عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 15-04-2005, 11:50 AM
monafq monafq غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2005
الإقامة: أرض الله
المشاركات: 375
إفتراضي

وروى الإمام أحمد في "المسند" 3/422 ، و"الأشربة" (رقم 27) واللفظ له فيه ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (رقم24080)، والطبراني في "المعجم الكبير" (رقم 897)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 10/222 ، من طريق يحيى بن أيوب ، عن عبيد اللَّه بن زَحْر ، عن بكر بن سوادة ، عن قيس بن سعد بن عبادة أن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ قال : "إن اللَّه ـ عز وجل ـ حرم علىّ الخمر ، والكوبة ، والقنين وإياكم والغبيراء ؛ فإنها ثلث خمر العالم" ، قال : قلت ليحيى : ما الكوبة ؟ قال : الطبل . وإسناده حسن ، والحديث أورده الهيثمي في "المجمع" 5/54 ، وعزاه لأحمد والطبراني ، وقال : "وفيه عبيد اللَّه بن زحر ، وثقه أبو زرعة ، والنسائي ، وضعفه الجمهور" . قلت : ومن تكلم فيه فإنما تكلم فيه من قبل حفظه ، ومثله لا بأس به في الشواهد والمتابعات ، وقد لخص الحافظ حاله في "التقريب" (رقم 4290) بقوله : "صدوق يخطئ" . اهـ .

وروى البزار في "المسند" (رقم 1116) عن ابن عباس ، عن النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ : "أنه حرم الميتة ، والميسر ، والكوبة ـ يعني الطبل ـ" وقال ابن عباس: كل مسكر حرام . وإسناده لا بأس به ؛ رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح ، غير "محمد بن عمارة بن صبيح" ، لم يوثقه غير ابن حبان ، والحديث أورده الهيثمي في "المجمع" 5/53 ، وقال "وفيه محمد بن عمارة بن صبيح شيخ البزار ، ولم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح" .اهـ . قلت : ومثله لا بأس به في الشواهد ، فيصح بما قبله .

كذلك نقل عن عليّ بن أبي طالب تفسير "الكوبة" بـ "الطبل" فقد روى أبو نعيم في "الحلية" 1/79 ، 6/53 ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 62/305 ، كلاهما من طريق سهل بن شعيب النهمي ، عن أبي علي الصيقل ، عن عبد الأعلى ، عن نوف البكالي قال : استضفت عليّ بن أبي طالب في خلافته ، وفيه قال عليّ بن أبي طالب : "إن اللَّه يهبط في كل سحر إلى سماء الدنيا ، يغفر لكل مستغفر يستغفره إلا صاحب كوبة ، أو عرطبة ، أو مشاحن. يا نوف ! الكوبة الطبل، والعرطبة العود". اهـ. وفي إسناده مقال .

الجواب الثاني ـ من تدليس العبيكان الفاحش أنه أوهم في نفس الفقرة السابقة (رقم 17) أن ابن الأعرابي لم يفسر الكوبة بالطبل ، فقال : "فنقول ـ القائل هو العبيكان ـ : بأن ابن الأعرابي فسر الكوبة بالنرد ، وقيل : البَرْبَط ـ أي العود ـ" . اهـ . في حين قال البيهقي في "الشعب" (رقم 5119) 4/283 : "وقال ابن الأعرابي : يقال في الكوبة هي الطبل، ويقال: هي النرد ، ويقال: هي البربط، وذلك فيما قرأته في كتاب الغربين".اهـ . فكما ترى أن ابن الأعرابي فسر الكوبة بـ "الطبل" وغيره ، وقدم معنى "الطبل" على غيره. فتأمل !!.

الجواب الثالث ـ إذا كان العبيكان يعتقد ذلك حقًا ، فكان حري به العمل بالأحوط، لا أن يستبيح المحرمات بالشبهات ، خاصة وهو يعلم أن القاعدة عند الفقهاء تقديم الحاظر على المبيح عند التعارض والاختلاف ، خاصة إذا كان الحاظر يوافق الأصل كما في مسألة الطبل.

