عرض مشاركة مفردة
  #76  
قديم 07-09-2004, 04:57 AM
سيد الصبر سيد الصبر غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
المشاركات: 400
إفتراضي

--------------------------------------------------------------------------------

( 508 )


6

شبهات وحلول

قد تعرفت على دلالة الذكر الحكيم والسنّة النبوية على حلّية المتعة واستمرارها بعد رحيله فلا منتدح للمسلم عن القول بجوازه فمن حرّمها فقد حرّم ما أحل اللّه.

ثمّ إنّ جمعاً ممّن لم يقف على حدود المتعة ولا على حقيقتها راموا ينحتون شبهات واهية حول تحليل المتعة، ونحن نذكر تلكم الشبهات واحدة تلو الأُخرى حتّى يتّضح انّ التشريع الإلهي من أحكم التشريعات وأنصعها فلا يزول بهذه الشبهات التي هي أوهن من بيت العنكبوت.

الشبهة الأُولى: المتعة وتكوين الأُسرة

الهدف من تشريع النكاح هو تكوين الأُسرة وإيجاد النسل وهو يختص بالنكاح الدائم دون المنقطع الذي لا يترتب عليه سوى استجابة للقوة الشهوية و صب الماء والسفح.

قال الدكتور الدريني: شرع النكاح في الإسلام لمقاصد أساسية قد نصّ عليها القرآن الكريم صراحة ترجع كلّها إلى تكوين الأُسرة الفاضلة التي تشكّل النواة الأُولى للمجتمع الإسلامي بخصائصه الذاتية من العفّة والطهر والولاية



--------------------------------------------------------------------------------

( 509 )
والنصرة والتكافل الاجتماعي، ثمّ يقول: إنّ اللّه إذ يربط الزواج بغريزة الجنس لم يكن ليقصد مجرد قضاء الشهوة، بل قصد أن يكون على النحو الذي يحقّق ذلك المقصد بخصائصه من تكوين الأُسرة التي شرع أحكامها التفصيلية في القرآن الكريم.

وعلى هذا فانّ الاستمتاع مجرداً عن الإنجاب وبناء الأُسرة، يحبط مقصد الشارع من كلّ أصل تشريع النكاح.(1)

يلاحظ عليه بوجوه:

الأوّل: أنّ الأُستاذ خلط علّة التشريع ومناطه، بحكمته، فإنّ العلّة عبارة عمّـا يدور الحكم مدارها، يحدث الحكم بوجودها ويرتفع بارتفاعها، وهذا بخلاف الحكمة، فربّما يكون الحكم أوسع منها، وإليك توضيح الأمرين:

إذا قال الشارع اجتنب المسكر، فالسكر علّة وجوب الاجتناب بحجّة تعليق الحكم على ذلك العنوان، فما دام المائع مسكراً، له حكمه، فإذا انقلب إلى الخلّ يرتفع.

وأمّا إذا قال: ( والمُطَلَّقاتُ يَتَربَّصْنَ بأنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء ولا يَحِلُّ لَهُنَّ أنيَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أرحامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤمِنَّ بِاللّهِ واليومِ الآخِرِ...).(2)

فالتربّص ـ لأجل تبيّـن وضع الرحم، وإنّها هل تحمل ولداً أو لا؟ ـ حكمة الحكم، لا علّته، ولأجل ذلك نرى أنّ الحكم أوسع منها بشهادة أنّه يجب التربّص


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . الدكتور الدريني في تقديمه لكتاب «الأصل في الأشياء الحلية... ولكن المتعة حرام» وكلّما ننقله منه فهو من تقديمه لهذا الكتاب ولاحظ أيضاً : المنار:5/8 فانّ عامة اعتراضاته مأخوذة من هذا الكتاب. كما أنّ المنار، في طرح الشبهات عيال على غيره حيّا اللّه الأمانة.

2 . البقرة:228.


--------------------------------------------------------------------------------

( 510 )
على من نعلم بعدم وجود حمل في رحمها.

1. كما إذا كانت عقيماً لا تلد أبداً.

2. إذا كان الرجل عقيماً.

3. إذا غاب عنها الزوج مدة طويلة كستة أشهر فما فوق، ونعلم بعدم وجود حمل في رحمها.

4. إذا تبيّن عن طريق إجراء التجارب الطبّية، خلوُ رحمها عنه.

ومع العلم بعدم وجود الحكمة في هذه الموارد فحكم الآية محكمة وإن لم تكن حكمة الحكم موجودة، وهذا لا ينافي ما توافقنا عليه من تبعية الأحكام للمصالح، فانّ المقصود منه هو وجود الملاكات في أغلب الموارد لا في جميعها.

إذا عرفت الفرق بين الحكمة والعلّة تقف على أنّ الأُستاذ خلط بين العلة والحكمة، فتكوين الأُسرة والإنجاب والتكافل الاجتماعي كلّها من قبيل الحِكَم بشهادة أنّ الشارع حكم بصحّة الزواج في موارد فاقدة لهذه الغاية.

1. يجوز زواج العقيم بالمرأة الولود.

2. يجوز زواج المرأة العقيم بالرجل المنْجِب.

3. يجوز نكاح اليائسة.

4. يجوز نكاح الصغيرة.

5. يجوز نكاح الشاب من الشابة مع العزم على عدم الإنجاب إلى آخر العمر.

أفيصح للأُستاذ أن يشطب على هذه الأنكحة بقلم عريض بحجّة افتقادها لتكوين الأُسرة؟!



--------------------------------------------------------------------------------

( 511 )
على أنّ من الأُمور الواضحة هو أنّ أغلب المتزوّجين في سنّ الشباب بالزواج الدائم لا يقصدون إلاّ قضاء الوطر، واستيفاء اللذة من طريقها المشروع، ولا يخطر ببالهم طلب النسل، وإن كان يحصل لهم قهراً.

الثاني: يجب على الأُستاذ التفصيل بين من يتزوّج متعة لغاية الإنجاب وتشكيل الأُسرة بخصائصها الذاتية من العفّة، والطهر، والولاية، والنصرة، والتكافل الاجتماعي، وبين من يتزوّج لقضاء الوطر، ودفع الشهوة بهذا الطريق، فيُحرّم الثانية دون الأُولى، وأمّا إنّه لماذا يتزوّج زواجاً مؤقتاً للإنجاب وتشكيل الأُسرة؟ فلأجل وجود بعض التسهيلات في المؤقت دون الدائم.

إنّ الأُستاذ كأكثر من كتب عن المتعة من أهل السنّة، يتعامل مع المتمتع بها معاملة الغانيات المفتوحة أبوابهنّ، يدخل عليهنّ في كل يوم رجل ويجتمع معهنّ ذلك اليوم ثم يفارق ويأتي رجل آخر بهذه الخصوصية. فلو كان هذا معنى التمتّع بالمرأة والزواج المؤقت، فالشيعة الإمامية بريئون من هذا التشريع الذي يرادف الزنا إلاّ في التسمية. ولكن المتعة تفارق ذلك مائة بالمائة، فربّما يكون هناك نساء توفّـي عنهنّ أزواجهنّ ولهنّ جمالهنّ وكمالهنّ، وربّما لا يتمكّن الرجل من الزواج الدائم لمشاكل اجتماعية، ومع ذلك يرغب إلى هذه الطبقة من النساء فيتزوّجها طالباً بها رفع العنت أوّلاً وتشكيل الأُسرة بمالها من الخصوصيات ثانياً.

والحق أنّ ما اختمر في ذهن الكاتب وغيره من المتعة أشبه بالنساء المبذولات في بيوت خاصة، ومحلاّت معيّنة فمثل ذلك لا يمكن أن تُضفى عليه المشروعية، غير أنّ المتعة الشرعية غير ذلك، وربّما يتوقّف التزوّج بهنّ على طي عقبات، فيشترط فيها ما يشترط في الدائم، ويفارق الدائم بأُمور أوضحها: الطلاق والنفقة.



--------------------------------------------------------------------------------

( 512 )
وأمّا التوارث فيتوارثان بالاشتراط على الأقوى، ومثل ذلك يلازم الغايات المطلوبة للنكاح غالباً.

والحق أنّ الغاية القصوى في كل مورد رخّص فيه الشارع العلاقة الجنسية بعامّة أقسامها حتى ملك اليمين وتحليل الإماء في بعض المذاهب الفقهيّة هو صيانة النفس عن الوقوع في الزنا والسفاح. وأمّا سائر الغايات من تشكيل الأُسرة، و التكافل الاجتماعي، فإنّما هي غايات ثانوية تحصل بالنتيجة سواء توخّاها الزوجان أم لا.

