَرة. وكذلك لا يعني أن هذه المعاني العامة تساير كل عصر وكل زمن بل يعني أن كل عصر وكل زمن يجد حلول المشاكل التي تحصل فيه في هذه الخطوط العريضة حسب وجهة النظر التي فيها وحسب ما يدل عليه منطوق جُملها أو مفهومها لا حسب العصر والزمن من وجهة نظر أو حسب ما يسود في العصر من معالجات وأحكام.

أمّا مفهوم إيجاد انسجام بين الإسلام وبين العالم الحديث، فإنه يعني ترك الدعوة الإسلامية ويعني فوق ذلك حمل أفكار الكفر للمسلمين ودعوتهم لأخذها. إن العالم الحديث ليس الصناعات والاختراعات ولا العلوم والاكتشافات، فإن هذه ليست محل نزاع بين العالم وليست في حاجة إلى إيجاد انسجام بينها وبين الإسلام، بل العالم الحديث الذي كانوا يدعون لإيجاد انسجام بين الإسلام وبينه هو ما يسود في العالم من مبادئ وأنظمة، وهو يعني بالنسبة لنا معاشر المسلمين طريقة الغرب في الحياة ونظام الغرب في معالجة المشاكل، أي على حد تعبيرهم "ايديولوجية الغرب". هذا هو العالم الحديث الذي كانوا يريدون أن يوجِدوا الانسجام بين الإسلام وبينه. وهذا العالم الحديث هو محل نزاع بيننا معاشر المسلمين وبين الغرب الكفار الرأسماليين. فالعالم الحديث يعني الرأسمالية ومعها الديمقراطية والقانون المدني وما شابه ذلك. وهذا كله في نظر الإسلام كفر لا بد من محاربته وإزالته وإقامة حكم الإسلام، أي جعْل طريقة الإسلام في الحياة هي السائدة، ونظام الإسلام في معالجة المشاكل هو الذي يتحكم في البشر، أي على حد تعبيرهم "ايديولوجية الإسلام" هي التي يجب أن تَحِل محل "ايديولوجية الغرب"، فكيف يمكن أن يفكر مسلم بأن يحاول إيجاد الانسجام بينه وبين هذا الكفر الذي يجب على المسلم محاربته لإزالته وإحلال الإسلام محله؟