الموضوع: جسد بلا روح
عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 23-07-2003, 01:53 PM
أطياف الأمل أطياف الأمل غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2000
الإقامة: على نفحات الأمل
المشاركات: 3,246
إفتراضي

فراق الروح


أخذت أجمع كل شيء.. ملابسي.. كتبي.. صوري .. شهاداتي.. كل شيء.. وكانت خالتي ونورة تساعداني رغم ألمهما وحزنهما على فراقي.. كنت أحس أني أموت تدريجيا.. كيف لا وأنا أفارق أعز من سكنوا قلبي؟؟ أمي وأبي واخوتي؟؟
كنا نجمع أغراضي بابتسامة ودمعة.. تأتي الابتسامة فتمحي الدمعة.. ثم تعود الدمعة فتطعن الابتسامة وتظهر مرة أخرى..
انهيت أغراضي .. فاستدعيت اخوتي لحمل أمتعتي ... أتوا .. حملوها وأخذوها إلى السيارة ..
وأخيرا.. حانت اللحظة المنتظرة .. حانت اللحظة المؤلمة.. حانت لحظة الوداع .. وقف الجميع بالباب لتوديعي .. عمي حسن ..وبقربه خالتي هدى التي كانت تبكي على كتفه.. نورة واقفة أمامي تنتحب بصمت.. وأحمد الصغير بين ذراعي .. ويوسف واقف بقربي .. أما فيصل .. فقد كان واقفا بعيدا هناك.. فلم يلمحه غيري ولكني تجاهلته .. بدأت الوداع بأخي يوسف.. قلت له مازحه رغم دموعي المنسابة التي كانت تغرق وجههي حتى بدا وكأنه يسبح فيها: الى اللقاء يا يوسف.. سترتاح الآن من طلباتي ومشاويري.. سترتاح من صراخي وأوامري.. لن تجد من يصرخ بك لتنظف غرفتك.. أو تمسح بقعة المشروب الغازي التي سكبتها على الأرض.. لن تجد من يقلب القناة في التلفاز ليضع فلما رومانسيا أو عرضا من عروض الأزياء او أحد البرامج العلمية أو الثقافية .. لن تجد من يمازحك ويغضبك في أحيان كثيرة ..
سالت عبرات يوسف فقال: ابقي يا روز وساتحمل كل ذلك.. ابقي وسأترك لك التلفاز لتري ماتريدين ولن أناقشك بشيء حتى ولو اخترت الرسوم المتحركة.. ابقي يا أختي وأعدك أني لن أهمل ترتيب غرفتي.. ابقي وساتحمل أي شيء تأمرين به ولكن ابقي!!
ازددت في البكاء ولم أجبه.. إنما ابتسمت له بألم .. ضممت أحمد الصغير بقوة وقد بللت دموعي شعره ووجهه الجميل فقال لي متسائلا ببراءة:روز أين تذهبين ؟؟ هل ستسافرين مثل فيصل؟؟ ألن نراك مرة أخرى ؟؟
قلت له بأسى: بلى ياحبيبي.. ستروني كثيرا.. حتى تملون مني.. ولكني سأذهب لمنزل اخوتي لفترة من الزمن ثم أعود.. حسنا؟؟
قال مرة أخرى: روز نحن لن نمل منك.. أنت اختنا.. فلم ترحلين عنا؟؟ ابقي فنورة لا تصنع لي الحليب كما تفعلين.. ولا تلعب معي كما تلعبين أنت معي.. أرجوك يا روز ..
كانت كلماته كطعنات سددت إلى قلبي فبكيت دما بدل الدموع.. آه ياصغيري لكم أود ان لا أفارقكم ... ولكن ما باليد حيلة ..
اقتربت من أبي حسن .. قبلت رأسه وقلت : أبي .. لطالما كنت أبي الحبيب.. أبي الذي لم يقصر بشيء عني.. أبي الذي عاملني بكل لطف وحنان .. أبي الذي يخاف علي من النسمة الطائرة .. أبي الذي لم يجرح أحد منا.. أحبك يا أبي.. أرجوك سامحني.. سامحني إن كنت قد أهملت يوما في صنع قهوتك.. أو احضار صحفك .. اعذرني إن لم أسمع ندائك يوما.. فلربما كنت مشغولة بشيء ما..ولم أسمع ندائك .. اغفر لي زلاتي الكثيرة وغلطاتي .. أرجوك يا أبي..
