عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 20-01-2006, 07:07 AM
كيميائي كيميائي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
المشاركات: 4
إفتراضي

تابع للمقال.................



رابعاً: هذا الاستهزاء لا يخدم مصالح الدنمارك ولا مصالح أوروبا :

إنَّ العقلاء في البلاد الغربية النصرانية ينبغي أن يدركوا كم في تلك الكلمات والاستفزاز من الأخطار الكبيرة على رعاياهم ومصالحهم في أقطار الأرض، بل وفي بلدانهم، وأنها قد تؤدي لمزيد التوتر، بما يتعين معه الكف عن هذا الغيِّ والبهتان.

فقد تأخذ الحميةُ بعض المتحمسين للثأر ممن وقع في رسول رب العالمين، ومئات الملايين يفرحون أن يموتوا دفاعاً عن نبيهم وعن مكانته الشريفة أن تمتهن.

ولكن من ضمن هؤلاء من لا يَقْدِر أن يصفِّي حسابه مع من استهزأ وقال الإفك والبهتان لبُعده عنه ؛ فيعمد إلى من يراهم يدينون بالنصرانية حوله فينتقم منهم ومن ممتلكاتهم لقربه منهم.

مع أن هذا العمل الأخير لا يجوز، وقد حرمه ومنع منه رسول الله محمد فقال : " مَنْ قَتَلَ معاهداً لم يَرَحْ رائحةَ الجنة " رواه البخاري.

والمراد بالمعاهد: من له عهد مع المسلمين، سواء كان بعقد جزية أو هُدنة من سلطان، أو أمانٍ من مسلم، ويدخل في ذلك ما له صلةٌ بالأعراف الديبلوماسية التي التزمت بها الدول وتعارفت عليها.

وأعمال التحريض والاستفزاز تلك ستؤدي إلى سفك الدماء وإزهاق الأرواح ومزيد الاضطراب والتوتر.

ونذكِّر في هذا المقام بالقرار الذي تبنته لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ( بتاريخ 3/3/1426 هـ - الموافق12/4/2005 م ) الداعي إلى محاربة تشويه الأديان، لاسيما الإسلام، الذي زادت وتيرة تشويهه في الأعوام الأخيرة وللأسف الشديد .

خامساًً : أين الحكماء من النصارى؟

أذكِّر الشعب الدنمركي، وغيره من الشعوب النصرانية، وغيرهم من أُمم الأرض، أذكِّرهم جميعاً بالمواقف السابقة لأسلافهم من النصارى، وكيف كان تعاملهم مع رسول الله محمد .

فقد كان موقفهم حضارياً حكيماً متعقلاً، بعيداً عن التشنجات النفسية أو الانحرافات الأخلاقية، فكانت عاقبة أمرهم إلى خير، في الدنيا، أو في الدنيا والآخرة.

فقد أرسل رسولُ الله محمدٌ رسائل إلى كِسرى ملك الفرس وإلى قيصر ملك الروم، وكلاهما لم يُسْلِم، لكنَّ قَيصر أكرم كتاب رسول الله ، وأكرم رسوله، فثَبَتَ ملكُه، واستمر في الأجيال اللاحقة، وأما كِسرى فمزَّق كتاب رسول الله ، واستهزأ برسول الله، فقتله الله بعد قليل، ومزَّق مُلكَه كلَّ مُمَزَّق، ولم يبق للأكاسرة ملكٌ.

وقد ذكر المؤرخون كيف كانت ملوك النصارى يعظِّمون ذلك الكتاب الذي بعث به النبيُّ .

وفي هذا يقول الإمام العالم الحافظ ابن حجر:

ذكر السهيليُ أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيماً له، وأنهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلَّب على طُليطلة، ثم كان عند سِبطه، فحدثني بعضُ أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب، فلما رآه استعبر، وسأل أن يمكِّنه من تقبيله فامتنع.

ثم ذكر ابن حجر عن سيف الدين فليح المنصوري أن ملك الفرنج أطلعه على صندوق مُصفَّح بذهب، فأخرج منه مقلمة ذهب، فأخرج منها كتاباً قد زالت أكثر حروفه، وقد التصقت عليه خِرقَة حرير، فقال : هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر، ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤُنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا، فنحن نحفظه غاية الحفظ، ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا " انتهى.

ثم أَمَا للشعب الدنمركي النصراني وغيرهم من النصارى أسوةٌ بالملك النصراني النجاشي ملك الحبشة، فإنه لما قرأ عليه الصحابي جعفر بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ صدراً من سورة مريم بكى النجاشي حتى أَخْضَلَ لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي : إن هذا ـ واللهِ ـ والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. رواه الإمام أحمد في "المسند".

ولقد نقل رسول الله محمد ما أوحاه الله إليه في القرآن الكريم من ثناء الله جل وعلا على أولئك النصارى الذي صدقوا في دينهم وفي أمانتهم، وهو قول الله في القرآن الكريم: ( وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) [سورة المائدة : 83].

ونذكِّر الشعب الدنمركي وقادة الرأي والمثقفين فيه والقائمين على صحيفة (جيلاندز بوستن) نذكرهم بما قاله أحد علمائنا، وهو الإمام أحمد ابن تيمية ـ رحمه الله ـ قال: "وما زال في النصارى ، من الملوك والقسيسين والرهبان والعامة ، من له مزية على غيره في المعرفة والدين، فيعرف بعض الحق، وينقاد لكثير منه، ويعرف من قَدْرِ الإسلام وأهله ما يجهله غيره، فيعاملهم معاملة تكون نافعةً له في الدنيا والآخرة".