فلو جاء حديثان صحيحان أحدهما حاظر للطبل ، وآخر مبيح له ، لكان الأولى تقديم الحاظر ، قال العلامة الكرابيسي في "الفروق" 1/348 : "ولو روي عن النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ خبران ، أحدهما حاظر ، والآخر مبيح ، والراويان ثقتان ، فالحاظر أولى" . اهـ .

الجواب الرابع ـ أن القاعدة عند عامة أهل العلم أن الراوي أدرى بما يرويه ، وتفسيره مقدم على غيره .

قال السخاوي في "فتح المغيث" 3/54 : "مما ينبغي أن يعتمد في الغريب تفسير الراوي ، ولا يتخرج على الخلاف في تفسير اللفظ بأحد محتمليه" . اهـ .

وقال النووي في "شرح مسلم" 10/158 : "ومذهب الشافعي ومحققي الأصوليين أن تفسير الراوي مقدم إذا لم يخالف الظاهر" . اهـ .

وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" 9/47 : "وقد كررنا مرات أن تأويل الراوي إذا لم يخالف الظاهر يتعين المصير إليه ، والعمل به عند جماهير العلماء من الفقهاء ، والأصوليين" . اهـ .

وقال الألباني في "الصحيحة" 4/423 بعد أن حكى الخلاف في تفسير معنى "الكوبة" ، وأورد قول "عليّ بن بذيمة" بأن "الكوبة" هي "الطبل" ، قال : "والراجح أنه الطبل ؛ لجزم عليّ بن بذيمة به كما تقدم ، وهو أحد رواته ، والراوي أدرى بمرويه من غيره". اهـ .


وبهذا يتبين لك أخي القارئ الكريم فساد قول العبيكان في إباحة الطبل ،
ومما يؤكد ذلك أيضًا أقوال أهل العلم التالية


1 ـ ثبت عن ابن عباس موقوفًا : "الدف حرام ، والمعازف حرام ، والكوبة حرام" ، رواه البيهقي في "السنن الكبرى" 10/222 ، وإسناده صحيح ، رجاله كلهم ثقات . وقد سبق بيان صحة تفسير "الكوبة" بـ "الطبل" .

2 ـ وروى الديلمي كما في "الفردوس" (رقم 1608) عن ابن عباس : "أمرت بهدم الطبل والزمار" . ولم أقف على إسناده .

3 ـ وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" 4/1282 ، عند تفسير قوله تعالى: {وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو} ، من طريق الحسن بن محمد بن الصباح ، ثنا شبابة ، ثنا ورقاء ، قال : زعم عبد اللَّه بن أبي نجيح ، عن إبراهيم بن أبي بكر ، عن مجاهد قال : اللهو هو الطبل . وإسناده لا بأس به ؛ رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح غير "إبراهيم بن أبي بكر" ، لم يوثقه غير ابن حبان ، وقال الذهبي : "محله الصدق" ، وقال الحافظ : "مستور" . انظر : "تهذيب الكمال" (رقم 156) ، و"التقريب" (رقم 157) .

4 ـ وقال الشيرازي في "المهذب" 2/327 : "ويحرم استعمال الآلات التي تطرب من غير غناء ، كالعود ، والطنبور ، والمعزفة ، والطبـــل ، والمزمار ، والدليل عليه قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاس من يشتري لهو الحديث ليُضلَّ عن سبيل اللَّه} ، قال ابن عباس : إنها الملاهي" . اهـ .

5 ـ وقال ابن مفلح في "الفروع" 5/237 بعدما نقل رواية الخلال عن الإمام أحمد في كراهته للطبل : "ونقل ابن منصور الطبل ليس فيه رخصة … وفي عيون المسائل وغيرها : من أتلف آلة لهو الدف مندوب إليه في النكاح لأمر الشارع ، بخلاف العود والطبل ، فإنه لا يباح استعماله ، والتلهي به بحــــــــال " . اهـ .

