عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 26-11-2003, 08:20 PM
خبيب خبيب غير متصل
فلتسقط المؤامرة
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2003
المشاركات: 269
إفتراضي التشابه بين اليوم والامس

قالت جريدة القدس العربي

جريدة القدس العربي

حادث تفجير الرياض وظاهرة بن لادن في الذاكرة التاريخية السعودية ( ( د. مداوي الرشيد ) )

لا يملك المرء إثر انفجار الرياض، وإزاء الانسياب المستمر لصور بن لادن عبر غرف الحوار (التشات) علي الأنترنيت إلا أن يستحضر في ذاكرته قصص شخصيات سبقت يعرفها جيداً أولئك الذين جعلوا من تاريخ المملكة العربية السعودية مهنة يحترفونها. ومن أهم تلك الشخصيات التي تخطر بالبال سريعاً شخصية فيصل الدويش وشخصية جهيمان العتيبي، واللذين يجد المرء في قصصهما تشابهاً مذهلاً مع قصة أسامة بن لادن، رغم البون الشاسع بين هاتين الشخصيتين المبكرتين من جهة وشخصية معاصرنا اسامة بن لادن من جهة أخري. ومع أن ظاهرة بن لادن فريدة من حيث أثرها وحجمها، إلا أنها ـ وكما هو حال الأحداث السابقة في التاريخ السعودي ـ تشير بوضوح إلي وجود ارتباط معين ما بين السياسات السعودية الداخلية وعلاقات البلد بالقوي الخارجية.
كان فيصل الدويش، المنحدر من قبيلة مطير، هو الثائر الذي تحدي السلطة السعودية عام 1927 عبر تجييش الإخوان، إحدي القوي القبلية التي أوجدها ابن سعود مؤسس المملكة العربية السعودية. كان هؤلاء الإخوان قد نشأوا وتربوا علي مناهج وأفكار الحركة الوهابية، تلك الحركة الإصلاحية التي تعود جذورها إلي القرن الثامن عشر الميلادي. وكان ابن سعود هو الذي تبني جهود هذه الحركة في إرسال المعلمين، المطاوعة، الذين كانت مهمتهم هي تعليم القبائل مبادئ الإسلام وتعضيد ولائهم لسلطان آل سعود ومن ثم الالتزام بنشر نفوذهم وتعميم هيمنتهم. وفوق ذلك كله، كانت مهمتهم تتضمن تشجيع القبائل علي المشاركة في الجهاد، أي شن الحرب المقدسة ضد أولئك الذين كانوا يعتبرونهم ضالين ومنحرفين عن جادة الصواب وعن صراط الإسلام المستقيم. ولقد أثبت الإخوان ومعلموهم من المطاوعة فعلاً أنهم كانوا قوة لا يستهان بها في تعزيز صرح الدولة السعودية في أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين. وكان نهجهم في ذلك هو اللجوء إلي وسائل من الإرهاب لم يكن من السهولة بمكان تفاديها ظالما تمتعوا بدعم ابن سعود لهم.
وكزعيم قبلي جمع الدويش ما بين موقعه القيادي كشيخ لقبيلته والحماس الديني المتقد ليبسط الهيمنة السعودية ويفرضها علي القبائل والجماعات الأخري عبر البلاد. خضع الدويش وأتباعه القبليين إلي برنامج صارم من الطاعة والمحاسبة بإدارة وإشراف المطاوعة، الأمر الذي بدل شخصيته وحوله من كائن همجي متعجرف ومن بدوي داهية إلي متدين متقد الحماس.