مسح على رأسي من فوق حجابي وقال: روز أنت ابنتي.. وأنا أحبك كما أحب نورة ويوسف وأحمد وفيصل.. وربما أكثر.. أنت لست ابنة أخي.. بل أنتي ابنتي.. ولا تعتذري مني يا ابنتي فأنت لم تفعلي ما يغضبني يوما.. بل كنت تسهرين على راحتي وتشترين رضاي دوما.. آه يا ابنتي.. لكم سأفتقد قهوتك في الصباح.. وابتسامتك العذبة الرقيقة..
أمسكت بثوبة بقوة وكأني أقول له لا تتركني يا أبي.. لا تدعني أذهب.. التفت إلى خالتي وقلت ممسحة دمعها بكفي: أمي الحبيبة.. سأفتقدك كثيرا.. كثيرا والله .. فأنا لا أعلم كيف سأعيش من دونك .. من دون نصائحك الغالية .. وأنت أيضا اماه.. أعذريني إن كنت أغضبتك في يوم .. أعذريني إن كان صوتي قد علا عليك .. أعذريني إن لم أستجب لندائك.. أو عصيت أوامرك في يوم ..
اعذريني إذا كنت قد أسهرتك بجانبي طوال الليل عندما أصابتني الحمّى .. اعذريني إن كنت قد جرحتك مشاعرك بكلمة طائشة مني .. أرجوك يا أمي ..
أجابتني والحزن يقطر من صوتها: حبيبتي روز .. أنت ؟؟ أنت تغضبيني؟؟ لم يحصل يوما.. روز .. أنت ابنتي.. ومهما حصل لن أغضب منك .. كيف أغضب منك وأنا لم أجد منك سوى كل خير ؟؟ أفتعتذرين مني على سهري بجانبك؟؟ ويحك يا ابنتي.. أكنت تريدين أن اتركك تعانين الحمى وحدك؟؟ كيف تظنين أني أستطيع النوم وأنت محمومة؟؟ آه يا ابنتي إن بعدك هو قطعة من العذاب لا تستطيع النفس تحملها.. ولكني سأصبر.. لأجلك أنت .. فلطالما فعلت لأجلنا الكثير الكثير ..
أجبرت الدموع أمي على السكوت .. فدفنت وجهها في صدر أبي تبكي بحسرة وألم.. ولكأنها ستفقدني للأبد .. قلت لها: أمي.. لا تبكي أرجوك.. سأكون قريبة منك.. سأزورك كل يوم .. وبيت اخوتي لا يبعد سوى خطوات من هنا.. فلا تحزني أماه..
وأخيرا.. حان دور نورة .. الهي كيف سأودعها؟؟ ليتني ذهبت دون أن أودعها..
اقتربت منها.. أمسكت بيدها..قلت لها: أختي الحبيبة.. أعذريني.. فأنا سأترك لك العمل كله.. سأترك لك عمل أشغال المطبخ التي تكرهين ..سأترك لك الوسادة الكبيرة لتنامي عليها.. هنيئا لك .. فلا أحد سيشاركك بها بعد اليوم.. إلا إن أتيت أنا لزيارتكم .. وأيضا سأترك لك المقعد الذي بجانب التلفاز.. وجهاز التحكم عن بعد.. كل ذلك تحت تصرفك وحدك.. لن تجدي من يسرق ادوات الزينة من درجك ويلبس ملابسك ويشاركك فيها.. اعذريني ولكني مضطره
صرخت بي: ويحك ياروز ..
وفتحت ذراعيها وطوقتني بهما.. كنت أرتجف من البكاء.. فلقد أحسست بأن روحي ستخرج.. أحسست بأني أموت.. وبكل بطء.. لم تجبني نورة بشيء سوى بالدموع.. ولكني فهمت كل ماتريد قوله.. حتى دون أن تنطق..
وأخيرا.. سحبت نفسي من بين أحضان أختي.. رفعت يدي باستماتة مودعة .. وعلى وجهي شبح ابتسامة.. وفي عيني.. جرت دموعي..
أمسك بيدي فهد بينما ذهب سعود ليشغل السيارة .. التي ستأخذني.. لبيتي الجديد !!



يتبع ..
__________________


أحـــــــ هو حيــــــــــاتــــــي ــــمـــــــــــــد


الرد مع إقتباس