عرض مشاركة مفردة
  #62  
قديم 15-07-2003, 07:22 PM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي



عاد "السيد" الى لبنان مزهواً بإنجازه الفكري الذي أقنعه أكثر فأكثر بأنّ السياسة بلا عقيدة حامية وعاصمة يمكن أن تكون تجارة، وكرّس في لقاءاته الحركية مفهوم الالتزام وضرورة اعتماده مسلكاً عاماً، واستطاع أن يستقطب أكثر فأكثر الشباب الذين بدأوا معه العمل السياسي عام 1975. ولكن فرحة الإنجاز بختم "المقدمات" عام 1978 عكّرتها ثلاثة أمور:

الأول: خطف السيد موسى الصدر في ليبيا في أكثر المراحل حرجاً ودقة في لبنان وبعدما استطاع الإمام تأسيس قاعدة شيعية لبنانية قابلة للتوسع نحو طوائف أخرى على أسس مطلبية واجتماعية.

الثاني: الاجتياح الإسرائيلي الأول للبنان (1978)، وخلق أوضاع سياسية أكثر تعقيداً من السابق لجهة توسيع نفوذ الفلسطينيين وحلفائهم من جهة، واختراق إسرائيل مواقع سياسية لدى أكثر من طرف لبناني، وقيام دولة "الجنوبي" من جهة ثانية، وانهيار السلم الأهلي الذي استقر لنحو سنتين بانهيار الحل العربي عقب زيارة السادات للقدس، وبدء تصفية حسابات سياسية عربية-عربية في لبنان وحصول حوادث خطيرة في الأشرفية والفياضية وزحلة.. امتدت حتى عام 1982 (أي: حتى الاجتياح الإسرائيلي الشامل)..

الثالث: بدء النظام العراقي حملة مكثفة ضد الحوزات العلمية مركّزاً على العناصر الذين يشك في انتمائهم الى حزب الدعوة، وقتل العلامة محمد باقر الصدر لاحقاً، وهو واحد من رموز هذا الحزب، إضافةً الى قتل حشد كبير من العلماء واعتقال طلاب كان (النظام العراقي) يشك في ولائهم لسورية.

واستطاع الطالب المتحمس أن يفر من العراق قبل أن تطوله يد السلطة، وعاد، ولكن ليس الى الجنوب هذه المرة، بل الى بعلبك حيث أسس الموسوي مدرسة تعتمد مناهج النجف نفسها لإكمال ما لم يستطع الطلاب إكماله هناك.

أصبح السيد مسؤولا تنظيميا للبقاع في حركة أمل، وتزوج في تلك الفترة من فاطمة ياسين، وهي من قرية العباسية في جنوب لبنان، ورُزق بهادي الذي سيستشهد في عام 1997 عن عمر يناهز 18 عاماً في عملية ضد الإسرائيليين في جنوب لبنان.

ولكن تلك الفترة تفردت بخصوصية لم تكن موجودة سياسياً داخل المناطق الأخرى، فوهج الثورة الإسلامية في إيران انتشر بكثافة في كل لبنان، وتحديداّ في البقاع. ورجال الدين الذين عملوا في حركة "أمل" في البقاع واظبوا على تلقي العلم وفتحوا خطاً عقائدياً مباشراً مع إيران من خلال الزيارات المتبادلة، إضافةً الى أنّ استجابة أهالي تلك المنطقة للعمل السياسي كانت عالية بحكم الحرمان الكبير الذي أصابها وغياب الدولة عنها.

مع الأيام، بدا في حركة "أمل" (التي تزعمها نبيه بري خلفاً للسيد حسين الحسيني) تياران، وإن كانا غير معلنين، تيار سياسي يقوده بري مع مجموعة من الشخصيات المنتقاة من مختلف المناطق: أراد دخول اللعبة السياسية اللبنانية من بوابتها العريضة حتى لو أدى الأمر الى الزواريب في حروبها. والتزم هذا التيار الخط السوري في لبنان وسلّفه الكثير وتسلّف بالتالي الكثير (المعارك ضد البعث العراقي، انتفاضة 6 شباط، حرب المخيمات.. الخ)، وأيد هذا التيار مجموعة من رجال الدين قريبة بشكل أساسي من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.