ولكن ما لبث المشروع أن دهمه أمر جلل. ففي الوقت الذي كان حماس الدويش وطموحه في أسلمة سكان الجزيرة العربية بلا حدود، طرأ تحول كبير بنهاية العشرينيات من القرن العشرين علي السياق الموضوعي الذي كان يسعي لإنجاز مهمته من خلال، وذلك بسبب تعزز الوجود البريطاني في كل من الكويت وشرقي الأردن والعراق. وكانت بريطانيا في ذلك الوقت منهمكة في ترسيم الحدود وتحصين الجبهات في منطقة لم يعهد سكانها مثل هذه الأمور ولم يجربوها من قبل. أراد الدويش أن يتوسع حيث لا يروق ذلك للبريطانيين، فكان لا مفر من أن يصطدم طموحه لنشر مفهومه هو للإسلام بفهموم بريطانيا لحدود الدولة الحديثة وبمصالحها هي في المنطقة. فما كان من الدويش إلا أن قدم عريضة بمطالبه لابن سعود مندداً بالكفار البريطانيين لإعاقتهم التحركات القبلية عبر الحدود التي وقع ترسيمها مؤخراً، ولم يفت الدويش أن يعظ ابن سعود نفسه موبخاً إياه لخضوعه لضغوط ضباط بريطانيا ووكلائها السياسيين الموفدين إلي المنطقة.
ذهب الدويش إلي أبعد من ذلك حين أعلن ومن معه من المتمردين بأن ابن سعود لم يعد صالحاً لحكم الجماعة المسلمة بعد أن فقد استقلالية قراره وقدرته وعلي الفعل لصالح بريطانيا. كما تضمن انتقاد الدويش للقيادة السعودية تسليط الضوء علي ما اعتبره سلوكاً شخصياً منحرفاً لآل سعود وخارجاً عن الإسلام الذي نشأ الدويش وأتباعه عليه. وتعرض ابن سعود نفسه للتوبيخ والتنديد بسبب سلوكه الشخصي وزواجاته العديدة. أما ابن سعود فما لبث أن أدرك بأن عليه أن يضبط تبيعه وضمينه الدويش إذا ما رغب في الاحتفاظ بعلاقات ودية مع بريطانيا، القوة الإقليمية الأعظم في ذلك الوقت. وفعلاً، شكل ابن سعود قوة مقاتلة تتكون بشكل أساسي من رجال ينحدرون من الواحات النجدية لوضع حد للدويش وإنهاء تمرده. اندلعت الحرب بين الطرفين، وكانت أولي معاركها سبيلا ، والتي تلتها سلسلة هجمات عسكرية علي معسكرات الإخوان. وفي نهاية المطاف قبل ابن سعود بالعروض البريطانية بإرسال طائرات سلاح الجو الملكي المتخذة من الكويت والعراق مقرات لها لمطاردة الدويش ومواليه في الصحاري والقفار الممتدة والتي كانت تفصل ما بين مملكة ابن سعود والمناطق الخاضعة للحماية البريطانية. لجأ عدد من أعضاء الإخوان إلي الكويت حيث كانت التقارير تشير إلي أن أعداداً غفيرة من الناس التي تملكها الهلع كانت تلوذ فراراً من سلاح الجو الملكي البريطاني ومن ابن سعود في نفس الوقت. وأخشي ما كان يخشاه البريطانيون هو أن يلجأ الإخوان إلي جوار القبائل الكويتية وينتهي بهم الأمر إلي الاندماج والذوبان فيها.5 بعد عدة غارات جوية علي قواته عام 1930 تمكنت القوات البريطانية من أسر الدويش، ولعلهم في البداية ترددوا في تسليمه لابن سعود دونما شروط خشية إما أن يتعرض لمحاكمة سريعة تنتهي بإعدامه وعدد كبير من أتباعه بما في ذلك النساء والأطفال أو أن يصدر عفو عام عنهم جميعاً يستعيدون بعده حريتهم مما يمكنهم من العودة إلي التمرد والغزو من جديد. ولكن ما لبثت بريطانيا أن سلمت ابن سعود الدويش ومن أسرتهم معه من الثوار، فما كان من ابن سعود إلا أن سجن الدويش الذي ما لبث أن فارق الحياة وهو رهن الاعتقال بعد شهور معدودة من وقوعه في الأسر. وما من شك في أن هزيمة الإخوان أسدلت الستار علي حقبة مضطربة في التاريخ السعودي، أثبت الإخوان خلالها، وعن جدارة، بأنهم كانوا قوة مقاتلة فعالة في مشروع ابن سعود التوسعي رغم أنهم تحولوا فيما بعد إلي مصدر إزعاج له حينما شرع بتعزيز دعائم سلطانه. وما أن تم له القضاء علي تمرد الإخوان بادر ابن سعود بإعلان تأسيس المملكة العربية السعودية علي كامل الأراضي الخاضعة لنفوذه وذلك في العام 1932.

يتبع ...