عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 15-08-2001, 07:56 PM
ميثلوني في الشتات ميثلوني في الشتات غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2001
المشاركات: 2,111
إرسال رسالة عبر  AIM إلى ميثلوني في الشتات
Post الإستشهاديون .. الإضاءة الوحيدة في سماء الأمة

الإستشهاديون .. الإضاءة الوحيدة في سماء الأمة

فهمي هويدي- الأهرام المصرية – الخليج الإماراتية

14/8/2001م



لا أستطيع أن أخفي فرحا بالعملية الاستشهادية التي تمت في القدس يوم الخميس الماضي‏,‏ ولا أنكر أنها انتشلتني من شعور بالكآبة والحزن تلبسني طيلة الأسبوعين الأخيرين‏,‏ حين خيم السكون والفتور علي العالم العربي‏,‏ بينما "إسرائيل" تعربد في الأرض المحتلة‏,‏ وتمثل بشعبها ليل نهار‏,‏ وحين كانت مواكب الجنازات في مدن الضفة هي الحضور الوحيد للجماهير في الشارع العربي‏.‏ في هذه الأجواء البائسة وقعت عملية القدس‏.‏ فكانت بالنسبة لي بارقة أمل وطوق نجاة‏.‏


‏(1)‏


ظننت في البداية أن ذلك شعور خاص بي لكني اكتشفت بعد لحظات قليلة من إذاعة النبأ أن كثيرين يشاركونني فيه‏.‏ فرنين الهاتف لم يتوقف في بيتي إلى ما بعد منتصف الليل‏,‏ وأغلب الذين تلقيت مكالماتهم كانوا يريدون أن يتأكدوا من أن البشرى وصلتني‏,‏ وأنني أحطت علما بما جرى‏,‏ وعلمت في اليوم الثاني أن الجماهير في لبنان والأردن وغزة‏,‏ خرجت الي الشوارع مهللة ومعبرة عن فرحتها بالهتافات تارة وبإطلاق الرصاص في الهواء تارة أخري‏,‏ ومنهم من خرج لكي يوزع الحلوى على المارين في الشوارع‏,‏ وقد اقترنت عملية التوزيع بزغاريد النساء التي ظلت أصداؤها تتردد في السماء طوال الليل‏.‏

أعرف أن هناك من سيلوي شفتيه متأففا ومستنكرا‏,‏ وقائلا إن الفرحة انفعال غوغائي‏,‏ وشعور غير صحي أو غير متحضر‏,‏ فالعملية أسفرت عن ضحايا من المدنيين الأبرياء‏,‏ وهو ما يستوجب التعبير عن الأسف وليس البهجة‏,‏ وقرأت قول أحد الذين أرادوا أن يسحبوا الفرحة من عيوننا‏,‏ وادعاءه أن عملية القدس أسعدت الحكومة الإسرائيلية‏.‏ وانها الأكثر سعادة وفرحا بما حدث‏,‏ لأنها اهتبلت الفرصة لكسب تأييد حكومات الغرب وواشنطن بوجه أخص‏.‏ لمخطط القمع الذي يمارسه شارون ضد الفلسطينيين‏.‏
ولا أعرف ما إذا كانت مثل هذه الأصداء تستحق التفاتا أو ردا أم لا‏.‏ لكني أعرف جيدا أن ثمة حربا معلنة على الفلسطينيين‏.‏ وموجهة ضد الشعب بأسره‏,‏ وأن تلك الحرب بدأتها "إسرائيل" مستخدمة في ذلك كل الوسائل‏,‏ من تكريس الاحتلال والاستيطان إلى القصف بطائرات إف‏16,‏ وتدمير البيوت والزراعات‏,‏ وقتل البشر بالصواريخ‏.‏ ولأن لكل حرب ثمنها‏,‏ فليس مفهوما أن يدفع الفلسطينيون وحدهم الثمن بالكامل‏,‏ بينما يخوضها "الإسرائيليون "بالمجان‏.‏
الذي أعرفه أيضا أن "إسرائيل" لم ترحم أحدا من الفلسطينيين ولم تميز بين فدائي ومقاتل وبين امرأة أو شيخ أو طفل‏.‏ ولم يعرف عن الطفل محمد الدرة أنه كان منتميا إلى الجهاد الإسلامي أو كتائب القسام‏,‏ وإنما قتل لأنه فلسطيني فحسب‏.‏ ولماذا الأمر كذلك‏,‏ فلماذا لا نأسى علي الدم الفلسطيني‏,‏ بينما نتكلم عن التحضر ويفزعنا الدم حين يكون "إسرائيليا‏",‏ ونذرف الدمع علي الضحايا الأبرياء الذين كانوا جالسين في مطعم البيتزا يوم الخميس‏,‏ علما بأن هؤلاء المدنيين ـ شأنهم في ذلك شأن كل "إسرائيلي أو إسرائيليية" هم شركاء في جريمة اغتصاب فلسطيني‏(‏ هل نسينا‏),‏ ناهيك عن أنهم جميعا جنود في الاحتياط‏,‏ يتحولون الي محاربين وقتلة عند اللزوم‏.‏

