عرض مشاركة مفردة
  #12  
قديم 11-05-2003, 12:22 PM
بصمة أمل بصمة أمل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2002
المشاركات: 56
إفتراضي

حكاية نظام الحسبة في السعودية
هذه بعض مقتطفات لمقال كتبه محمد فؤاد حول الدين والدولة في المملكة العربية السعودية
من التحالف الى المواجهة
وهذا ما يخص هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

======================================

ولعل ابن سعود أدرك خطورة التوجه الراديكالي للمشروع الديني الوهابي، ولذلك بدّل جبهات المواجهة من الخارج الى الداخل فقد أراد ان يحفظ كيانه السياسي من أي اختراقات تنطلق من داخل حدوده بما يثير قوى خارجية اقليمية ودولية، وفضّل تحويل المشروع الوهابي الى قوة استقرار داخلية. وهذا بالضبط يفسر قرار ابن سعود توظيف "المطاوعة" في عملية الضبط الداخلي، عبر ضمهم داخل لجان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر "الخاضعة بدورها للمديرية العامة لقوى الامن الداخلي في مرسوم ملكي عام 1930م وبذلك تمكن من توجيه مهام المطاوعه وضبط حركتهم واستخدامهم كاداة ضبط سياسية تمتد الى القرى والبوادي والأرياف وتحقق هدفاً مزدوجاً : تبليغ الدعوة الوهابية وتثبيت دعائم السلطة السياسية الحديثة في البلاد.

وقد نشأت هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر على يد الشيخ عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ عام 1930م بالرياض ثم توسعت لتشمل مناطق اخرى في نجد والاحساء وضمت الشيخ عمر بن حسان آل الشيخ والشيخ عبدالرحمن بن اسحق آل الشيخ والشيخ عبداللطيف آل الشيخ، وانتظمت في داخل الهئية لجان تابعة لنظام لابن سعود وقد تولى حاكم الحجاز فيصل بن عبدالعزيز الملك فيما بعد ادارة الهيئة وهو بدوره كان مسؤولاً أمام أبيه الملك بن سعود. وتتلخص مهمة هذه اللجان في ملاحقة المخالفين للتعاليم الوهابية وإدخال المشتبه بهم في سجون الدولة وانزال العقوبات بمن ثبت اختراقه للتشريعات المذهبية الوهابية .

وقد كان المطاوعه المتحدرين من قبائل مناصرة لابن سعود، فيما مضى أعضاء في حركة الاخوان وقد عملوا كجهاز فاعل في المراكز التابعة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في تحقيق هدفين متداخلين في آن أولاً: نشر المبادئ الوهابية عبر اخضاع المجتمع لعملية توجيه صارمة وأن تطلب ذلك استعمال القوة، وثانياً:تحقيق الولاء للنظام السعودي الحاكم. وباختصار فان "المطاوعه "ربطوا شاءوا أم ابوا بين الولاء للسلطة وبين الولاء للدين الاّ أن الغلبة كانت في نهاية الامر لولاية السلطة التي استخدمت الولاء الديني كاداة للسيطرة.

وقد قيل بأن المنتسبين لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قد بلغوا عشرة آلاف منتسباً في بداية تأسيسها عملوا من خلال اكثر من 120 مركزاً الا أن الرقم الحالي قد تجاوز ثلاثمائة ألف منتسباً يتوزعون على أكثر من عشرة آلاف مركزاً في أرجاء المملكة. ويصنف أغلبهم على الفئات الاقل تعليماً ودخلاً فيما كان لسوء الاوضاع الاقتصادية دور في التحاق عدد كبير من المنتسبين الى مراكز الهيئة حيث لا تفرض هذه المهنة مهارات خاصة بل على العكس فهي توفر مصدراً مالياً اضافياً لكثير من العوائل الفقيرة.

ومنذ أن وضع الفقيه والمكي الشيخ محمد بهجت البيطار، بطلب من قاضي القضاة التابع لابن سعود عبدالله البليحد، الشروحات على مبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يحدد مهام "المطاوعه "اصبح الخطاب الديني في الهيئة بمضمون سياسي مما افقد الهيئة طابعها الارشادي. وغالباً ماينظر المواطنون الى"المطوع" كرجل دولة لارجل احتساب (من حسبة) بسبب الوسائل المتبعة عند العاملين في الهيئة اضافة الى الاهتمامات الثانوية التي ركزّ عليها فيما يخص بعض الظواهر الاجتماعية كمنع التدخين ومراقبة الاسواق وملاحقة أصحاب الشعور الطويلة وسوق الناس بالعصا الى المساجد ودفع اتباع المذهب الوهابي للمداومة على صلاة الجماعة وهي اهتمامات في ظاهرها حسنة، الا أنها بمرور الوقت تحولت الى مفردات داخل المشروع السياسي السعودي.