والغاية القصوى موجودة في الزواج المؤقت، وأنّ الهدف من تشريعه هو صيانة النفس عن الحرام لمن لا يتمكّن من الزواج الدائم، ولأجل ذلك استفاض عن ابن عباس قوله: «يرحم اللّه عمر ما كانت المتعة إلاّ رحمة من اللّه رحم بها أُمّة محمد ولولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلاّ شقيّ». (1) وروي النص باختلاف طفيف عن عليّ ـ عليه السَّلام ـ أيضاً.(2)

إنّ قوله سبحانه: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلهِِ...) (3) دليل على أنّ الغاية من تجويز النكاح، والنهي عن الرهبانية هو صيانة النفس عن الفحشاء ودفعها إلى التعفّف، وهذه الغاية كما عرفت موجودة في جميع الأنكحة والعلاقات الجنسية من الزواج الدائم إلى الزواج المؤقّت إلى ملك اليمين إلى تحليل الإماء بشروطها المقرّرة في الفقه.




ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . الدر المنثور: 2/141.

2 . لاحظ تفسير الرازي: 3/200 المسألة الثالثة في بيان نكاح المتعة.

3 . النور:33. وقولهوَمِنْ آياتِهِ ان جعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزواجاً لِتسْكُنُوا إِليها)(الروم:2).


--------------------------------------------------------------------------------

( 513 )
الشبهة الثانية

المتعة خارجة عن الحصر المحلل

انّه سبحانه أمر بحفظ الفروج إلاّ في موردين و قال: (وَالّذينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظُونَ* إِلاّ على أَزواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيرُ مَلُومِين *فَمَنِ ابتغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُون)(1) والمراد من قوله فمن ابتغى هم المتجاوزون عمّا أحله اللّه لهم إلى ما حرمه عليهم، والمرأة المتمتع بها ليست زوجة ليكون لها على الرجل مثل الذي له عليها بالمعروف.(2)

يلاحظ عليه: أنّ المستشكل لم يدرس حقيقة المتعة إلاّ بما دارت على الألسن من تشبيه المتعة بالنساء المبتذلات في بيوت خاصة ومحلات معينة، ومن المعلوم انّ مثل هذه المرأة غير داخلة في قوله : (إِلاّ على أزواجهم).

وأمّا المتمتع بها فهي زوجة حقيقة لا تحل بلا عقد ولا تحرم إلاّ بانقضاء الأجل ويجب عليها الاعتداد بعد الفراق، كما تقدّم عند شرح نبذ من أحكامها إلى غير ذلك من الأحكام المذكورة فمثل ذلك داخل في قوله إلاّ على أزواجهم).

نسأل القائل إذا صحّ ما يقوله من أنّها ليست زوجة فكيف أحلّها الذكر


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . المؤمنون:5ـ7.

2 . الدكتور الدريني في تقديمه، ص 26.


--------------------------------------------------------------------------------

( 514 )
الحكيم والرسول الكريم في غير موقف من المواقف؟ فهل يتوهم انّه سبحانه أحلّ الفحشاء أو انّ نبيه دعا أصحابه إليها، وهو القائل سبحانهوَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ)(1) كلّ ذلك يبعث الباحث إلى القول بأنّ المتمتع بها زوجة بلا شك.

نحن نسأل القائل عن الزوجين اللّذين يتزوجان نكاحَ دوام ولكن ينويان الفراق بالطلاق بعد سنة. فهل هذا نكاح صحيح أو لا؟ لا أظن أنّ فقيهاً من فقهاء الإسلام يمنع ذلك إلاّ إذا أفتى بغير دليل ولا برهان، فأي فرق يكون حينئذ بين المتعة وهذا النكاح الدائم سوى أنّ المدّة مذكورة في الأوّل دون الثاني؟

يقول صاحب المنار: إنّ تشديد علماء السلف والخلف في منع المتعة يقتضي منع النكاح بنيّة الطلاق، وإن كان الفقهاء يقولون إنّ عقد النكاح يكون صحيحاً إذا نوى الزوج التوقيت ولم يشترطه في صيغة العقد، ولكن كتمانه إيّاه يعدّ خداعاً وغشّاً وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت .(2)

أقول: نحن نفترض أنّ الزوجين رضيا بالتوقيت لبّاً، حتى لا يكون هناك خداع وغشّ، فهو صحيح بلا إشكال.


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . النور:33.

2 . تفسير المنار:5/17.


--------------------------------------------------------------------------------
[/color]
__________________
السلفيالمحتار سابقا السندباد