أما التيار الثاني فكانت قاعدته رجال الدين، وتحديداً تلك المجموعة التي قدمت من النجف وتابعت دراستها في حوزة الموسوي، إضافةّ الى مئات الكوادر المتأثرين بهم الذين أطلقوا على أنفسهم في إحدى الفترات اسم "أفواج المقاومة المؤمنة". وكان خط الإمام الخميني قويا في هذا التيار، وقدّمت إيران له مساعدات دراسية وعلمية ومالية وعسكرية.

انفصل التياران غداة الاجتياح الإسرائيلي وانضمام بري الى هيئة الإنقاذ الوطني مع بشير الجميل ووليد جنبلاط في عهد الرئيس الراحل الياس سركيس. يومها رأى هذا التيار (الرافض أساساً لأي مرونة أو مساومة سياسية) أنّ المشاركة في مؤسسات كهذه على خلفية الغزو إنما تعني "استكانة لا تليق بمجاهدين"، فيما كان رأي "أمل" أنّ الظروف تستوجب الإعداد الجيد للمرحلة المقبلة، وأنها جـاهدت وقاتلت الإسرائيليين خلال الاجتياح و"ليست بحاجة الى دروس من أحد" (على ما قاله مسؤولوها آنذاك).



هذا التيار المعارض، ومنه الموسوي ونصر الله وابراهيم السيد (النائب الحالي) والشيخ صبحي الطفيلي والشيخ نعيم قاسم وغيرهم (من دون أن يكون كل هؤلاء حكماً في حركة أمل) إضافةً الى "تغطية روحية" دامت نحو عشر سنوات من السيد محمد حسين فضل الله، وعشرات الكوادر من "أمل".. (هذا التيار المعارض) شكّل نواة حزب الله، تلك النواة التي بدأت العمل سرياً وتحت الأرض ثم أخذت تتكشف شيئاً فشيئاً، لكن الإعلان الرسمي الحقيقي لها بدأ بعملية استشهادية قام بها أحمد قصير، وهي العملية التي ألهبت آنذاك مشاعر السيد نصر الله وثبّتت عزيمته للمضي في طريق لم يجد غيره صالحاً "في زمن الاستكبار"، فـ"من يبدأ بالاستشهاد في سبيل الله سينصره الله ولا غالب إلا الله" (كما يقول السيد في معظم أحاديثه).

خاض حزب الله معارك كثيرة ضد الإسرائيليين، لكنه تورط أيضاً في الثمانينات بمعارك "زواريب"، فاشتبك مع "أمل" ومع الشيوعيين ومع الحزب السوري القومي الاجتماعي، ومع غيرهم.. هم يقولون أنه يريد احتكار المقاومة والعمل العسكري، وهو يقول أنهم لا يريدونه أن ينتشر خطاً وفكراً.

هذه المعارك أعطت دروساً وخلاصات، لكنها كانت قاسية، وللمرة الأولى في لبنان يُسقط حزب الله الحصانة عن المسؤولين، فمقابل أي عنصر يسقط في صفوفه كان أعضاؤه لا يتورعون عن قتل أكبر مسؤول سياسي أو فكري يصادفونه في الجهة المقابلة، على أساس أنّ الإنسان إنسان مهما كانت رتبته، لكن مفكرين ينتمون الى أحزاب أو تيارات فكرية (لا الى ميليشيات) دفعوا ثمن هذه المعارك، فخسرتهم الساحة الفكرية والثقافية.

يقول قريبون من نصر الله أنه لم يكن يرغب في أن يتورط الحزب في أي معركة خارج نطاق المواجهة مع إسرائيل، بل لم يكن يحبّذ التدخل في أي خلاف لقناعته بأنّ ذلك يأكل من رصيد المقاومة ولا يضيف إليها. وهو (السيد) يرفض أساساً نشوء "آلية خلاف وحل خلاف" حتى لا تتكرس وينجر الحزب الى الزواريب مجدداً.

لذلك، بقي (السيد) منذ 1982 وحتى 1989 رجل المهمات التنظيمية بامتياز: يبني كوادر.. يعلّمها.. يحضّرها للمقاومة والجهاد.. يقيم حلقات دروس دينية يستحضر فيها دائماً سيَر أهل بيت النبي (صلى الله عليه وعليهم) بكل ما فيها من عبَر وإصرار على محاربة الظلم وإحقاق الحق، ويروي أعضاء في الحزب أنه كان يقول لهم دائماً "إنّ إسرائيل قوية في أوهامنا فقط" وأنه "عندما نُسقط هذا الوهم ونستخدم القوة الكامنة فينا سنجد أنّ هذا الكيان الذي اسمه إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت".

ودائماً دائماً: كان أحمد قصير وعمليته واستشهاده حاضرة في أي تعبئة، ويقول نصر الله في حوار له بعد التحرير (مع مجلة "الوسط") عن الخوف من الخلل في موازين القوى: "نعود الى أسئلة 1982 حين كان الاحتلال الإسرائيلي موجوداً على أرض أوسع، وأذكر حين اقتحم الشهيد أحمد قصير مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور في عملية استشهادية، وتحدث الإسرائيليون عن مقتل 85 جندياً، وأعلن مناحيم بيغن الحداد ثلاثة أيام، وأطلق يومها كلاماً بأنّ إسرائيل ستدمّر لبنان لأنها لا تحتمل خسارة من هذا النوع، وأنّ خيار المقاومة مكلف ومجهد ومتعب"..

وهو (السيد) ما فتئ يكرر هذا الكلام لاستنهاض الهمم والتأكيد على أنّ العين تقاوم المخرز إذا كانت في منطقة الحق.

في منتصف الثمانينات: غادر (السيد) البقاع الى بيروت مع الشيخ ابراهيم أمين السيد الذي سيصبح نائباً مثيراً للجدل عن حزب الله، والسيد معروف منذ البداية بعلاقاته الجيدة مع المسؤولين السوريين، وهو أحد عناصر التحالف الرئيسية بين الحزب وسورية.

بدأت الهياكل القيادية لحزب الله تظهر الى العلن شيئاً فشيئاً: مجلس شورى يضم علماء ومجاهدين، وقاعدة جماهيرية عريضة تلتزم القرار. لكن الحلقة الوسيطة بين المجلس والقاعدة لم تكن ظاهرة بوضوح ما أدى أحياناً الى ضياع المسؤولية عند أي تجاوز أو تنفيذ خاطئ للقرار. وعليه عُهد الى نصر الله المسؤولية السياسية في بيروت (رغم أنه كان مرتاحاً في المسؤولية التنظيمية)، هذه المسؤولية التي تحولت لاحقاً الى مسؤولية تنفيذية وتنظيمية عند انتخاب الموسوي أميناً عاماً (عام 1991)، أي: أنّ نصر الله الذي كان في الواحدة والثلاثين من العمر تولى أكثر المهمات حساسية، وأصبح هو الحلقة الوسيطة بين مجلس الشورى والقاعدة، أي أنه المسؤول عن تعميم القرار وتنفيذه وتحمّل مسؤوليته ومتابعته، سواء تعلق الأمر بدفع 100 دولار لمحتاج، أو شراء ألوان للرسم على الجدران.. وصولاً الى التخطيط للعمليات الاستشهادية وتأمين مستلزمات نجاحها.

الجميع كان يعرف بوجود تيار في الحزب يلتف حول الموسوي ويريده في قمة المسؤولية، ومن بين هؤلاء السيد نصر الله نفسه، ولا يحب مسؤولون في حزب الله الخوض كثيراً في ذلك، ويقولون أنّ تلك المرحلة (1988-91) شهدت سجالاً تنظيمياً وسياسياً عادياً "تقلّ حدّته عن أي سجال في أي مؤسسة سياسية في العالم"، ومع ذلك "هناك من يريد تصويره على أنه صراع أجنحة، وهذا غير وارد في حزب الله"...

ولكن هناك من يرى أنّ السجال فرَز مجموعات: واحدة مؤيدة للنهج الإيراني، وأخرى تراهن على علاقة جيدة مع سورية لتبقي للحزب حيويته في لبنان، وثالثة تريد لـ"المجاهدين الشبان" أن يتولوا مسؤوليات أساسية، ورابعة تريد قيادة من البقاع أو من الجنوب، وخامسة تريد الدخول في اللعبة السياسية المحلية تحت السقف الشرعي، وأخرى متمردة ترفض ذلك.. الخ..