6 ـ وقال المرداوي في "الإنصاف" 6/247 : "ومن أتلف مزمارًا، أو طنبورًا، أو صليبًا، أو كسر إناء فضة، أو ذهب، أو إناء خمر، لم يضمنه، وكذا العود والطبـــل ، والنرد .. وهذا المذهب في ذلك كله ، وجزم به في المغني والشرح والفائق وغيرهم".اهـ .

7 ـ ولكونه محرمًا ، فقد نص الفقهاء على تحريم إعارته ، فقال البهوتي في "كشاف القناع" 4/63 : "وتصح الإعارة في ذي المنافع المباحة دون المحرمة ، كالزمر، والطبــــل ، والغناء" . اهـ .

تاسعًا ـ أما قول العبيكان في (الفقرة 18) : "أما إذا صاحبه الضرب بالدف والطبل في المناسبات ، فلا ينبغي الإنكار على فاعله لما أسلفنا ، وليعلم أن دين الإسلام دين اليسر والسهولة ... ، ودين الإسلام ليس فيه رهبانية" .اهـ.

قال مقيده "محتسب" : وهذا الكلام ظاهر الفساد ، واستباحة لحرمات اللَّه بغير مستند شرعي ، وقد تقدم بيان ذلك مفصلاً بما لا يحتاج لتكراره .

إذا تقرر هذا ، فالحسبة واجبة على قدر الاستطاعة ، عملاً بما صح عنه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ : "من رأى منكم منكرًا فليغيره" رواه مسلم في "صحيحه" (رقم 49) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا .

وقد أوجب الإمام أحمد بن حنبل الاحتساب على آلة "الطبل" ، وذلك بكسرها إذا كشفت للمحتسب ، لا أن يرقص على إيقاعها ، فقد نقل عبد اللَّه ابن الإمام أحمد في "مسائله" 1/316 قال : "سمعت أبي يقول في رجل يرى مثل الطنبور أو العود أو الطبـــــل أو ما أشبه هذا ما يصنع به؟ قال ـ أي الإمام أحمد ـ : إذا كان مغطّى فلا ، وإن كان مكشوفًا كسره". اهـ .

وفي "كتاب الورع" للإمام أحمد ص155، قال أبو بكر المروزي: سألت أبا عبد اللَّه قلت : أمر في السوق فأرى الطبول تباع ، اكسرها ؟ قال : "ما أراك تقوى ، إن قويت يا أبا بكر" . قلت: ادعى اغســل الميت فأسمع صوت الطبــــل؟ قال : "إن قدرت على كســره، وإلا فاخرج " . اهـ .

وهذا نص صريح في المسألة ، فتأمل كيف ينتقي العبيكان من أقوال أهل العلم ما يناسب هواه، ويؤيد فتواه !!.

كما صرح البهوتي بوجوب الاحتساب على المطبلين والمزمرين ، فقال في "كشاف القناع" 5/170 : "وإن علم المدعو أن في الدعوة منكرًا ، كالزمر ، والخمر ، والعود ، والطبــــــل ، ونحوه ... وأمكنه إزالة المنكر ، لزمه الحضور والإنكار" . اهـ . فتأمل ، والله المستعان على أهل الباطل.

عاشرًا ـ بعد أن أفرغ العبيكان ما في جعبته من سهام طائشة ، ختم فتواه بالتذكير بأن دين الإسلام دين اليسر والسهولة !!.

قال مقيده "محتسب" : لو سلمنا جدلاً بحسن نية العبيكان ، وأن الرجل من المتساهلين ، أو المسهلين ، فالقاعدة الشرعية أن النية الحسنة لا تبرر الحرام ، ولا يجوز التسهيل للناس على حساب النصوص الشرعية ، وذلك بلي عنقها عنوة ؛ لكي تتناسب مع الفتوى كما هو واقع هنا ، ثم هذا الزعم ـ أعني استباحة المحرمات تحت ستار الدين يسر ـ ، هو ـ للأسف ـ ديدن من لا خلاق له من أرباب الشهوات ، وأصحاب النفوس الضعيفة ، فإذا احتسب عليهم ، تحججوا بما يتحجج به العبيكان في تحليله الطبل المحرم : دين اللَّه يسر ، والله المستعان .

