عرض مشاركة مفردة
  #17  
قديم 06-07-2005, 09:38 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

ثم يختم القصيدة في تحذير المسلمين من عاقبة إلغاء الخلافة وينهى عن إعطائها للشريف حسين الذي خان الأمّة الإسلامية وحارب الجيش الإسلامي إلى جانب الانجليز الكفار، ويعطي نبوءة فيما سيحصل من جراء إلغاء الخلافة بأنه سيكثر دعاة الكفر والضلال لتحويل المسلمين عن دينهم وسيشهد المسلمون في كل بقعة من بقاع البلاد الإسلامية فتنة للمسلمين عن إسلامهم وتحويلاً عن الحق إلى الباطل وعن الهدى إلى الضلال وسيكون الدليل لكل شخص المال والإرهاب أي الوعد والوعيد. فيذكر أولاً نصرته للخلافة في كل أيامه ثم يخلص للنبوءة فيقول:

مَن قائلٍ للمسلمين مقالة لم يوحها غير النصيحة واح

عهد الخلافة في أول ذائد عن حوضها بيراعه نضاح

حب لذات الله كان ولم يزل وهوى لذات الحق والإصلاح

إني أنا المصباح لست بضائع حتى أكون فراشة المصباح

غزوات (أدهم) كللت بذوابلي وفتوح أنور فصلت بصفاحي

ولت سيوفهما وبان قناهما وشبا يراعي غير ذات يراح

لا تبذلوا بُرد النبي لعاجز عزل يدافع دونه بالراح

بالأمس أوهى المسلمين جراحة واليوم مد لهم يد الجراح

فلتسمعن بكل أرض داعياً يدعو إلى الكذاب أو لسجاح

ولتشهدن بكل أرض فتنة فيما يباع الدين بيع سماح

يفتى على ذهب المعز وسيفه وهوى النفوس وحقدها الملحاح

أي أن المعز لدين الله الفاطمي حين دخل القاهرة مد الذهب والسيف وقال: هذا حسبي وهذا نسبي، فقالوا له: أنت ابن بنت رسول الله. فيقول الشاعر إنه سيُفتى على ذلك أي على المال والخوف.

فهذه الثقة التي تدل على لوعة في القلب على زوال الخلافة كانت عند أفراد قد يُعدون بالمئات وقد يُعدون بالآلاف ولكنهم أفراد ولم يكن عند الأمّة الإسلامية منها شيء. ولذلك ألغيت الخلافة ودُمرت الدولة الإسلامية تدميراً تاماً وأزيل الإسلام من الوجود السياسي ومن المجتمع في الأرض كلها ولم يحرك ذلك الأمّة الإسلامية أدنى حركة، فكان هذا دليلاً على مبلغ ما وصل إليه الخلل في كيانها. ثم باشر الكفار حكم المسلمين بالنظام الرأسمالي في جميع أنحاء الأرض، ثم وضعوا مكانهم حكاماً من المسلمين ولكن أشد منهم عداء للإسلام وأحرص على محوه. وها قد مضى الآن أربعون عاماً أو يزيد والأمّة الإسلامية تحت سلطان الكفر وتحت نفوذ الكفار حتى أشرفت على خطى الفناء، ولم يبق بينها وبين الفناء إلاّ مسألة زمن، إلاّ أن يتداركها الله برحمته، إذ ما بقي لها من الإسلام كلمة. أليس فصل الدين عن الدولة رأياً عاماً يسود جميع أوساطها لا فرق بين الأوساط السياسية وبين الأوساط الشعبية ولا بين أوساط المتعلمين وأوساط المتدينين ولا بين الشباب والشيوخ، فكلهم صار فصل الدين عن الدولة عندهم رأياً عاماً وعرفاً عاماً.

وعقيدة فصل الدين عن الدولة عقيدة كفر وكل من يعتقدها مرتدّ عن الإسلام، إذ الكفر بقوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) كالكفر بقوله تعالى: (أقيموا الصلاة)، والكفر بقوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) كالكفر بقوله تعالى: (وآتوا الزكاة). وعقيدة فصل الدين عن الدولة هي كفر بآيات الحكم والسلطان، وآيات العقوبات والمعاملات، وإيمان بآيات العقائد والعبادات ليس غير، والله تعالى يقول: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشد العذاب)، ويقول: (إن الذين يكفرون بالله ورسوله ويريدون أن يفرّقوا بين الله ورسوله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً أولئك هم الكافرون حقاً).

والأمّة الإسلامية فوق كونها تفصل الدين عن الدولة عملياً فإن هذا الفصل صار رأياً عاماً عندها، أي صار ما يراه جماعة المسلمين في كل مكان كجماعة وكرأي عام، وإن كان أكثر الأفراد لا يعتقدونه ولكنهم يرونه مع ما يراه الناس. ثم أليست الرابطة بين شعوبها صارت رابطة صداقة أو رابطة جوار أو رابطة مصلحة، وانعدمت فيها رابطة الأخوة الإسلامية، وصار الرأي العام لا ينطق برابطة الأخوة الإسلامية بين إيران والعراق ولا بين سوريا وتركيا ولا بين الأفغان والهند، وإنّما ينطق برابطة الصداقة والجوار والمصلحة المشتركة، ولم يبق ينطق برابطة الأخوة الإسلامية إلاّ الأفراد، مع أن الرابطة الوحيدة التي تربط المسلمين مع بعضهم إنّما هي رابطة الإسلام ليس غير، فإن الله تعالى يقول: (إنما المؤمنون إخوة)، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (المسلمون أخو المسلم). ولم يقف الحال عند رابطة الشعوب بل صارت رابطة الشعب الواحد هي الوطنية أو القومية، ولم يعد الرأي العام يرى رابطة الإسلام تربط بين أفراد أي قطر من الأقطار التي تشكل دولاً في هذا العالم الإسلامي. ثم أليس قد استساغ المسلمون أن يكون التركي في سوريا أجنبياً، والإيراني في لبنان أجنبياً، والهندي في الحجاز أجنبياً، ورضوا أن يسمى المسلم أجنبياً في بلاد الإسلام؟ ثم أليس المسلمون يهزهم النداء للوطن فتثور مشاعرهم ولا تتحرك لهم عاطفة النداء للخلافة الإسلامية أو إعادة حكم الإسلام؟ ثم أليسوا على قناعة بأن مجابهة النصراني بأنه كافر عمل غير لائق وأنه مواطن من المواطنين، والله يقول: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم)؟ ثم إن مفهوم الجهاد حرب دفاعية لا حرب هجومية، ومفهوم الاحتكام إلى نظام الكفر، ومفهوم الحياد بين الدول، ومفهوم السياسة كذب ودجل، ومفهوم الإسلام ديمقراطية، ومفهوم الاشتراكية في الإسلام، وغير ذلك من المفاهيم التي يعتبرها الإسلام مفاهيم كفر، هي المفاهيم السائدة عند المسلمين. ثم أليس مقياس المسلمين صار المنفعة بدل الحكم الشرعي، وصار مقياس الأحكام الشرعية موافقتها للمصلحة لا الدليل الشرعي، وأصبح العقل مقياس الحُسن والقُبح وليس الشرع، بل يخضع الشرع للعقل، وصار مقياس العداء للدول الغربية كونهم مستعمِرين فقط وليس كونهم كفاراً؟ ثم أليس يستبعد جميع المسلمين رجوع الإسلام وإقامة الدولة الإسلامية، بل يعتبره الكثيرون من المستحيلات؟؟؟