عرض مشاركة مفردة
  #26  
قديم 14-10-2001, 06:58 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخت الفاضلة يارا

بداية أشكرك على الترحيب وعلى التعقيب، وارجو المعذرة عن تأخري في الرد .

من حق كل عضو أن يؤيد وأن يرفض، لكن الاقتصار على التأييد او الرفض لا يساعد في الوصول إلى كون هذا الفكر حقيقة أم ليس بحقيقة أو في كونه صائبا ام خاطئا. والفكر لا يكون حقيقة إلا إذا طابق الواقع، وإدراك ذلك يتطلب إدراك واقع الفكر وتصور مدلوله ومن ثم مطابقته على واقعه الذي يدل عليه، فإن انطبق عليه كان حقيقة وإن لم ينطبق عليه لم يكن حقيقة، والمناقشة الفكرية هي التي تبلور الفكر أي هي التي تمكن العقول من إدراك واقع الفكر ومن تصور مدلوله ، وبواسطتها تجري عملية مطابقة الفكر على واقعه الذي يدل عليه. والحجج أو البراهين تتعلق ببلورة الفكر من ناحية ، وبانطباقه أو عدم انطباقه على واقعه من ناحية أخرى. وليست الحجج أو البراهين خاصة بالخلافات المذهبية ، فكل فكر سواء اكان مذهبيا ام مبدئيا ، فرعيا أم أساسيا، في العقيدة أم في الأحكام الشرعية، وسواء أكان فكرا بحتا أم كان فكرا سياسيا أم فكرا تشريعيا، لا بد له من دليل يثبت صحته أو يرجح صوابه. وتأييد الناس للفكر ليس دليلا على صحته ، وكذلك اعتراضهم أو رفضهم للفكر ليس دليلا على بطلانه ، قال تعالى : { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } .فالاقتصار على إظهار التأييد او الرفض لا يخدم بلورة الأفكار المطروحة ، ولا يساعد في تمحيصها. وإنما يخدم أغراض أخرى كالترويج لفكر أو شخص ، أو في مقاومة فكر أو شخص بغض النظر عن إن كان الفكر حقا ام باطلا، وبغض النظر عن إن كان هذا الشخص على حق أم على باطل.


أما قولك : ( الفكر الإسلامي يحتمل التنوع والتطور والرؤى المختلفة ، وما الحركات الإسلامية إلا خير دليل على هذا التنوع واكرر دون ان تمس العقيدة ).

فبالنسبة لاحتمال الفكر الاسلامي للتنوع فإن نصوص الاسلام منها ما هو قطعي ومنها ما هو ظني، فالظني منها يحتمل تعدد الأفهام، واما القطعي والذي هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة فلا يحتمل إلا رأيا واحدا أو فهما واحدا. والرسول صلى الله عليه وسلم قد أقر اختلاف الصحابة في فهم النص الظني. فالأحكام الشرعية الظنية يجوز إلاختلاف فيها ، واما القطعية فليس فيها إلا رأيا واحدا متعينا .

وأما شرط التنوع والذي أوردتيه في عبارة : ( واكرر دون ان تمس العقيدة ) فإن هذا الشرط يحتاج إلى تفصيل أكثر ، وذلك كما يلي :

يجب التفريق بين الأفكار وبين الأحكام الشرعية، الفكر هو تعبير عن واقع، أو هو وصف للواقع، وأما الحكم الشرعي فهو معالجة للوقع، فالحكم الشرعي وإن كان فكرا إلا أنه معالجة للواقع لا تعبيرا عنه وذلك كتعريفنا العقل بأنه : ( نقل الواقع إلى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع )، وكتعريفنا للمجتمع بأنه ( ناس وأفكار ومشاعر وأنظمة ) . والشرط في أخذ الفكر هو أن لا يتعارض مع الاسلام ، فليس شرطا ان يتم أخذه من نصوص الاسلام، بل الشرط هو أن لا يتناقض مع نصوص الاسلام، ويدخل في ذلك العلوم والفنون ، والصناعات والمخترعات وما شاكلها. وأما الأحكام الشرعية فهي معالجات أفعال الانسان، أي هي الكيفية التي يجب على الانسان أن يتبعها في إشباع غرائزه وحاجاته العضوية، وهي أي الأحكام الشرعية خمسة انواع : الفرض أو الواجب، والمندوب ، والمكروه ، والحرام ، والمباح . ولا يوجد فعل من أفعال الانسان إلا وله حكم يستنبط من الأدلة الشرعية، ولا يعتبر الحكم حكما شرعيا إلا إذا كان مستنبطا من الدليل الشرعي، فلا يجوز أخذ أي حكم إلا إذا كان مأخوذا من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم او مما أرشدا إليه من أدلة. وكل أخذ لأي حكم لم يستنبط من الأدلة الشرعية هو تحاكم إلى الطاغوت.

وعليه فالفرق بين الأفكار والأحكام الشرعية من حيث واقعها هو :
الفكر تعبير عن واقع، وأما الحكم الشرعي فهو معالجة للوقع، فالحكم الشرعي وإن كان فكرا إلا أنه معالجة للواقع لا تعبيرا عنه، فالقول بأن هذا خمر لأنه مسكر هذا فكر، وأما القول بأن المسكر لا يجوز شربه فهذا حكم شرعي . والقول بأن الحكم هو رعاية مصالح الناس هذا فكر، وأما القول بأن المرأة لا يجوز ان تتولى الحكم فهذا حكم شرعي، وهكذا فالفكر تعبير عن واقع ، وأما الحكم الشرعي فهو معالجة للواقع .

وأما الفرق بينهما من حيث المصدر فهو :
الأحكام الشرعية مصدرها فقط الأدلة الشرعية أي الكتاب والسنة وما أرشدا إليه من أدلة ، وأما الأفكار في غير العقيدة والأحكام الشرعية فلا يشترط اخذها من الأدلة الشرعية لكن يشترط عدم مخالفتها للأدلة الشرعية، فعبارة ( دون أن تمس العقيدة ) شرط لأخذ الفكر فقط ، وأما الحكم الشرعي فيشترط لأخذه أن يؤخذ مباشرة من العقيدة أي من الاسلام . فتعدد الرأي بالنسبة للأفكار شرطه ان لا تتناقض الآراء المختلفة مع الاسلام، وشرطه بالنسبة للأحكام الشرعية أن يكون كل حكم شرعي مستنبطا من الدليل الشرعي، فالقول بأن لمس المرأة ينقض الوضوء حكم شرعي مستنبط من الدليل الشرعي باجتهاد صحيح، والقول بأن لمس المرأة لا ينقض الوضوء هو أيضا حكم شرعي مستنبط من الدليل الشرعي باجتهاد صحيح، واختلاف الفهم في المسألة الواحدة ناتج عن كون دليل هذه المسألة ظنيا.

وأما سؤالك حول نظام الحكم في الاسلام فسوف آتيك بالتوضيح فور الانتهاء منه إن شاء الله تعالى .

[ 15-10-2001: المشاركة عدلت بواسطة: صالح عبد الرحمن ]
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله