عرض مشاركة مفردة
  #20  
قديم 06-07-2005, 09:43 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

[size=5]

هذه هي الطريقة التي تجعل الوقائع والحوادث تنطق بصحة أفكار الإسلام وأحكامه وصدقها، وهي الاشتغال بالسياسة على أساس الإسلام، أي ببث أفكار الإسلام وأحكامه على الأساس السياسي، وبعبارة أخرى حمل الدعوة الإسلامية في الطريق السياسي. ومن هنا ندرك السر في الحملة التي قام بها الكفار بواسطة المأجورين من المسلمين لإبعاد المسلمين عن السياسة وتنفيرهم منها وجعلها تتنافض مع سمو الإسلام وروحانيته. وندرك السر في محاربة الدول الكافرة والحكام العملاء للكفار للحركات الإسلامية السياسية، لأنها تدرك أن هذه الحركات السياسية الإسلامية هي وحدها التي تُنهض الأمّة وتقيم الدولة وتضرب الكفر وتُرجع مجد الإسلام. ومن أجل ذلك تحاربها وتنفّر المسلمين من السياسة. وإنه لن تعود ثقة الأمّة بالإسلام، ولن تنهض الأمّة الإسلامية، ولن تقام الخلافة الإسلامية وترجع الدولة الإسلامية إلاّ بالاشتغال بالسياسة على أساس الإسلام.

وعلى هذا فقضية إنقاذ الأمّة الإسلامية من الفناء هي إعادة ثقتها بصحة أفكار الإسلام وأحكامه وصدقها وصلاحيتها عن طريق جعل الوقائع والحوادث تنطق بهذه الصحة وهذا الصدق لتحصل القناعة التامة بذلك، أي عن طريق حمل الدعوة الاسلامية في طريقها السياسي، أي بالعمل لإيجاد الخلافة الإسلامية عن طريق بث الفكار الإسلامية والكفاح في سبيلها. وهذه الطريقة هي التي أوجد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمّة الإسلامية والدولة الإسلامية. فهي فوق كونها واقعاً ملموساً يحمل المرء على أن يسكله ولا يسلك سواه، هي حكم شرعي يجب التقيد به ويجب أن يُحصر السير بحسبه، ولا يصح أن يُسلك سواه. ومن هنا كانت هذه الطريقة وحدها هي التي يجب أن يسلكها المسلمون. فالعمل الوحيد الذي يجب على المسلمين اليوم أن يقوموا به قبل أن يقوموا بأي عمل آخر هو إقامة الدولة الإسلامية، أي إعادة الخلافة الإسلامية. وطريق ذلك ثورة فكرية سياسية تدمر الأفكار الباطلة وتحطم الحكم الفاسد.

وهنا يقع السؤال: ماذا تنفع أفكار الإسلام في العالم الإسلامي والكفر قد عمّ جميع أرجائه، فالعلاقات بين الأفراد تعالَج بقوانين الكفر، والعلاقات بين الدول القائمة فيه وبين رعاياها تقوم على أساس أحكام الكفر، والمسلمون أنفسهم تتحكم في عقولهم ونفوسهم أفكار الكفر، فماذا تستطيع أفكار الإسلام أن تفعل والكفر مُطبِق من جميع النواحي ولم يبق الإسلام إلاّ في المساجد والمصاحف وعند الأقلية من المسلمين؟

والجواب على ذلك أن أي مجتمع في الدنيا يعيش الناس فيه داخل جدارين سميكين يمنعان الأفكار والمشاعر الغريبة عنه من أن تتسرب إليه، أحدهما الجدار الخارجي وهو جدار العقيدة الأساسية أي الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة وعما قبلها وما بعدها وعلاقتها بما قبلها وما بعدها. والجدار الثاني هو جدار الأنظمة التي تعالج علاقات الناس وطريقتهم في العيش. فإذا أريد قلب هذا المجتمع من قِبل أهله أنفسهم وتغييره تغييراً جذرياً فلا بد من مهاجمة الجدار الخارجي أولاً وبالذات بالعقيدة الجديدة، وربط الهجوم على الجدار الخارجي بهجوم على الجدار الداخلي. إلاّ أنه لا بد أن يكون هذا الهجوم مبنياً على الأفكار التي يهاجَم بها الجدار الخارجي. فهذا الهجوم يوجِد صراعاً فكرياً بين الأفكار القديمة والأفكار الجديدة ويحصل فيه الكفاح السياسي حتى يتحطم الجدار الخارجي، وبتحطيمه يتحطم الجدار الداخلي ويحصل الانقلاب الفكري والشعوري، فيكون الانقلاب السياسي، أي يتغير المجتمع كله، أي يتغير الحكم والنظام وسائر العلاقات. وهذا ما حاوله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مجتمع مكة وما فعله في مجتمع المدينة. وهذا يحتاج إلى قوى غير عادية فكرية وجسمية حتى نستطيع نسف مثل هذا المجتمع.

أمّا المجتمع الآن في البلاد الإسلامية فإنه ليس فيه إلاّ جدار واحد هو الجدار الداخلي، وهذا لا يحتاج تغييره إلى إزالة الجدار كله بالهجوم الفكري، بل يكفي فتح ثغرة فيه للدخول داخله لتسلم الحكم فيُنسف حينئذ من الداخل مرة واحدة نسفاً انقلابياً ما دام الجدار الخارجي غير موجود، لأن الصعوبة هي في إزالة الجدار الخارجي، ولا يمكن الدخول في المجتمع إلاّ بنسفه كله قبل الدخول. ولكن ما دام الجدار الخارجي غير موجود فإن العمل أسهل بكثير مما لو كان موجوداً.