أما الزعم بأن حكومة شارون كانت الأكثر سعادة بما حدث‏,‏ فهو هزل في موضع الجد‏,‏ حيث إنه يفترض أن "الإسرائيليين" كانوا بحاجة إلى عملية من هذا القبيل لكسب تأييد الأوروبيين والأمريكيين‏,‏ كأنما هم كانوا في موقف المعارضة‏.‏ ثم إنه يتجاهل تصريح نائب الرئيس الأمريكي ـ السابق للعملية ـ الذي أيد فيه سياسة القمع "الإسرائيلي"‏,‏ واعتبرها دفاعا عن النفس‏.



‏(2)‏


للفرحة عندي أسباب عدة‏,‏ أولها أن عملية القدس بمثابة ضربة موجعة للعدو "الإسرائيلي"‏,‏ وذلك وحده سبب كاف لشعور واحد مثلي بالسعادة‏,‏ ذلك أن أي وجيعة ل"إسرائيل"‏,‏ تأتيها من أي باب‏,‏ تشبع عندي ـ وعند كل مواطن عربي لم يفقد ذاكرته أو وعيه أو ضميره ـ رغبة في الثأر وتصفية الحساب المتراكم منذ لحظة الاغتصاب التي وقعت قبل نصف قرن‏,‏ إذ حين أرى على شاشة التليفزيون الفزع والأشلاء "الإسرائيلية" لا يهيمن على إدراكي سوى شيء واحد‏,‏ هو شريط المذابح "الإسرائيلية" من دير ياسين وكفر قاسم وقبيه الي مسلسل صور مقتل محمد الدرة في حضن أبيه‏.‏

السبب الثاني أن توقيت العملية كان مهما للغاية‏,‏ حيث وقعت في وقت يمثل واحدة من لحظات الشعور بالذل والخزي في العالم العربي‏,‏ الأمر الذي دفع بكثيرين إلى مشارف اليأس والإحباط‏,‏ ذلك أن الجبروت "الإسرائيلي" وصل إلى مداه‏,‏ حيث استباحت "إسرائيل" كل شيء في فلسطين‏.‏ ولم تكتف بالقصف والتدمير وإطلاق المستعمرين لافتراس الفلسطينيين‏,‏ وإنما أعلنت أنها ستواصل الخطف والقتل لكل الناشطين في مقاومة الاحتلال‏,‏ وبينما كان ذلك يحدث بصفة يومية في فلسطين‏,‏ فإن شيئا لم يتحرك في العالم العربي‏.‏ والذين رفعوا أصواتهم وتكلموا‏,‏ إما استغاثوا بالأمريكان وإما أنهم لم يطالبوا بأكثر من العودة الي طاولة المفاوضات‏,‏ في مناخ تلك المهانة المركبة‏,‏ تمت العملية‏,‏ وانتبه الجميع إلى أن هناك ردا آخر لايزال ممكنا‏,‏ يخاطب "الإسرائيليين" باللغة التي يفهمونها‏.‏

السبب الثالث أن الضربات التي وجهتها حكومة شارون إلى المقاومة رفعت من رصيده لدى الرأي العام "الإسرائيلي"‏,‏ حتى وصلت نسبة المؤيدين لسياسة اغتيال الناشطين الفلسطينيين الي‏70%,‏ حسب آخر استطلاع للرأي العام‏,‏ وأفاضت الصحف في الحديث بزهو شديد عن الانتصار "الإسرائيلي "من نماذج ذلك ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت في‏8/8‏ تحت عنوان‏:‏ "إسرائيل" انتصرت على الانتفاضة وحولت مناطق السلطة إلى أراض مدمرة‏.‏
وفيه تباهى الكاتب بأنه بعد‏300‏ يوم من الانتفاضة انتصرت "إسرائيل"‏,‏ وأصبح كل فلسطيني يتوقع ضربة اليوم أو غدا‏,‏ كما أن مناطق السلطة الفلسطينية أصبحت أرضا مدمرة تتدهور نحو الجوع والفقر‏,‏ تنخرها النزاعات الداخلية ويستشري فيها اليأس‏.‏

في هذه الأجواء وقعت عملية القدس‏,‏ محملة برسالة قوية تقول للذين استبد بهم الغرور إن الانتصار "الإسرائيلي" ليس مطلقا‏,‏ وان جولات الصراع مازالت مفتوحة ومستمرة‏,‏ وأن اليأس الفلسطيني ليس سوى شائعة يروج لها "الإسرائيليون‏".‏

‏(3)‏


لست أبالغ إذا قلت إن أولئك الفدائيين الأبطال هم الإضاءة الوحيدة في سمائنا المعتمة‏,‏ وهم الدليل الوحيد الذي يثبت أن الأمة العربية فيها بقية من حياة‏,‏ وأنها لم تمت بعد‏,‏ وإذا كان لنا أن نرفع رءوسنا ونستشعر بعضا من الكبرياء فلأنه لايزال بيننا أمثال أولئك الشبان الذين اختاروا أن يموتوا من أجل أن يكون في حياتنا أمل‏,‏ ولحياتنا معنى‏,‏ ولليلنا الطويل فجر تطل منه البشارة‏.‏

بسبب من ذلك فلعلي أذهب إلى أن عملية القدس لم تكن موجهة ضد الاحتلال "الإسرائيلي" فحسب‏,‏ وإنما هي أيضا موجهة ضد العجز العربي‏,‏ ذلك أن عجزا بهذا الشكل الذي نراه من حولنا‏,‏ لا يهزه ولا يوازنه سوى عملية استشهادية من ذلك النوع الذي وقع‏.‏

يحضرني في هذه اللحظة ذلك الجدل السخيف الذي أثاره البعض قبل حين حول تكييف أمثال تلك العمليات الفدائية‏,‏ وهل تعد استشهادا أم انتحارا‏,‏ وأتمني لو أنني رأيت حمرة الخجل في اللحظة الراهنة‏,‏ في وجوه أولئك الذين شككوا في كونها استشهادا له مقامه المقبول والرفيع عند الله سبحانه وتعالي‏,‏ اما الذين أبدوا اشمئزازهم وتأففهم من تلك العمليات‏,‏ وأقرانهم الذين ضاقت صدورهم وتعكرت أمزجتهم من جراء جنازات الشهداء التي نشاهدها كل يوم علي شاشات التليفزيون‏,‏ وقال قائلهم في إحدى المجلات الأسبوعية المصرية ـ القومية للأسف إن القضية الفلسطينية قد انتهت وأن العرب يلعبون الآن في الوقت الضائع أمثال هؤلاء لا هم منا ولا نحن منهم‏.‏ وأشك كثيرا في أنهم يقفون في المربع الآخر‏,‏ وليس في مربعنا‏.‏

‏(4)‏


الآن انكشف الغطاء تماما عن لعبة السلام‏,‏ وأصبح خيار الفلسطينيين واضحا‏,‏ فإما الاحتلال وإما الموت‏,‏ من قبل غلف الزعماء "الإسرائيليون" الصفقة بأغلفة شتى‏,‏ وجاء شارون لكي يهتك اللفافات ويرفع الغطاء‏,‏ ويقولها صراحة للفلسطينيين‏.‏
وحتي لا يدعي احد ان اتفاق أوسلو كان الحل الممكن‏,‏ فإنني أرد عليه بأن أوسلو كانت بداية الفصل الراهن من المأساة‏,‏ لأنها أوجدت وضعا مستحيلا‏,‏ كان لابد أن ينتهي بانفجار من ذلك القبيل الذي نشهده‏.‏


تفيدنا في هذا الصدد شهادة رصينة قرأتها أخيرا لكاتب فلسطيني لم أقرأ له من قبل للأسف‏,‏ هو الأستاذ رائف زريق‏,‏ قال فيها‏:‏ أنشأت أوسلو حالا من الثنائيات المستحيلة‏,‏ التي لا يمكن أن تستمر في التعايش مع بعضها‏.‏ الثنائية الأولي بين الأرض ومن عليها فقد استمرت "إسرائيل" في التصرف بأراضي الضفة وغزة وكأنها صاحبة السيادة‏,‏ تشق الطرق وتبني المستعمرات‏,‏ وتستعمل المياه الجوفية‏,‏ إلا أنها أعفت نفسها من المسئولية عن حاجات الفلسطينيين هناك‏.‏ في المقابل طلب من السلطة الفلسطينية التي لم تمنح الصلاحيات على الأرض أن تتصرف‏,‏ وأن تضبط شغب مواطنيها الذين يحتجون علي عمليات الاستعمار والتوسع‏.‏ أي أن أوسلو أوجدت واقعا تغيب فيه صلاحيات الدولة‏.‏ لكن تحضر فيه التزاماتها‏,‏ فكان على السلطة بالتالي أن تكون وألا تكون في الوقت نفسه‏.‏ أن تحضر عنه المسئوليات وتغيب عنه الصلاحيات‏.‏ أن تحضر السيادة على المواطنين وتغيب عن الأرض‏.‏
وبموجب منطق أوسلو على السلطة الفلسطينية ان تحمي امن المستعمرات‏,‏ وهذا ما ينص عليه الاتفاق‏,‏ إلا أن بعض الشعب الفلسطيني الذي ينظر إلى السلطة بصفتها ممثلا له ينتظر منها أن تزيل المستعمرات وأن تحارب وجودها لا أن تحميها‏.‏ وفي حين كانت "إسرائيل" تتوقع بموجب أوسلو أن تقوم السلطة بـ الحفاظ علي النظام والهدوء فإن الشعب الفلسطيني كان ينظر إليها ويتوقع منها تغيير الوضع الراهن وليس الحفاظ عليه‏.‏ هكذا تراوحت السلطة بين مهمات الثورة ومسئوليات الدولة‏.‏ بين كونها عاملا مسكنا وعاملا باعثا علي التغيير بين التزامها امام شعبها والتزاماتها الكاذبة في أوسلو‏.‏