وبالرغم من المحاولة الجادة التي تمتت في 14 سبتمبر 1971 اثر تشكيل لجنة مؤلفة من ثلاثة وزراء ورئيس هيئات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لاعادة النظر في التنظيم المتعلق بمهام هيئات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في أنحاء المملكة، الا أن الامور ظلت تسير من سيء الى أسوأ. يؤكد ذلك تضخم جهاز هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وغياب لوائح تنظيمية محددة لوظائفه ومسئولياته، والذي وضع بدوره الجهاز والسلطة السياسية امام تحديات خطيرة داخلية.

ان القول بانحصار رجال الهيئة ضمن حيز النشاط الدعوي يبدو صحيحاً ايضاً رغم كونهم يمثلون مجتمعين كقوة ردع داخلية، فمازال قاراً في مشاعرهم تلك الرغبة الجامحة الى ابقاء السكان تحت تأثير نشاطه الدعوي وتركيز القيم التي ناضل السابقون من اجل ترسيخها في هذه الارض المفتوحة عنوة. فقبولهم بأن يتحولوا الى وكلاء عن السلطة في حفظ الامن لن يجعلهم بحال رهن سياسة هذه السلطة حينما تستنفذ اغراضها منهم او حينما يكونوا خطراً عليها وهو ماحصل فعلاً ابان أزمة الخليج بعد احتلال العراق للكويت في الثاني من اغسطس عام 1990م وقدوم القوات الاميركية بعد ثلاثة أيام من تاريخ الاحتلال مما أثار سخطاً عارماً وسط التيار الديني السلفي، ولعل ما زاد في وتيرة السخط مشاركة عشرة الآف مجندة أميركية كن يتجولن متبرجات في الاسواق والشوارع العامة بسياراتهن العسكرية، مما اعتبره "المطاوعة" تحقيراً للمشاعر الدينية واستخفافاً بقوتهم التي لم تعد مشمولة ضمن الحسابات العسكرية في حال قررت الدولة المواجهة مع الجيش العراقي.


وكان من بين الساخطين العلماء العاملن في هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بما في ذلك رئيس الهيئة نفسه الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن ابراهيم آل الشيخ الذي عبّر عن استنكاره من وجود الاميركيين والاميركيات كرد فعل على انكسار معنوي ربطه بالخوف من انتشار مظاهر استفزازية لمشاعر المواطنين، فأصدر أوامره للمطاوعه والدوريات لملاحقة تلك المظاهر، الاّ أن حظه قادهُ للفصل من منصبه. وفي يوم السبت بتاريخ 28/5/1411هـ الموافق 15 ديسمبر 1990م صدر أمر ملكي عن فهد بتعيين الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن السعيد رئيساً عاماً لهيئات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمرتبة وزير.

ويعد تعيين السعيد الأول من نوعه في تاريخ الهيئة ، فقد تلقى السعيد تعليمه الديني في الجامع الازهر وهذا خلاف الرؤساء الماضين الذين تخرجوا من المؤسسة التعليمية الوهابية. وقد فُسر القرار على أنه يتناسب وطبيعة المرحلة بعد التذمر الذي ساد اوساط العلماء الوهابيين إزاء وجود القوات الاميركية.


وفي سؤال لجريدة الرياض في 13 جمادى الآخرة 1411هـ حول التجاوزات المتكررة للصلاحيات المتاحة لرجال الهيئة من قبل الدولة رد السعيد بالايجاب، وأكد على تجاوز رجال الهيئة للصلاحيات المنوطة بهم ومن بين التجاوزات مداهمة المنازل والتدخل في شؤون الغير والتشهير بمرتكب مخالفة ما، كما أشارت الجريدة الى تطرف رجال الهيئة في انكار المنكر ودعت الجريدة الى محاكمة رجال الهيئة فيما يتصل بالممارسات والسلوكيات الخاطئة
__________________
<CENTER> ---------------------------------