ولهذا فالمسألة لا تحتاج إلاّ إلى مهاجمة الأفكار والأحكام التي يقوم بها الجدار الداخلي وبيان الأفكار والأحكام الإسلامية التي هي عقيدة الأمّة لتعود الثقة بها، وحينئذ سهلٌ أن تُفتح الثغرة ويُنسف المجتمع. ولهذا فالعمل ليس بث الأفكار الإسلامية في مجتمع كافر، بل بث الأفكار الإسلامية لمسلمين في مجتمع غير إسلامي، أو بعبارة أخرى ليست المسألة دعوة كفار لاعتناق الإسلام وإنّما هي دعوة مسلمين للعمل للإسلام وبالإسلام عن طريق بث أفكار الإسلام والكفاح في سبيلها، وهي وإن كانت صعبة وشاقة ولكنها وحدها المنتِجة وهي أسهل بكثير من العمل في مجتمع كفار.

إلاّ أنه يجب أن يُعلم أن أعداءنا الكفار لن يتركوننا نعمل لإنهاض الأمّة الإسلامية وإقامة الخلافة الإسلامية، أي لن يمكنونا من إعادة الثقة بصحة أفكار الإسلام وأحكامه وصدقها وصلاحيتها بل لا بد أن يَحُولوا بيننا وبين القيام بهذا العمل بشتى الطرق ومختلف الأساليب. فإنهم ما زعزعوا ثقة الأمّة الإسلامية بأفكار دينها وأحكامه إلاّ من أجل تدمير دولتها وإفنائها هي إفناءً تاماً. وقد انتصروا في ذلك الانتصار الساحق، فدمروا الدولة الإسلامية وساروا بالأمّة الإسلامية في طريق الفناء حتى أشرفت على هذا الفناء بين عشية وضحاها. فهل يسمحون لها بأن تعود أمّة إسلامية تقوم عليها الخلافة الإسلامية وتظللها راية الإسلام لتستأنف أداء رسالتها بحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم؟ إنهم لن يمكنوها من ذلك وسيحاربونها أشد المحاربة، فلا بد من القيام بالعمل جبراً عنهم بكفاحهم وكفاح عملائهم وإيجاد الرأي العام بل الوعي العام الذي يكتسحهم أمامه. لذلك فإن الصعوبة ليست في بث أفكار الإسلام للمسلمين لإنهاض الأمّة وإقامة الدولة، بل الصعوبة في الصبر على كفاح الكفار والمنافقين في سبيل بث أفكار الإسلام.

إن الدول الكافرة التي شهدت الدولة الإسلامية وحكم الإسلام ولا سيما الانجليز والفرنسيين والروس سوف يحاربوننا لِما رأوا في الأمّة الإسلامية من عقائدية الدعوة إلى الإسلام، ولِما لمسوا في الدولة الإسلامية من قوة ومواصلة الجهاد في سبيل حماية الإسلام ونشر دعوته، ورأوا أن الدولة الإسلامية كانت الدولة الأولى عدة قرون، ولذلك ذاقوا وقع أسنّة المسلمين، وبطش فكر الإسلام. فهم يرتعبون من ذكره وترتعد فرائصهم من مجرد تصور عودته بعودة الخلافة الإسلامية ونهضة الأمّة الإسلامية. والدول الكافرة اليوم ولا سيما الانجليز والفرنسيون والأمريكان والروس يدركون تماماً أن الإسلام إذا عادت أمّته للنهوض ورجعت دولته للوجود فإنها لن تقف أمامه دولة، ولن يصمد في وجهه مبدأ. فالرأسمالية العفنة ستدمَّر بأفكار الإسلام وأحكامه، والشيوعية الملحدة الآفنة ستحطَّم بالارتفاع الفكري المبني على الأساس الروحي في أفكار الإسلام وأحكامه، وهذا يعني رجوع الدولة الإسلامية إلى مركز الدولة الأولى في العالم مرة أخرى، وذلك ما لا يرضى به أحد من الكفار. ولذلك سيحاربونه أشد المحاربة بأشد بغض وأفظع حقد. لذلك كان لا بد أن نكون واعين على الكفار وأساليبهم ومناوراتهم وأن يدرَك إدراك وعي وتدبّر أن الصعوبة إنّما هي في مواجهة أعدائنا أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين وليست هي في بث أفكار الإسلام.

إن انجلترا وروسيا قد ذاقتا الويلات من العسكرية الالمانية، ولذلك تعملان مع تناقضهما في طريقة الحياة على إبقاء ألمانيا مجزأة ضعيفة ويَحُولان بينها وبين أن تستعيد قوتها، ويحاربان كل عمل فيه تقويتها حتى لا تعود العسكرية الالمانية فتكون خطراً عليهما. وإن أمريكا وانجلترا تريان في دولة الاتحاد السوفياتي خطراً عليهما وعلى مبدئهما، ولذلك تعملان لمحاربتها ومحاربة مبدئها بجميع الوسائل وشتى الطرق، حتى أن أمريكا ترى أنه لا يمكن أن يكون للأمريكيين أمان إلاّ إذا زالت دولة الاتحاد السوفياتي من الخريطة ومُحيت الشيوعية من الحياة.