يومها: أعلن نصر الله أنه يريد إكمال علومه في قم، ويومها أيضاً قال كثيرون أنه غاب بخياره، إما لأنه كان صاحب رأي مخالف، أو لأنه أراد النأي بنفسه عن السجالات الداخلية، فيما تحدث آخرون عن "فترة تحضير" إقليمية مكّنت الرجل من نسج علاقات جيدة، وخاصةً مع طهران ودمشق، وساهمت فيها شخصيته الجادة وتجربته الحزبية.

عام 1990، عاد السيد الى لبنان وسط أحداث كبيرة عاصفة: صدّام حسين يجتاح الكويت، واتفاق الطائف ينفَّذ تدريجياً، وآلية صلح أمريكية-سورية جديدة سمحت لدمشق بدور أكبر في لبنان بعد إطاحة العماد ميشال عون، هذا الدور الذي رأى فيه نصر الله فرصة كبيرة لدعم المقاومة، خصوصاً مع إعلان لبنان الرسمي أنه للمرة الأولى على خط واحد معها.

وكان السيد محقّاً في تحليله المتعلق بدعم حزب الله، فالعلاقة الإيرانية-السورية الجديدة سمحت بعبور مختلف المساعدات، ونظام ما بعد الطائف أنتج سلطة حمت ظهر المقاومة ورفضت المساومة عليها، والجيش اللبناني الرسمي سهّل مرور المقاومين ورفَض أي قرار يمكن أن يؤدي الى التصادم، ولا يزال الرئيس العماد إميل لحود يتذكر بفخر أنه رفض نشر الجيش في الجنوب عندما كان قائداً له (عام 1993) حتى لا يكون حاجزاً بين المقاومة وإسرائيل، ولذلك كانت رسائل الشكر الأولى من السيد نصر الله بعد ثلاثة أيام من التحرير "الى الشهداء والشعب والمقاومة وآية الله خامنئي (من دون أن يذكر اسم الرئيس محمد خاتمي) والرئيس الأسد والرئيس لحود، أي: الى الخط الذي عبرت عليه تلك الرسائل للوصول الى فرحة التحرير، من دون نسيان الإمام المغيّب موسى الصدر.




















__________________
البارجة هي استاذة فلسفة علوم اسلامية ,
إلى الكتاب و الباحثين
1- نرجو من الكاتب الإسلامي أن يحاسب نفسه قبل أن يخط أي كلمة، و أن يتصور أمامه حالة المسلمين و ما هم عليه من تفرق أدى بهم إلى حضيض البؤس و الشقاء، و ما نتج عن تسمم الأفكار من آثار تساعد على انتشار اللادينية و الإلحاد.

2- و نرجو من الباحث المحقق- إن شاء الكتابة عن أية طائفة من الطوائف الإسلامية – أن يتحري الحقيقة في الكلام عن عقائدها – و ألا يعتمد إلا على المراجع المعتبرة عندها، و أن يتجنب الأخذ بالشائعات و تحميل وزرها لمن تبرأ منها، و ألا يأخذ معتقداتها من مخالفيها.

3- و نرجو من الذين يحبون أن يجادلوا عن آرائهم أو مذاهبهم أن يكون جدالهم بالتي هى أحسن، و ألا يجرحوا شعور غيرهم، حتى يمهدوا لهم سبيل الاطلاع على ما يكتبون، فإن ذلك أولى بهم، و أجدى عليهم، و أحفظ للمودة بينهم و بين إخوانهم.

4-من المعروف أن (سياسة الحكم و الحكام) كثيرا ما تدخلت قديما في الشئون الدينية، فأفسدت الدين و أثارت الخلافات لا لشىء إلا لصالح الحاكمين و تثبيتا لأقدامهم، و أنهم سخروا – مع الأسف – بعض الأقلام في هذه الأغراض، و قد ذهب الحكام و انقرضوا، بيد أن آثار الأقلام لا تزال باقية، تؤثر في العقول أثرها، و تعمل عملها، فعلينا أن نقدر ذلك، و أن نأخذ الأمر فيه بمنتهى الحذر و الحيطة.

و على الجملة نرجو ألا يأخذ أحد القلم، إلا و هو يحسب حساب العقول المستنيرة، و يقدم مصلحة الإسلام و المسلمين على كل اعتبار.

6- العمل على جمع كلمة أرباب المذاهب الإسلامية (الطوائف الإسلامية) الذين باعدت بينهم آراء لا تمس العقائد التي يجب الإيمان