عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 13-06-2004, 01:30 AM
سيد الصبر سيد الصبر غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
المشاركات: 400
إفتراضي

لم يكن تحقق وعود الإمام الخميني (قده) وانتصار الثورة الإسلامية في إيران، مجرّد حادثة داخلية قادت الى تغيير النظام السياسي، بل كانت الثورة الإسلامية زلزالاً مدمراً للعالم الغربي، كما وصفها كثير من المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين والأوروبيين في مذكراتهم التي نُشرت فيما بعد. وهكذا، ومنذ صبيحة الحادي عشر من شباط (فبراير) 1979 م، بدأ عداؤهم للنظام الإسلامي الفتيّ، بشكل سافر وواسع وشامل. كانت أميركا تقود جبهة الأعداء، التي ساهم فيها بشكل فاعل كلٌ من الحكومة الإنكليزية والعديد من الدول الأوروبية الأخرى، جنباً الى جنب مع كافة الأنظمة العميلة للغرب. كما انضم الإتحاد السوفياتي السابق والبلدان الدائرة في فلكه - بسبب امتعاضهم من سيادة الدين في إيران - الى الأميركيين، وناصروهم في الكثير من مواقفهم العدائية ضد إيران.

وكان الإمام الخميني (قده) يطمح، من خلال إعلان التعبئة العامة للشعب الإيراني لإعمار البلاد، الى تجسيد مثال المجتمع الديني السليم والمتطور. وبوحي من ذلك، أعلن عن تشكيل مؤسسة "جهاد البناء" التي هيّأت الأرضية لحضور الكوادر المتخصصة والطاقات الثورية في المناطق المحرومة والقرى والأرياف، لتبدأ خلال فترة وجيزة عمليات شق الطرق، وإنشاء المراكز الصحية والعلاجية، وتأسيس شبكات المياه والكهرباء على نطاق واسع.

ولم يمضِ سوى شهرين على انتصار الثورة، حتى أعلن الشعب الإيراني، في واحدة من أكثر الإنتخابات حريةً في تاريخ إيران، عن تأييده بنسبة 98.2 بالمئة لإقامة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. وتلت ذلك الإنتخابات السياسية لتدوين الدستور والمصادقة عليه، وإقامة انتخابات الدورة الأولى لمجلس الشورى الإسلامي.

في هذا الظرف بالذات إشتد تصعيد أمواج الفتن ووتيرة الضغوط الخارجية. وكانت أميركا تسعى عن طريق طابورها الخامس، الى إنهاء النظام الإسلامي بمشكلاته الداخلية، والتمهيد لإسقاط النظام عبر إثارتها للفتن والإختلافات.

ومن أُولى الحروب التي لجأ إليها أعداء الثورة لإضعاف نظام الجمهورية الإسلامية: إغتيال وجوه الثورة وشخصياتها المهمة. وخلال فترة وجيزة غُيِّبت وجوه بارزة، في طليعتها العلامة الشهيد آية الله مرتضى المطهّري (عضو مجلس قيادة الثورة)، والدكتور محمد مفتّح، والفريق قرني (رئيس هيئة الأركان)، والحاج مهدي عراقي وآية الله قاضي الطباطبائي.

إنّ أميركا ليست فقط لم تستجب لمطالب الشعب الإيراني المشروعة، الداعية الى تسليم الشاه، وإعادة الأموال والودائع الإيرانية المجمّدة في أميركا، والتي بلغت اثنتين وعشرين مليار دولار، بل وضعت إمكانات واسعة تحت تصرّف مسؤولي نظام الشاه الفارين، لتمكينهم من تنظيم تشكيلاتهم في الخارج، وإشهار عدائهم للنظام الإسلامي.

ونتيجة للعداء الأميركي الصارخ دفع غضب الشعب الإيراني مجموعة من الطلبة المسلمين الإيرانيين الى اقتحام السفارة الأميركية في طهران، واعتقال الجواسيس الأميركان بعد القضاء على مقاومة حراس السفارة من الأميركيين.

أيد الإمام الخميني (قده) الخطوة الثورية للطلبة، ووصفها بأنها ثورة أعظم من الثورة الأولى. وقام الطلبة السائرون على نهج الإمام بنشر الوثائق التي عثروا عليها في السفارة بالتدريج في أكثر من سبعين كتاباً حملت عنوان "وثائق وكر التجسس الأميركي في إيران".

وقد كشفت هذه الوثائق، المسلَّم بصحتها، النقاب عن أسرار التجسس والتدخل الأميركي الذي لا حدود له في كلٍّ من إيران وبلدان العالم، وأظهرت للعيان الكثير من عملاء أميركا وأدواتها وجواسيسها، وأساليب التجسس والتحركات السياسية الأميركية في مناطق العالم المختلفة.

مثّل احتلال السفارة الأميركية، التي عُرفت في ثقافة الثورة الإسلامية بـ"وكر التجسس"، فضيحة كبرى للحكومة الأميركية، وحقق للشعب الإيراني مكاسب عديدة لعل أبرزها - فضلاً عن ضمان استمرار الثورة - تحطيم الغرور الأميركي، وبث الأمل في نفوس شعوب العالم الثالث بإمكانية مواجهة القوى الكبرى وإلحاق الهزيمة بها.

إنّ هزيمة المخططات الأميركية التي استهدفت الإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية، بدءاً بالحظر الإقتصادي والعزلة السياسية التي فُرضت على إيران، ومروراً بعملية صحراء "طبس"، وانتهاءاً بمحاولات تجزئة البلاد عن طريق دعمها للتنظيمات المعادية للثورة؛ كل ذلك دفع الحكومة الأميركية للتفكير في اختيار الخيار العسكري.

وهكذا، بدأ الجيش العراقي في 22/9/1980 م، بإيحاء من الحكومة الأميركية ودعم القوى الكبرى، عدوانه العسكري الواسع على امتداد 1289 كم من الحدود المشتركة مع إيران. وتزامناً مع تقدّم هذه القوات، قامت الطائرات العراقية، في الساعة الثانية من عصر ذلك اليوم، بقصف مطار "طهران" والعديد من المدن الأخرى.

قوبل خبر شن العراق للحرب ضد إيران، رغم أهميته القصوى، بصمت مطبق من قِبل المحافل الدولية والقوى العالمية كافة. بيد أنّ ما يثير الإعجاب ويبعث على التأمل الى حد كبير، ردود الفعل الأولية التي صدرت عن الإمام الخميني (قده)، التي عكستها بياناته وخطاباته التي تطرّقت الى اعتداء الجيش العراقي من أبعاد مختلفة. إلاّ أنه لا يتّسع - للأسف - المجال هنا للحديث عن دقائقها وخصوصياتها.

أصدر الإمام على الفور أمر المقاومة. وفي أول تحليل له خلال خطاب ألقاه، إعتبر أميركا المسبّب الأساس لهذه الحرب والمحرّك لصدام (الرئيس العراقي) والداعم له، وطمأن الشعب الإيراني بصريح العبارة بأنه إذا ما هبّ لردّ العدوان من أجل رضى الله، بوصفه واجباً شرعياً، ستكون هزيمة العدو حتمية، رغم كل العوامل الظاهرية التي كانت تشير الى عكس ذلك.
__________________
السلفيالمحتار سابقا السندباد