قال الشوكاني في "السيل الجرار" 1/409 : "الدين كله يسر والشريعة جميعًا سمحة سهلة ، والذي يجب الأخذ به ، ويتعين العمل عليه هو ما صح دليله ، فإن تعارضت الأدلة لم يصلح أن يكون الأخف مما دلت عليه أو الأشق مرجحًا ، بل يجب المصير إلى المرجحات المعتبرة" . اهـ .


خــــــاتمــــــة


نختم هذا الرد بتذكير العبيكان ومن سلك دربه بتقوى اللَّه في فتاويه ، فوالله إن حمله ثقيل، ووزره كبير، قال الغزالي: "إن زلة العالم بالذنب قد تصير كبيرة، وهي في نفسها صغيرة"، ثم أورد أمثلة لذلك، ثم قال: "فهذه ذنوب يتبع العالم عليها، فيموت العالم، ويبقى شره مستطيرًا في العالم أيامًا متطاولة، فطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه". اهـ .

وقال الشاطبي في "الموفقات" 4/170: "وهكذا الحكم مستمر في زلته في الفتيا من باب أولى، فإنه ربما خفي على العالم بعض السنة، أو بعض المقاصد العامة في خصوص مسألته ، فيفضي ذلك إلى أن يصير قوله شرعا يتقلد ، وقولا يعتبر في مسائل الخلاف ، فربما رجع عنه ، وتبين له الحق ، فيفوته تدارك ما سار في البلاد عنه ، ويضل عنه
تلافيه" . اهـ .

قال مقيده "محتسب" : وهذا واقع الحال ، ففتواه في "تحريم الجهاد في العراق" ، فقد صار يسير بها الركبان من الأمريكان والعملاء والمستغربين في داخل العراق وخارجها .

وفتواه في "طاش ما طاش" ، صار يسير بها ركبان أهل الفن ودعاة الاختلاط .

وفتواه في "الطبل والرقص" ، صار يسير بها أهل المعازف والمجون ، فاتق اللَّه يا عبيكان في أمتك ، فوالله إن عشت عشرًا فلن تعيش الأخرى إلا أن يشاء اللَّه ، فالموت أقرب إليك من الحياة!!

والحذر كل الحذر لأهل الإيمان من الانسياق وراء زلة بعض المشايخ ، وتتبع رخص المفتين تحت شعار سماحة الدين ، فاليسر لا يكون إلا فيما شرعه اللَّه وثبتت صحته .

وعن ابن المبارك قال : أخبرني المعتمر بن سليمان ، قال : "رآني أبي وأنا أنشد الشعر ، فقال لي : يا بني ! لا تنشد الشعر . فقلت له : يا أبت ! كان الحسن ينشد ، وكان ابن سيرين ينشد !! فقال لي : أي بني إن أخذت بشر ما في الحسن ، وبشر ما في ابن سيرين اجتمع فيك الشر كله" .

وقال سليمان التيمي "الموافقات" 4/169: "إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله ، قال ابن عبد البر: هذا إجماع لا أعلم فيه خلافًا. وهذا كله يدل على طلب الحذر من زلة العالم وأكثر ما تكون عند الغفلة عن اعتبار مقاصد الشارع في ذلك المعنى الذي اجتهد فيه ، والوقوف دون أقصى المبالغة في البحث عن النصوص فيها". اهـ.

نسأل اللَّه تعالى بمنه وكرمه أن يرزقنا جميعًا الهداية ، ويجنبنا الغواية ، وصلى اللَّه على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


وكتبه : محتسب ـ أبو مصعب
20/1/1426هـ