هذه التناقضات المتفجرة جرى إخفاؤها من خلال محاولات التجميل التي تمت‏(‏ اعتبار عرفات رئيسا‏,‏ ومعاونيه وزراء‏,‏ إصدار طوابع بريد وهيئة اذاعة وشركة طيران ومطار‏...‏ إلخ‏)..‏ إضافة إلى ذلك أوجدت أوسلو عالما مشوها من المفاهيم السياسية‏,‏ التي أعمت البصيرة السياسية كانت مسيرة السلام من أهمها‏.‏

في هذا الصدد قال الكاتب‏:‏ وصف المسيرة بأنها سلمية يوحي بأن القطار سيوصلنا في محطته الأخيرة الي السلام‏.‏ إلا أن تعريف المحطة الأخيرة مستقبلا بأنها محطة السلام يصور الواقع الراهن بمسمياته حربا الا ان الفلسطينيين لم يكونوا في حالة حرب مع "اسرائيل"‏.‏ اذ هم شعب يقع تحت الاحتلال الاسرائيلي وللحرب قوانين ومرجعيات تختلف عن حال الاحتلال‏.‏ في حال الاحتلال هناك وضوح في الميزان الأخلاقي ووضوح في المرجعيات الدولية‏,‏ أما حال الحرب فشيء آخر‏,‏ حيث توحي بمسئوليات مشتركة أو نزاع مصالح‏...‏ الخ‏.‏

إن الفلسطينيين يريدون إنهاء الاحتلال والاستقلال والحرية والسيادة‏,‏ والسلام‏..‏ والسلام باعتباره غياب العنف هو نتيجة لتحقيق ذلك‏,‏ ولا يمكن أن يكون شرطا للتفاوض‏,‏ كما تريده "إسرائيل"‏.‏
‏(‏الحياة اللندنية‏8/4)‏


‏(5)‏


لقد أثبتت خبرة السنوات التي ضيعناها في الثرثرة حول السلام‏,‏ التي استثمرتها "إسرائيل" في تكريس الاحتلال وتوسيع المستوطنات ونزع المزيد من الأراضي الفلسطينية‏,‏ إن المقاومة هي الخيار الوحيد الباقي‏,‏ وهي خط الدفاع الفلسطيني الأخير‏.‏
لا أمل من تكرار الإشارة إلى أن الشعب الفلسطيني أدى واجبه بالكامل‏,‏ ولا يستطيع أحد أن يطالبه بأكثر مما يفعل‏,‏ في حين أن السلطة الفلسطينية لم تحسم خيارها بعد‏,‏ ومازالت تتحدث عن أوسلو والعودة إلى المفاوضات حتى أزعم ان هذه المراوحة تمثل نقطة الضعف الوحيدة في الموقف الفلسطيني‏.‏


هذا الضعف ذاته ينسحب على الموقف العربي‏,‏ الذي يحتاج الي مراجعة وحسم تخرج الأمة من حالة السكون والإحباط التي تتقلب فيها والحد الأدني لتلك المراجعة يتمثل في قطع كل صور العلاقات والعودة الي سلاح المقاطعة‏,‏ وتوجيه رسالة واضحة الي واشنطن تعكس حقيقة مشاعر الشارع العربي‏,‏ الذي يختزن غضبا أغلب الظن ان الأمريكيين لا يعرفون مداه‏,‏ ولا يتصورون عواقبه‏.‏
إننا لا نستطيع ان نطالب الشعب الفلسطيني بان يدفع وحده ضريبة الدم مرتين‏,‏ مرة للدفاع عن حلمه‏,‏ ومرة للدفاع عن كرامة الأمة العربية‏.‏

عن http://www.palestine-info.net/arabic...nt/howide1.htm
__________________
الشعب الذي يرفض دفع ضريبة عزه من دماء خيرة أبنائه يدفع أضعاف أضعافها ضريبة لذله من دماء كل أبنائه